طرابلس شرارة لن تخمد، بل هي ستشعل حرائق على إمتداد الوطن. لن تنطفىء هذه المرة، إلا بفرض العقوبات الدولية المنتظرة، والمرجوّة بإلحاح، على كبار المسؤولين اللبنانيين، المتهمين ضمناً، حتى الآن، من قبل المجتمع الدولي بإرتكاب جريمة قتل جماعي ضد الشعب اللبناني، وتنفيذ عملية تدمير منظمة للدولة اللبنانية ومؤسساتها.
هذا هو السقف المفترض للإحتجاجات التي بدأت في عاصمة الشمال، وستنتقل تباعا الى بقية الأنحاء اللبنانية، لكي ترسم لوحة من الإنفجار الشعبي المدوي، الذي طال إنتظاره منذ إخماد ثورة 17 تشرين الاول 2019، بمزيج من القمع الامني، والنصب المالي، والضغط الاقتصادي، والإحتيال السياسي.. وطبعا التشرذم والتشتت لدى قوى تلك الثورة، التي لم يفتها بعد قطار إعادة تنظيم نفسها وتطوير تحركها وبرنامجها.
ما كان يصلح بالأمس، مع تلك الثورة، لم يعد ينفع أبداً. القمع وصفة للخراب، لكنه في الأصل، سقوط إضافي للسلطة وتعبئة متجددة للشارع. لم تعد الدولة تمتلك أدوات سلمية لإحتواء الغضب العام ، لا في السياسة ولا في الاقتصاد ولا في المال.. كما فعلت طوال العام الماضي. بلغت الحد الاقصى. ولم يعد لدى غالبية اللبنانيين ما تخسره، بعدما بات الجوع والفقر حكماً مبرماً ينفذه المسؤولون بلا أي رادع.
العنف المفرط الذي تستخدمه السلطة، بدأ يلفت الانظار ويثير الاستياء في الداخل والخارج. والبيان الذي أصدرته منظمة العفو الدولية حول مسؤولية فرنسا بالتحديد عن إستخدام الاجهزة العسكرية والامنية اسلحة فرنسية، ليس سوى مؤشر أولي على إستعداد المجتمع الدولي لرفع الغطاء الاخير عن السلطة السياسية، ومسعى متقدم لتحييد تلك الاجهزة عن الصراع السياسي بين الشارع وبين المسؤولين اللبنانيين.
الاحتجاج العنيف في طرابلس يلقى التعاطف أكثر من أي وقت مضى، بل بات يثير الحسد في بقية المناطق، التي تتأهب للقيام بالمثل، غير مكترثة بالتحديات والمخاطر الأمنية التي يمكن، بل يتوقع أن يواجهها الثوار في العاصمة بيروت وغيرها من المدن الكبرى، المهددة بمليشيات السلطة الجاهزة للتحرك، بذريعة مواجهة المؤامرة الخارجية على الوطن، وعلى المقاومة، وعلى التوازن الطائفي..
لن يهدأ الشارع هذه المرة طالما أن إستقالة رئيس الجمهورية ومجلس النواب غير واردة، أو محرمة.. وطالما أن الحكومة مستقيلة بالفعل ولا داعي لخروجها رئيسها ووزرائها من السراي، وطالما أن تشكيل حكومة جديدة، غير متاح، وغير نافع. يمكن أن يستكين الشارع لبعض الوقت فقط إذا ما فتحت المحاكمات الفورية لعدد من الوزراء والنواب والإداريين الحاليين والسابقين الذي فاحت روائحهم. لكن حتى هذا الإجراء مستحيل، وهو بمثابة تضحية فات أوانها، ربما.
ليس هناك تدخل خارجي، عربي او أجنبي ممكن. المبادرة الفرنسية، التي تآكلت قبل ان تصل الى بيروت، وتصطدم بالابتزاز السياسي، باتت من الماضي، ولا مجال لاعادة إحيائها.. حتى ولو جاءت في سياق إنتداب دولي جديد يتولى إدارة الدولة الفاشلة، ويحمي شعبها من التهديد المباشر الذي يتعرض له من قبل المسؤولين عنه.
لعل الدليل الأهم على أن الامور خرجت من يد السلطة، وأطلقت العنان للشارع هو التحقيقات التي فتحت مع حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، والتي لن تكون نهايتها سوى فرض عقوبات دولية على الرجل وعلى عدد من كبار المسؤولين في المصرف المركزي ومن المصارف الكبرى. ليس سلامة قرباناً تقدمه السلطة الآن لتحمي نفسها. المؤكد أنه سيكون المدان الاول الذي سيضطر حتماً الى كشف بقية شركائه وحلفائه في الملف المالي الاسود.. تمهيداً لوضعهم على لوائح العقوبات، ومصادرة أموالهم وممتلكاتهم ومنعهم من السفر.
الفكرة ليست خيالية، هي تخضع للدرس جدياً، ويمكن ان تتخذ في البداية شكل إنذارٍ يوجه الى عدد من كبار المسؤولين اللبنانيين، على نحو ما جرى في عدد من الدول الافريقية الفاشلة.. وذلك بدافع الحرص على أمن لبنان، وعلى حياة ما يفوق خمسة ملايين إنسان من المواطنين واللاجئين والنازحين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت