في نص بعنوان “ينصحون إسرائيل بالدفاع عن أعداء الأسد” ، وعنوان ثانوي “الدولة العبرية تحاول إقامة “جزيرة نفوذ” في جنوب سوريا ” ، نقلت صحيفة “NG” الروسية في 21 من الشهر الجاري عن تقرير لمعهد أبحاث الأمن القومي في جامعة تل أبيب(INSS) ، يقترح واضعوه على القيادة الإسرائيلية إعادة النظر بسياستها حيال المناطق الجنوبية في سوريا ، والعودة إلى فكرة التفاعل النشيط مع السكان المحليين . وتنقل الصحيفة عن التقرير قوله ، بأن إسرائيل لم تنجح طيلة السنوات الأخيرة في الحؤول دون “إنشاء جبهة إيرانية أخرى” بالقرب من حدودها . إلا أن إعادة النظر باستراتيجيتها حيال جنوب سوريا ، يتطلب من إسرائيل التوافق مع الجانب الروسي.
ينصح خبراء المعهد القيادة الإسرائيلية “إستغلال ضعف” دمشق وحليفتها طهران ، وتنشيط سياستها في جتوب سوريا . وعلى الجيش الإسرائيلي ، برأي هؤلاء ، لا أن يحمي فقط أراضي سوريا من التشكيلات الموالية لإيران ، بل و”يعزز القوى المحلية” أيضاً . وعلى الإسرائيليين التواصل مع المجتمعات المحلية ، التي تقف ضد دمشق الرسمية ، من خلال المساعدات الإنسانية : المواد الغذائية ، المحروقات والخدمات الطبية . وهذا يتيح الفرصة لإقامة “جزيرة نفوذ إسرائيلي” ، وتقويض دعائم الوجود الإيراني ووسطائه في الجنوب السوري.
ويرى هؤلاء ، حسب الصحيفة، أن “سياسة عدم التدخل” الإسرائيلية ، ما عدا العمليات الأرضية المحدودة والقصف الجوي ، لم تتكلل بالنجاح ، إذ تمكنت إيران ، العدو الإقليمي الرئيسي لإسرائيل ، من إقامة منطقة محصنة كاملة على حدودها ، إضافة إلى المنطقة اللبنانية . وما أن استوعبت إسرائيل هذا الوضع ، حتى وجدت نفسها ملزمة بالرد على الوجود الإيراني بالوسائل العسكرية . واستند الجانب الإسرائيلي في عملية الرد على روسيا ، التي لم تحاول ، حسب واضعي التقرير ، عرقلة عمليات الجيش الإسرائيلي.
يروي التقرير قصة التعاون الإسرائيلي مع سكان الجنوب السوري ، الذي بدأ منذ سبع سنوات ، حين قدمت الدولة العبرية المساعدة الطبية لمجموعة من السوريين ، الذين عبروا الحدود . أقامت إسرائيل في البداية مستشفى ميدانيً في المنطقة المجاورة للحدود ، ثم قررت لاحقاً نقل المحتاجين للعلاج إلى المستشفيات داخل إسرائيل . وفي العام 2016 بدأت المساعدة الإنسانية الإسرائيلية تحت إسم عملية “حُسن الجوار”، التي كان سكان المناطق الجنوبية السورية يتلقون في إطارها المواد الغذائية ، وتقدم لهم المساعدات الإنسانية . وفي العام 2018 انقطعت قنوات الإتصال مع سكان الجنوب ، حين أصبحت هذه المناطق تحت سيطرة دمشق.
يقول كاتب النص في الصحيفة إيغور سوبوتين ( اعترض السفير السوري في موسكو على مقالة سابقة له عن زيارة وزير الخارجية السوري إلى طهران) ، بأن المعطيات أعلاه هي المعطيات الرسمية لمهمة “حسن الجوار” . لكن المساعدات الإسرائيلية لم تقتصر على الجانب الإنساني فقط ، بل تضمنت مساعدات عسكرية لسكان الجنوب السوري . وينقل الكاتب عن الباحثين في مركز التحليل الإسرائيلي “منتدى التفكير الإقليمي” إشارتهم إلى أن المساعدات العسكرية الإسرائيلية ، شملت ما بين 7 و12 فصيلاً من المنتفضين السوريين ، ممن كانوا ينشطون في المناطق الجنوبية . ويشير تقرير المركز للعام 2018 ، إلى أن القسم الأعظم من المساعدات العسكرية الإسرائيلية ، كان يتكون في البداية من البنادق الأميركية M16 . إلا أن الأمر اختلف لاحقاً ، وأخذت إسرائيل تقدم أسلحة أخرى ، من دون أن يحدد الكاتب نوعية هذه الأسلحة ، ومن هي الدول المنتجة لها ، وهو ما أكسب فكرة “تعزيز القوى المحلية” معنى مختلفاً كلياً ، على قوله.
ينفي الرسميون السوريون في العلن مشكلة الوجود الإيراني ، واندماج العناصر الموالية لطهران في تشكيلات الجيش السوري الرسمي ، حسب الكاتب ، الذي يستشهد على كلامه بمقتطفات من رسالة السفير السوري في موسكو إلــــى هيئة تحـــرير الصحيفة ( نشرت “المدن” مضمون الرسالة في 15 من الشهر الجاري) . ويختار الكاتب من الرسالة تلك قول السفير، بأن سردية تأثير إيران العميق وأتباعها الشيعة في الجنوب ، هي نتاج البروباغندا الإسرائيلية ، التي “تحاول تبرير هجماتها غير القانونية على أراضي الجمهورية العربية السورية ، بغية دعم المجموعات الإرهابية المسلحة وتشديد عزيمتها بعد كل هزيمة يلحقها بها الجيش السوري والضربات الجوية الروسية.
وينقل الكاتب عن حديث له مع خبير المجلس الروسي للشؤون الدولية كيريل سيميونوف إشارته ، إلى بقاء جميع قضايا النزاع بشأن الجنوب السوري من دون حل . يقول سيميونوف ، بأن “الخطر ما يزال هو ذاته” ، ويتمثل في ظهور المجاهدين الشيعة ، الذين تشرف عليهم إيران ، عند الحدود مع إسرائيل ، متسترين بالوحدات النظامية للجيش السوري ، ولا يخفون مخططاتهم للهجوم على إسرائيل . ويؤكد الرجل ، أن هذا الوضع يجعل جميع وحدات الجيش السوري ومواقعه أهدافأ للجيش الإسرائيلي . ويشير سيميونوف إلى “مشكلة قائمة بذاتها” ، وتتمثل في تصاعد إستياء سكان الجنوب السوري المدنيين من محاولات نظام الأسد تعزيز سيطرته على مناطق المصالحات.
ويختتم الكاتب نصه بالقول ، أن النقاش حول تسوية الوضع في جنوب سوريا يتطلب مفاوضات أخرى بين اللاعبين الخارجيين ، بما فيها بين روسيا وإسرائيل ، كما جرى في العام 2018 . وينقل عن تقرير المعهد الإسرائيلي INSS قوله ، بان الجانب الإسرائيلي يأمل في أن تكون روسيا ما زالت تفكر ب “الوصفات الإتحادية” بشأن الجنوب السوري ، من دون أن يتطرق إلى ماهية هذه الوصفات ، وما تعنيه في الواقع.
وفي سياق متصل بوجود الفصائل الشيعية الموالية لإيران في سوريا ، نشرت الصحيفة عينها “NG” ، وفي اليوم ذاته ، لمن وصفته بمراسلها الخاص ، نصاً بعنوان “إيران مستعدة لإرسال مقاتليها في سوريا إلى أفغانستان” ، وعنوان إضافي “طهران إقترحت على كابول إستخدام “جيش الفاطميين” ضد الإرهابيين”.
تتحدث الصحيفة في نصها عن تصريح وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف لقناة التلفزة الإخبارية الأفغانية “TOLOnews” ، الذي قال فيه ، بأن الحكومة الأفغانية بوسعها إستخدام “جيش الفاطميين” ضد الإرهابيين “إذا رغبت في ذلك” . وتقول الصحيفة ، بأن الوزير الإيراني لم يحدد شروط إستخدام كابول لهذه القوات ، وضد أي إرهابيين . وتؤكد أن ظريف لم يستهدف من إقتراحه هذا ، سوى جس نبض الحكومة الإفغانية في ردها على ذلك . وتشير الصحيفة ، إلى أن كابول لم تكن قد ردت ،حتى تاريخه، على إقتراح ظريف ، إلا أنها في حال قبلت ذلك ، فليس من المؤكد ، أن الصراع ضد الإرهابيين في أفغانستان سوف ينتقل إلى مستوى أكثر فعالية . بل ، على العكس ، سوف يؤدي ذلك ، على الأرجح، إلى تعقيد الوضع العسكري السياسي في البلاد أكثر مما هو معقد.
موقع راديو “الحرة” الناطق بالروسية ، كان أكثر تحديداً في تعليقه على إقتراح ظريف ، إذ قال ، بأن “مقابلة وزير خارجية إيران أثارت إستياء كابول الرسمية” . وقال ، بأن أقوال محمد جواد ظريف حول مشاركة الشيعة الأفغان في الحرب السورية ، أثارت ردة فعل سلبية في مختلف أوساط المجتمع الأفغاني . وأشار الموقع ، إلى أن ظريف قال في مقابلته ، بأن إيران قد ساعدت فقط هذه التشكيلات في الصراع مع الدولة الإسلامية “العدو المشترك لجميع بلدان المنطقة” ، وأن هذه التشكيلات شاركت في الحرب السورية إنطلاقاً “من قناعاتها الخاصة”.
من المستبعد ، أن يكون الوزير الإيراني ليس على علم بنصيحة المعهد الإسرائيلي إقامة منطقة نفوذ إسرائيلية جنوب سوريا ، فهل هي الصدفة ، التي جعلت النصيحة الإسرائيلية تتزامن مع إقتراح الوزير نقل “لواء الفاطميين” إلى أفغانستان ، أم أنها الرغبة في التخفيف من الوجود الإيراني في سوريا في ظل تراجع التوتر فيها في الفترة الأخيرة . وردة فعل موقع “الحرة” الأميركية على إقتراح ظريف ، لا يشير إلى أن الأميركيين شديدو الإعجاب بالإقتراح ، وإن كانت لم تصدر عنهم ، حتى الآن ، أية ردة فعل على المشروع الإسرائيلي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت