يستقبل السوريون عاما جديدا ينهي عقدا كاملا منذ اندلاع ثورتهم، ويتساءل المرء، وهو يقف على عتبة هذا العام، عما يحمله الغد من مفاجآت.
وبالطبع المؤشرات العربية والدولية البارزة تحمل شقين مرتبطين بالإحباط والتفاؤل، فالجو ملوث منذ عشر سنوات وإلى اليوم بالانحرافات والتآمر، والتسويات القاضية بتعويم نظام الأسد وإعادة تسويقه عربياً لم تنقطع. كما أن الجهد الروسي المنصب على تلميع الأسد كمنتصر على “الإرهاب” مستمر؛ في بيئة عربية تشبه تركيبة ووظيفة نظام الأسد الذي ترى في عودته لحضنها إكمالا لعمل “عربي مشترك” افتضح أمره وأمر شراكته بضرورة سيادة القمع العربي المشترك. وخيوط المؤامرة انتهت من نسج ثوب الدهاء والضراوة التي حيك بها أكثر من السابق، وأسفرت عن الوجه القبيح لنظام الأسد وحلفائه بشكل أبشع مما خبره السوريين منذ نصف قرن عنه.
كل هذا مجرد جزء من قدر السوريين، وجزء من التفاؤل بالأمل في السعي نحو التحرر من الاستبداد والطغيان، لكن الأهم والأكثر فاعلية بعد عشر سنوات من الثورة السورية إرادة السوريين التي لم تنكسر بقوة دولة “عظمى” مستوردة لقتلهم، وعزمهم لنيل مطالب الحرية والكرامة والمواطنة، والتصميم على المواجهة لتحقيق الأماني النبيلة لم يعهده من قبل نظام قاتل ومستبد من تصميم شعب على إزاحته ومحاكمته على جرائمه بحقهم..
ملاحقة النظام ومنازلته بكل المحاكم الدولية باتت من ملامح عام السوريين الجديد والقريب، برغم الاعتقاد الذي يتوهم به بعض النظام العربي بالاعتقاد بأن الوقت حان لعودة الأسد لحضن الطغاة، وبترسيخ هذا الاعتقاد بسلسلة من التصرفات التي تقوم بها بعض الأنظمة من مصر إلى الإمارات فموسكو وطهران إلى تل أبيب، بغية تشجيع الغرب والولايات المتحدة لتحقيق تسوية مع جرائم الأسد على أساس تنفيذ بعض بنود العملية “السياسية” أو اللجنة الدستورية؛ كي تضع كلها حداً لطموح شعب قدم ويقدم أغلى وأعلى التضحيات في سبيل حريته.
يختم السوريون عقدهم في الثورة، وفرص النشاط الفاعل لإجهاضها والتملك الحقيقي لمجرى أحداثها على الأرض تُغري الأنظمة المستبدة والاحتلال الاسرائيلي من أجل أن يكون بمقدورهم “تسويق” المساومات على قضية تحرر الإنسان العربي إلى أطول فترة ممكنة. لكن هذه الأنظمة مع الاحتلال الإسرائيلي، التي يدور في فلكها نظام الأسد، تنطلق في سلوكها من قراءة خاطئة لما حصل في الثورة السورية، ومجتمع السوريين وحواضرهم، من حيث أنهم يتصورون أن الحلول المستعصية بقضية الشعب السوري، تكمن في الاستمرار بالتزوير وقلب الحقائق، وبالتالي فإن مهام التضليل المستمر والتخويف من “بعبع” الكرامة والمواطنة والحرية هو ما تنطوي عليه هموم الأنظمة الحريصة على حضنها بوجود الأسد، وتغييب كلي لمطالب وآمال الشعب السوري عن بصيرة شعوب عربية تاقت لنفس الآمال.
صحيح أن الأسد أعاد السيطرة بعد عشر سنوات، على جزء مهم من جغرافية السوريين، لكنها كانت تحت قبضته قبل آذار/ مارس 2011، وإذا دققنا في أي أرقام مرتبطة بالمجتمع السوري لجهة الاقتصاد والعمران والسيادة والسياسة والضحايا وتفكيك المجتمع، يتراءى لنا حجم مرعب مرتبط بالضحايا والدمار والتهجير والقتل تحت التعذيب، وحجم الإفلاس الأخلاقي الذي وصل إليه نظام الأسد في محاولته انتزاع اعتراف بشرعيته مجددا بمهزلة انتخابية؛ تتيح للسوريين اتباع نهج الثورة مجددا عليه بمنأى عن كل ما سبق آذار/ مارس 2011، وهو النموذج الناجح لخروجهم من تحت وطأة الوحشية التي دمرت كل شيء باستثناء عزيمتهم لخلعه من فوق رؤوسهم.
لا أحد ينكر صعوبة هذا النهج والسوريون هم أول من اختبره في كسر الخوف والرعب؛ بالثورة على طاغية بحجم الأسد مع الأثمان الباهظة من لحم ودم السوريين، إلا أنه لن يكون بمقدور السوريين في مطلق الأحوال قبول ثمن التطلع لمستقبل سوريا، دولة ومجتمعا وتاريخا وحضارة، إلا برحيل الأسد ومحاكمته ونظامه على جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وهي القراءة الأسلم والمستوفية لمن هجى معنى الحرية، وجَرأ على تثوير نفسه بقول لا للأسد باقٍ حتى رحيله.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت