“رغيف الخبز أبسط الحقوق”، عبارة قالها أحد المواطنين من أهالي بلدة “قمحانة” الخاضعة للنظام بريف حماة الشمالي، خلال وقفة احتجاجية، قبل أيام، بسبب تناقص كميات الخبز في البلدة، في وقت لا يبدو فيه أن أزمة نقص الخبز في مناطق سيطرة حكومة الأسد في طريقها للحل.
وعادت صور انتظار طوابير المواطنين على الأفران لساعات طويلة، إلى جانب رداءة صنع الخبز، في وقت لم تعدّ حكومة الأسد تتحدث كثيراً عن الأسباب الكامنة وراء الأزمة، وإنما تكتفي بالحديث عن الجهود التي تبذلها لتأمين رغيف الخبز للمواطنين.
لكن في المقابل أصدرت عدة قرارات زادت المعاناة وكانت دلالة واضحة على تفاقم الأزمة.
قراران أغضبا المواطنين
القرار الأولى كان أواخر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، عندما رفعت وزارة التجارة سعر ربطة الخبز 100% لتصبح بسعر 100 ليرة سورية، كما رفعت سعر طن الطحين إلى 40 ألف ليرة سورية.
وبررت حينها الوزارة بأنه جاء “نظراً للظروف الصعبة والحصار المفروض على سورية من قبل الولايات المتحدة الأميركية وشركائها وما يسببه من صعوبات في توفير المواد الأساسية للمواطن السوري وشحنها وتسدد قيمتها وارتفاع تكاليفها”.
أما القرار الثاني كان حسم 16% من مخصصات الطحين على كافة المخابز العامة والخاصة، في حين زعم زياد هزاع، مدير عام مؤسسة المخابز التابعة لوزارة التجارة في حكومة الأسد، أن القرار لن يؤثر على مخصصات المواطنين اليومية من الخبز.
وحددت المؤسسة السورية للحبوب” التابعة لوزارة التجارة في حكومة الأسد، أواخر الشهر الماضي، صعوبات تأمين القمح، وأرجعت ذلك إلى سببين؛ الأول هو ما أسمته “الحصار الاقتصادي المفروض”، أما السبب الثاني يعود إلى “عدم توفر القطع الأجنبي اللازم لإتمام وإنجاز بعض العقود التي أبرمتها المؤسسة”.
في حين أرجع محللون اقتصاديون في حديثهم لـ”السورية. نت”، جملة من الأسباب الحقيقية الكامنة وراء أزمة رغيف الخبز التي من المتوقع استمرارها في ظل المؤشرات والمعطيات القائمة.
السبب الأول بحسب المحلل الاقتصادي خالد التركاوي، يعود إلى خروج المناطق الزراعية المخصصة لزراعة القمح في سورية والموجودة معظمها في شمال شرقي سورية عن سيطرة حكومة الأسد، إذ تعددت خلال السنوات الماضية نفوذ السيطرة عليها بين “تنظيم الدولة” وصولاً إلى “قوات سوريا الديمقراطية”.
وبحسب التركاوي، فإن الأطراف المسيطرة كانت سابقاً تبيع جزء من إنتاجها إلى حكومة الأسد ومناطق سيطرة الفصائل في شمال غرب سورية، إضافة إلى إدخال كميات إلى العراق، لكن توقف المزارعين عن الزراعة وتهجيرهم لسوء الأوضاع المعيشية، إلى جانب الحرائق التي ضربت مساحات واسعة، أدى إلى قلة الكميات ما أثر على البيع للنظام.
أما السبب الثاني يعود إلى محاولة حكومة الأسد “تنظيم أزمة الخبز” دون وجود بنية تحتية، عبر توزيع الخبز بالبطاقة الذكية، لكن ضعف البنية التحتية من كهرباء وانترنت أدى إلى مشاكل كبيرة في البطاقة الذكية وحرمت جزء كبير من الأشخاص من الحصول على الخبز.
روسيا حاضرة غائبة
أما السبب الرئيسي برأي المحللين، فإنه يعود إلى توقف توريد مادة القمح الاستراتيجية من روسيا، التي أصبحت خلال السنوات الماضية المورد الأول لحكومة الأسد.
وقبل الثورة السورية، كانت كمية المحصول من القمح في سورية، تبلغ في 2011 نحو 3.4 مليون طن، في حين كانت الحاجة المحلية 2.7 مليون طن، ما يعني أن سورية كانت مكتفية ذاتياً في المادة الاستراتيجية، لكن مع تصاعد الأحداث انخفضت كميات الإنتاج بشكل كبير.
وحسب تقرير صادر عن “المؤسسة السورية للحبوب” فإن المؤسسة تسوقت 700 ألف طن قمح محلي من الفلاحين العام الماضي، في حين تحتاج المناطق الخاضعة لسيطرة النظام إلى مليوني طن قمح لتأمين الحاجة من الخبز حسب عدد السكان الحالي.
وعمدت حكومة الأسد، خلال السنوات الماضية، إلى تأمين القمح عن طريق مناقصات دولية وشراء القمح، خاصة من روسيا التي استوردت منها خلال العام الماضي بحسب أرقام المؤسسة 675 ألف طن قمح من روسيا.
لكن خلال الأسابيع الماضية أعلنت حكومة الأسد إيقاف ستة عقود توريد قمح من روسيا لكميات تصل إلى 450 ألف طن.
وقال مدير التجارة الخارجية بمؤسسة الحبوب، نذير ضبيان إنه “بالفعل تم الاعتذار عن 6 عقود من قبل شركات روسية بعد أن وقعت عقودها مع المؤسسة، وذلك لأسباب تتعلق بالتأخر في فتح الاعتمادات وارتفاع الأسعار العالمية”.
وأدى إيقاف التوريد إلى البحث عن الأسباب الكامنة وراء ذلك وسط حديث عن استخدام موسكو لورقة القمح للضغط على نظام الأسد، للحصول على امتيازات اقتصادية أو سياسية.
واعتبر وزير الاقتصاد في “الحكومة المؤقتة”، عبد الحكيم المصري، أن النظام لا يتخوف من استخدام القمح كسلاح ضده من قبل روسيا.
وأرجع خلال حديثه لـ”السورية.نت”، سبب إيقاف التوريدات إلى عدم قدرة النظام على دفع تكاليفه بالقطع الأجنبية لعدم توفرها، إلى جانب عدم قدرته على تحويل قيمة المستوردات بعد إقرار العقوبات الأمريكية على المصرف المركزي بموجب قانون قيصر الشهر الماضي، معتبراً أنها ليست الأول التي توقف روسيا توريد القمح للنظام وإنما أوقفته سابقاً.
أما المحلل الاقتصادي خالد التركاوي، فقد اعتبر أن نظام الأسد “لا يعبأ بمشكلة القمح، بل على العكس يتقصد إدارتها ليبقي الشعب تحت رحمته”.
واشار إلى أن “روسيا هي بالنهاية مستثمر في الملف السوري سواء سياسياً أم اقتصادياً لذلك لن تعطي القمح مجاناً، خاصة أن لها شركات خاصة لابد للنظام الدفع لها من أجل توريدها للقمح”، متوقعاً أن النظام لديه التزام مع شركات روسية من أجل استيراد القمح عبر عقود توريد حصرية لكن يبدو لديه مشكلة في قضية الدفع مما أدى إلى إلغائها.
بدائل ذاتية
وفي ظل تفاقم الأزمة، بدأت حكومة الأسد البحث عن بدائل لتأمين محصول القمح، ومن أجل ذلك أمامه أمران الأول هو، بحسب التركاوي، زراعة محلية في أرباف درعا وحمص، إضافة إلى شراء القمح من الدول، لكن تبقى لديه مشكلة الدفع بالقطع الأجنبي.
ويقول عبد الحكيم المصري:”ليست كل الأراضي صالحة للزراعة..لا بد من صيانة وإصلاح مشاريع الري من أجل زراعة القمح والحصول على إنتاج أكبر، إذ أن كل 1240 كيلو قمح يجب أن ينتج طن طحين”.
وبالفعل أطلقت حكومة الأسد العام الحالي اسم “عام القمح”، بحسب وزير الزراعة في حكومة الأسد، محمد حسان قطنا، الذي قال في اجتماع أمام الوزارة الشهر الماضي، إن “عام القمح يعني زراعة كل شبر في سورية وبديلاً من تأمين الأمن الغذائي الوطني يجب تأمين الأمن الغذائي الأسري، وهو أمر هام وضروري لتأمين الاكتفاء الذاتي من المنتج”، مضيفاً “خلينا نرجع نخبز في بيوتنا ولا ننتظر الدولة بل نساعدها”.
واعتبر قطنا أن الحكومة “أمام خيارين إما ألا نزرع ونخسر كل شيء، أو نزرع ونأخذ جزءاً من الإنتاج حتى نستطيع أن نؤمن السماد الفوسفاتي”، مؤكداً أنه “إذا لم تنجح الزراعة هذا العام كلنا خاسرون كوزارة وشعب”.
كما دعت حكومة الأسد أصحاب الأراضي الزراعية والفلاحين، إلى زراعة أي مساحة ممكنة بمادة القمح لتعويض النقص الحاصل، وهو ما أكد عليه مسؤولون في الحكومة، في حين نشرت الحكومة صوراً لوزير الزراعة ووزير التربية في حكومة الأسد دارم طباع، وهما يشاركان عدداً من طلاب معهد للتعليم الريفي بزراعة القمح في منطقة بريف دمشق.
وقالت الوزارة إن المشاركة تأتي “إيمانا بأهمية محصول القمح، وبهدف زراعة كل المساحات الممكنة، ولتعريف الطلاب بقيمة هذا المنتج الاستراتيجي وإشراكهم في زراعته”.