شهدت عدة مناطق سورية، هذا الأسبوع، أحداثاً بعضها عسكري في بادية دير الزور وطفس غربي درعا، وبعضها احتجاجيٌ انتهى بإطلاق نار في الحسكة، وآخر جُمّدَ حالياً في السويداء.
وتتزامن كل هذه التطورات، مع انعقاد الجولة الخامسة لـ”اللجنة الدستورية” في جنيف، في وقتٍ تظهرُ فيه معطيات عن استعداد نظام الأسد، لإطلاق “حملة الانتخابات الرئاسية” قريباً.
الحسكة..رصاصٌ يُبددُ “مسيرة”
في محافظة الحسكة، شمال شرق سورية، بدا مشهد “المسيرة” التي جيّشَ لها النظام، للضغط على “قسد” التي تُحاصر مربعه الأمني، بالغ الغرابة للسوريين، إذ ربما للمرة الأولى، يُفرقُ الرصاص “مسيرةً” تهتف لـ”سورية الأسد”.
فنحو الساعة الرابعة من عصر اليوم، تجمع مئاتٌ المناصرين للنظام، قريباً من ساحة “حافظ الأسد” وسط مدينة الحسكة، بعد حشدِ فِرقِ “حزب البعث” لهم، لإذاعة بيان يطالب “قسد”، بـ”رفع الحصار فوراً وبدون أية شروط حفاظاً على السلم الأهلي والوحدة الوطنية”.
التجمع الاحتجاجي الذي حصل اليوم في الحسكة، ليس الأول من نوعه، خلال الأسبوعين الأخيرين، لكنه تطورَ مع إطلاق عناصر “أسايش”(قوات الأمن الداخلي للإدارة الذاتية) النار، لتفريق بعض المشاركين في الاحتجاج، الذين يبدو أنهم حاولوا التقدم نحو أحد حواجز “أسايش” المحيطة بالمربع الخاضع للنظام وسط مدينة الحسكة.
ويدخل ما يصفه النظام بـ”الحصار” الذي تفرضه قوات “قسد”، ضد المربع المذكور أسبوعه الثالث، في وقتٍ شددت فيه “أسايش”، حسبما قالت مصادر في الحسكة لـ”السورية.نت”، إحكام قبضتها على مداخل هذا المربع اليوم، وأغلقت شارع فلسطين من جهة حديقة القدس.
وبُثّت مشاهد مصورة من الحسكة على الانترنت، تُظهر إطلاق عناصر “أسايش” النار لتفريق عشرات المناصرين للنظام، في وقتٍ كانوا يهتفون “الله سورية بشار وبس”.
وتوضح المشاهد استنفار مُسلحين ومُسلحات يتبعون “أسايش” عند حاجزٍ لهم، وإطلاق بعضهم النار لتفريق مُناصري النظام، الذين هرولوا بعيداً عن الحاجز، وكان بينهم عناصر وضابط من قوات النظام.
تصاعد التوتر في الحسكة.. النظام: “قسد” أطلقت النار على متظاهرينا
وتعطي حادثة اليوم، مؤشراً إضافياً لمدى الضعف الذي وصلت إليه قبضة النظام في شمال شرق سورية، إذ بات يكتفي بنشر وسائل إعلامه يومياً، كلماتٍ وبياناتٍ لشخصيات محلية مناصرة لهُ في الحسكة، تُندد بـ”حصار قسد للمدنيين”، و تدعو “أبناء العشائر العربية وكل مكونات أبناء محافظة الحسكة إلى الوقوف بوجه الميليشيا التي تحاول تنفيذ أجندة مشغليها” حسب تعبير شيخ “عشيرة البوخطاب” حسناوي الجدوع، الذي نشرته وكالة “سانا”.
وشهدت الأيام الماضية، حسب معلومات “السورية.نت”، تدخلاً روسياً لاحتواء التوتر في الحسكة بين النظام و”قسد”، إذ أن وفداً من “قسد” التقى محافظ الحسكة التابع للنظام، غسان خليل، في مطار القامشلي، وطالبه بإنهاء “حصار” قوات النظام لحي الشيخ مقصود ومحيطه الخاضع لـ”قسد” في حلب.
لكن المحافظ قال إنه لا يملك سلطة ذلك والأمر بيد “القيادة”، في حين طالب “قسد” بإنهاء “حصار” المربع الخاضع للنظام في “الحسكة”.
السويداء..جمرٌ تحت الرماد
إلى الجنوب السوري، حيث شهدت السويداء، خلال اليومين الماضيين، حراكاً من نوع آخر، تمثلَ بموجة غضب جديدة، ضد نظام الأسد، إثر حادثةٍ أظهرت مُجدداً، تعاظم السخط في المحافظة، التي تحاول كل القوى فيها، التوازن بين فرض هيبتها و الحفاظ على شعرة التهدئة في الشارع.
بدأت الحادثة أول أمس الإثنين، بإتصال أحد أهم الزعماء الروحيين في المحافظة، حكمت الهجري، مع رئيس فرع الأمن العسكري في الجنوب، لؤي العلي، للاستفسار عن شابٍ معتقل لدى النظام.
لكن العلي وفق تقاطع المعلومات “تحدث بعجرفة وأبدى إهانة” للهجري، ما استدعى بعد انتشار القصة، توجه عدة شيوخ من الطائفة الدرزية ومئات السكان المحليين، نحو بيت الهجري، للتضامن معه وتوجيه رسالةٍ واضحة للنظام، الذي سارع أمس الثلاثاء، لاحتواء الموقف، بإطلاق سراح المُعتقل، ويدعى سراج الصحناوي.
لكن قبل ذلك، كانت بعض صور رئيس النظام، بشار الأسد، قد حُطمت من قبل شبانٍ غاضبين في السويداء، وبدا أن الموقف قابلٌ للانفجار، قبل أن تصدر “الرئاسة الروحية للمسلمين الموحدين” مساء الثلاثاء، بياناً حمّلتهُ رسائل تهدئة وتهديد.
تحدثت “الرئاسة الروحية”، في بيانها الذي وصل لـ”السورية.نت”، أن على “أي مسؤول أياً كان موقعه، أن يعمل في سبيل الوطن والمواطنين، وأن يدرك أنه خادم للجماهير لا سيد عليها، وألا ينشر بشاعته وتسلطه، وألا تأخذه العزة بالإثم ليجد مستقبله المظلم بما جنت يداه على نفسه”.
“الرئاسة الروحية” في السويداء تتوعد: نجحنا بتهدئة الشباب للمرة الأخيرة
وفيما اعتبر البيان أن الأحداث التي شهدتها السويداء أمس “رسالة إلى كل مسؤول ينحرف عن جادة الصواب”، فإنه قال:”استطعنا برجاحة أدب شبابنا، وأخلاقياتهم المعروفة، أن نحصل على موافقتهم على استمرار الهدوء، وللمرة الأخيرة، ووعدونا ألا يكون منهم أي تصرف فردي، أو حماسي”.
وعاد الهدوء مساء أمس الثلاثاء، إلى السويداء، حسبما قال مصدر محلي هناك لـ”السورية.نت”، ولكنه أضاف أن “هجوماً بقنبلة، تعرض له منزل شيخ العقل يوسف جربوع(المُقرب للنظام) عصر اليوم الأربعاء دون تسجيل أضرار”، فيما زار وفدٌ من مسؤولي النظام منزل الهجري في وقت لاحق.
درعا..لا هدوء ولا حرب
ليس بعيداً عن السويداء في الجنوب السوري، توجهت الأنظار هذا الأسبوع، نحو درعا مُجدداً، وهي المحافظة التي لا تهدأ فيها وتيرة الاغتيالات والهجمات أسبوعياً، منذ بسط النظام وروسيا سيطرتهم عليها قبل سنتين ونصف.
فقد شهدت مدينة طفس غربي درعا، الأحد الماضي، مواجهات محدودة بين قوات النظام ومجموعة مقاتلين كانوا سابقاُ ضمن فصائل مناهضة للنظام، وبقوا في طفس عند التوصل لـ”التسوية” التي لم يدخلوا بها لدى إبرامها في يوليو/تموز سنة 2018، وانتهت بإبعاد مقاتلي الجيش الحر الرافضين لها نحو إدلب، وبقاء الموافقين عليها ضمن شروط في درعا.
والتفت نظام الأسد مؤخراً نحو هذه المجموعة في طفس، واشترط الاثنين الماضي، على وجهاء المدينة وأعضاء “اللجنة المركزية” في ريف درعا الغربي، تنفيذ ثلاثة بنود لإيقاف الحملة الأمنية، التي بدأها الأحد، وذلك في اجتماع شهدته مدينة درعا.
والشروط هي “تهجير أو تسليم” كل من الأشخاص وعائلاتهم: محمد جاد الله الزعبي، أبو طارق الصبيحي، أبو عمر الشاغوري، إياد الغانم، إياد جعارة، محمد إبراهيم.
أما الشرط الثاني فتضمن السماح بالتفتيش عن خلايا “تنظيم الدولة” و”مطرفين”، حسب وصف ضباط النظام، إلى جانب شرط ثالث أكد فيه النظام ضرورة “إخلاء مقرات الدولة السورية بشكل كامل في طفس”، وتسليمها له.
وتنتهي المهلة التي أعطاها نظام الأسد، في بلدة طفس، غداً الخميس، في حين أوضح في وقت سابق لـ”السورية.نت”، مصدر من “اللجنة المركزية”، أن القرار لم يتخذ بعد في طفس حول قبول أو رفض الشروط جزئياً أو كلياً، مُشيراً إلى صعوبات تعترض “تهجير” أي من المطلوبين إلى الشمال السوري.
وشهدت طفس بريف درعا الغربي، الأحد الماضي، اشتباكات متقطعة وقصف نفذته قوات الأسد التي حاولت اقتحام عدة مناطق، تحت ذريعة البحث عن مطلوبين وأسلحة ثقيلة.
وفي أثناء محاولتها للاقتحام تعرضت قوات الأسد لاستهداف من قبل مسلحين، ما أدى إلى مقتل عدد من العناصر فيها، قالت شبكات محلية إن عددهم يزيد عن ثلاثة.
و رفض أحمد العودة قائد “اللواء الثامن” في “الفيلق الخامس” المدعوم روسياً في محافظة درعا، التدخل بدور “الوسيط” لحل ملف بلدة طفس في الريف الغربي لدرعا.
وقال مصدر مطلع على المفاوضات المتعلقة بطفس، أمس الثلاثاء، إن اللجنة المركزية المسؤولة عن مناطق غربي درعا طلبت من “العودة” لعب دور الوسيط مع الطرف الآخر المتمثل بقوات الأسد وروسيا، لكنه رفض.
وأشار المصدر لـ”السورية.نت”، إلى أن طلبَ “أعضاء اللجنة المركزية يتعلق بتدخل العودة من أجل دمج المقاتلين المطلوبين ضمن قواته، كي يسقط عنهم شرط التهجير أو تسليم أنفسهم”، وكذلك “دخول العودة كوسيط لإقناع الضباط في قوات الأسد في إسقاط الشروط التي فرضوها الاثنين، من أجل حل ملف طفس”.
البادية..أرقُ كمائن الخلايا
بموازاة ذلك، يُظهر تنظيم “الدولة الإسلامية”، نشاطاً متزايداً منذ أسابيع قليلة، مع تكثيف خلاياه هجماتهم ضد النظام، والتي سلكت مؤخراً تكتيك الكمائن على طرق الإمداد الرئيسية.
وقد سُجلت أضخم الهجمات التي شنها التنظيم مؤخراً، يوم 30 ديسمبر/كانون الأول الماضي، وأدت لمقتل 38 من عناصر “الفرقة الرابعة” وإصابة آخرين في هجومٍ تعرضت له حافلتهم، بين منطقتي الشولة والسخنة بريف دير الزور.
ورغم إرسال قوات النظام لتعزيزات عسكرية، وشن الطائرات الروسية عشرات الضربات الجوية، واصل التنظيم شن هجماته بنفس الأسلوب، وآخرها الأحد الماضي قرب منطقتي كباجب- الشولة، إذ تعرضت حافلة عسكرية للنظام، لهجومٍ أوقع قتيلين وجرحى.
وتحاول قوات النظام، رغم الهجمات المتزايدة، القول بأنها تُسيطر على الوضع، وتعيد “ضبط الأمن” لطريق تدمر-دير الزور، إذ أعلنت صباح اليوم الأربعاء، عن “تدمير عربتي بيك آب مزودتين برشاشات ثقيلة ومقتل ثمانية إرهابيين”، وبأنها تمكنت من “تأمين الطريق الدولية دير الزور-تدمر بشكل كامل أمام حركة الحافلات”.
لكن ذلك لا يبدو دقيقاً تماماً، إذ يعتقد محللونَ بأن قيادة قوات النظام، التي تحاول تهدئة الشارع وطمأنة عناصرها المُرتبكين هناك، لا يمكنها ضبط كامل المنطقة الصحراوية الواسعة، التي تنتشر بها خلايا التنظيم، إن لم تنفذ عمليات عسكرية واسعة، لا يبدو أنها قائمة الآن، رغم تعزيز النظام فعلاً لقواته في تلك المناطق.
وتتزامن كل هذه التطورات، مع انعقاد الجولة الخامسة، لاجتماعات “اللجنة الدستورية” في مدينة جنيف السويسرية، والتي بدأت الإثنين الماضي وتختتم الجمعة، دون أن تَرشحَ معلوماتٌ حتى الآن، عن حدوث أي تقدم، مع إصرار وفد النظام، على إقرار ما يسميها “الركائز الوطنية” قبل الدخول بنقاشات الدستور، فيما ترى أوساط المعارضة السورية، أن النظام يماطل بينما يستعد لتنظيم الانتخابات الرئاسية.