أصدرت منظمة “النساء الآن” بالتعاون مع “منصة عيني عينك”، تقريراً بحثياً حول معاناة معتقلات سابقات في سجون مخابرات النظام، وجهات أخرى في سورية، موثقاً تحديات اجتماعية ونفسية وجسدية للناجيات، حتى بعد خروجهن من المعتقلات.
التقرير الذي يحمل عنوان “ناجيات أم ليس بعد”، يتناول تحليلاً لتجارب وقصص ناجيات من المعتقلات السورية، بلغ عددها 58 قصة، 48 منها كان نظام الأسد مسؤولاً عنها، و8 قصص كان فيها تنظيم “الدولة الإسلامية” هو جهة الاعتقال، فيما تطرقت قصة واحدة لتوقيف إحدى الناجيات على حاجز لـ “الجيش الحر”.
“وصمة اجتماعية” تلاحق الناجيات
أبرز التحديات التي تطرق لها التقرير، كان “الوصمة الاجتماعية” التي لاحقت الناجيات من المعتقلات، حسب ما روينّ، خاصة من قبل الأشخاص المقربين منهن.
وجاء في التقرير: ” كانت وصمة العار تلاحق الناجيات في كل الظروف والحاالت، إلا بعض الاستثناءات التي لا تغير القاعدة، وقد وصلت ردود فعل المقربين/ات إلى حدود متطرفة جداً، وجاء أغلبها من ذكور العائلة (الأب، الزوج، الأخ)، الذين رفضوا الناجيات بشكل مطلق، أو حتى وضعنهن بعد الاعتقال في حبس قسري في المنزل، أو تم تزوجيهن لغسل العار، أو إعلان وفاتهن وهن أحياء”.
وسجل التقرير 10 حالات طلاق لناجيات من الاعتقال، كان السبب فيها أنهن “كن معتقلات”، حيث قالت إحداهن: “كان قرار زوجي الطلاق، وكان إقصائي من قِبل أسرتي أشد من عذابي وأنيني داخل زنزانتي الرطبة المظلمة، وأقسى من عصا السجان”.
ومن ضمن العينات التي حللها البحث تم توثيق أربع حالات تزويج قسري تعرضت لها الناجيات، و7 حالات لناجيات حرمن من أطفالهن، و2 حرمتا من التواصل من أسرتيهما.
ورغم ذلك، تطرق التقرير لبعض المواقف التي ظهر فيها بعض الأشخاص المتعاونين والمتفهمين في محيط الناجية، إلا أن ذلك “لم يلغِ أن المجتمع نفسه يُشكّل ضغطاً وعبئاً على الحياة اليومية للناجيات”.
إهمال صحة الناجيات النفسية والجسدية
تحدث تقرير “ناجيات أم ليس بعد” عن غياب فكرة الدعم أو العلاج النفسي عن المجتمع بشكل عام، وارتباطه بمعتقدات شعبية كالجنون وعدم الكفاءة، ما دفع بعض الناجيات إلى رفض العلاج النفسي رفضاً قاطعاً.
وقالت إحداهن: “اقترح عليَّ أحد الأصدقاء الخضوع لمعالجة نفسية، ولكنني رفضت، فأنا لست مريضة نفسية، بل قوية جداً”.
واعتبر التقرير أن للأهل دور أساسي في تقبل أو عدم تقبل فكرة العلاج النفسي، إذ إن رفع الوعي لدى الناجيات بضرورة العلاج أمر منقوص، مع بقاء العائلات ضمن تفكير منغلق حول هذه الفكرة، حسبما جاء فيه.
إلا أنه في بعض الحالات التي اقتنعت فيها الناجيات بضرورة تلقي العلاج النفسي، ذكرت إحداهن أنها اضطرت لتناول المهدئات والعلاج الدوائي لفترة زمنية طويلة بلغت حد الإدمان عليها، وذلك نتيجة إصابتها بانهيار عصبي وحالة اكتئاب حاد.
ومع ذلك، يلعب الوضع المادي والتعليمي للناجية دوراً في احتضان المجتمع لها، حيث سجل التقرير 17 حالة لناجيات كن يدرسن أو لديهن مؤهلات علمية قبل أو بعد الاعتقال، الأمر الذي أثر إيجابياً على حياتهن بعد الاعتقال، وساهم في ردم الهوة التي سببها.
أبرز احتياجات الناجيات
بحسب تقرير “ناجيات أم ليس بعد”، فإن فئة من المعتقلات السابقات غير عارفة أو قادرة على تحديد احتياجاتها بعد الاعتقال، وذلك لغياب المعلومة وعدم القدرة على الوصول لها، إلا أن الفئة الثانية كانت قادرة بنفسها على تحديد احتياجاتها حسب وجهة نظرها.
وتحدث التقرير عن 6 احتياجات أساسية للناجيات، ومن بينها تلقي العلاج الطبي خاصة أن نسبة منهن تعرضن لأمراض مزمنة مثل: الفشل الكلوي والجلطات والإجهاض المتكرر وفقدان نسبي للبصر.
ومن ضمن الاحتياجات أيضاً: الحاجة للأمان النفسي والحماية، العمل والتأمين المادي، تغيير مكان الإقامة، إيجاد حل للأمور القانونية العالقة (منع سفر- حرمان من الأوراق الثبوتية)، تحقيق العدالة والتقاضي.
وفي ختام التقرير، تطرقت منظمة “النساء الآن” و”منصة عيني عينك” إلى أهمية العدالة والمحاسبة، إلا أنها في الوقت ذاته تحدثت عن أولويات أخرى بالنسبة للناجيات من الاعتقال، وأبرزها إزالة العوائق التي تقف بوجههن.
واعتبر التقرير أن “هناك حاجة كبيرة لدراسة معمقة لفهم واقع الناجيات، والنساء عموماً، في ظل الحرب، وعدم تبني خطابات جاهزة لا تغني من جوع”.