لعل جميع الاتحادات الرياضية في العالم العربي، تتمنى أن تمتلئ ملاعبها بالجماهير الرياضية، فهي تعكس صورة حضارية وخصوصاً في البلدان التي تفقد للإنجاز الرياضي، لكن أن تنادي وتطالب الجماهير الرياضية بمطالب تبين سوء الوضع المعيشي فهو “خطر” يهدد الأمن القومي للبلد، ولربما كانت بداية “الربيع العربي” والتطور الرقمي نقطة تحول سقط بها الخوف في قلوب الجماهير الرياضية من قمع الأنظمة الاستبدادية، وبدأت فئة الشباب في تغيير خطاب الاحتجاج والتحول لتكريس الشعور بالمظلومية.
“التراس” هي كلمة لاتينية الأصل وتعني الزائد أو الفائق عن الحد، وتظهر بصورة مجموعات مشجعي الفرق الرياضية والمعروفة بانتمائها وولائها الشديد لفرقها.
تشترك مجموعات “الألتراس” حول العالم في أربعة مبادئ رئيسية، على أساسها يتم الحكم على المجموعة إن كانت ألتراس حقيقية من عدمه، وهي: عدم التوقف عن التشجيع والغناء طوال المباراة أيًّا كانت النتيجة، وعدم الجلوس أثناء المباريات نهائيًّا، وحضور جميع المباريات الداخلية والخارجية أيًّا كانت التكلفة والمسافة، والولاء والانتماء لمكان الجلوس في الملعب.
ما إن بدأت الثورة المصرية حتى اندمج أعضاء من التراس ناديي الزمالك والأهلي في تلك الثورة، وبدأوا بترديد شعاراتهم الاحتجاجية خارج فضاء الملعب، حيث اعتُقل وقُتل منهم الكثير، ومن هنا بدأ الاحتجاج الرياضي وخروج الأغاني التشجيعية المناهضة للنظام المصري خلال مباريات كرة القدم كأغنية الالتراس حكايتنا التي تقول في مطلع كلماتها، إن كرة القدم كانت قناع للسلطة، كما توضح أن فكرة الثورة لن تموت مهما زاد الظلم والقتل.
أما في المغرب فكان الأمر لا يختلف كثيراً عن مصر، الا أن أغاني الالتراس المغربي انتشرت بشكل كبير عبر مواقع التواصل، لأنها تحمل رسالة “الوجع الواحد في البلاد العربية” مؤكدين تقاسم ذات الهم، ومعتبرين أن أهازيج “المصير المشترك” لخصت حال شباب الوطن العربي كله وليس المغرب فقط.
ومثال على ذلك، أغنية ” في بلادي ظلموني“، الذي رددها جمهور نادي الرجاء المغربي “في هذه البلاد عايشين في غمامة طالبين السلامة أنصرنا يا مولانا” ويطلبون النصر على الأنظمة الظالمة من الله فقط.
وفي أغنية أخرى حملت اسم “هذه بلاد الحكرة” كان الاحتجاج لا يتخلف بالمضمون حيث تذمر الجماهير من الحياة المعيشية وارتفاع الأسعار معتبرين أن الحكومات “مافيا”، بينما كان احتجاج التراس جماهير طنجة المغربي عبر اغنية “ولد الشعب يغني“، مبينين رسالة واضحة بين سطور الكلمات، عن هجرة السكان نتيجة سوء الوضع المعيشي، حيث تقول الأغنية ” هذي العيشة نكرا؛ هي سبب الهجرة؛ لا صحة لا تعليم؛ في الرشوة والفساد”.
كما تناولت إحدى أغاني ألتراس نادي الرجاء المغربي أيضاً وبها انتقلت من الاحتجاج على السياسة الداخلية للمغرب الى قضية تهم كل إنسان عربي من حيث التضامن مع فلسطين المحتلة، حيث اعتبروا في أغنيتهم أن فلسطين “زينة البلاد”، كما اعتذروا من غزة ورفح وعدم مساندتهم لأن الأمة العربية “مريضة” حسب تعبيرهم.
وفي بقعة أخرى من الوطن العربي حيث طالب الشعب بالحرية فكان رد نظام الأسد بهدم البلد وقتل مئات الآلاف وتشريد وتهجير السكان، هناك في سورية حيث الأندية ذات الجماهيرية الكبرى، مثل الاتحاد والكرامة وغير ذلك، وقد أنشأت مثلاً جماهير الكرامة الحمصي، ألتراس “بلو صن” عام 2008، وكانت ظاهرة جديدة على الجماهير الرياضية في سورية.
ومع بدء الثورة السورية أندمج العديد من أعضاء “بلو صن” في المظاهرات والاحتجاجات، حيث استشهد أحد مؤسسي الالتراس على يد قوات نظام الأسد.
وبعد سنوات من القتل والقصف والاعتقال والتهجير، كانت الرياضة خلالها ليست أولوية بالنسبة لنظام الأسد، كونه منشغل بقمع المظاهرات وتهجير وقتل السكان، عاد النشاط الرياضي مؤخراً في سورية، وعادت الجماهير تدريجياً للملاعب، خصوصاً بعد عودة لاعبين دوليين وإعلان “المصالحة” مع نظام الأسد كعمر السومة وفراس الخطيب وتأهل المنتخب للملحق الأسيوي لكأس العالم.
الا أن “الألتراس” بعد عودته، بدا وكأنه بذاكرة السمك، متناسياً القمع والقتل والتهجير الحاصل خلال سنوات، فبدأت جماهير غالبية الأندية السورية كتشرين والاتحاد والكرامة بتشكيل التراس لتشجيع فرقها الرياضية، دون التعبير كما في المغرب ومصر عن الاحتجاجات الشعبية.
بل على العكس تماماً، بدأت الجماهير تتباهى ببقاء النظام في سورية وتعبر للأسد عن حبها له، معتبرين أنه يقوم بالقضاء على الفساد، حيث أقام نادي تشرين لافتة عليها صورة بشار الأسد وكتب عليها “سوا بنحارب الاتحاد الرياضي الفاسد”
كما كان التعبير الأبهى عن شعور تلك الجماهير من جمهور مدينة حمص، التي يُطلق عليها عاصمة الثورة السورية، حيث عانت كما باقي المدن من القتل والتهجير، فقام الجمهور الحمصي بترديد أغنية الفنان حسين الجسمي “طبطبة“، فهل هي رسالة من الجمهور “تطبطب” بها للنظام أم فقط كنوع من الهضامة الحمصية المعروفة في الوطن العربي!!
قد يكون مفهوماً أثار الضغط الأمني الذي يعيشه السوريون في مناطق سيطرة النظام، وقد يكون مفهوماً أيضاً عدم الانجرار وراء اطروحات قيامهم في ثورة ضد النظام، الا أنه مستنكراً حد الخنوع الذي وصلت له الجماهير الرياضية السورية والتي تهين بتصرفاتها الرياضة والرياضيين.
الا يعتبر حرياً على الجمهور السوري أن يعود كما كان يهتف في مظاهراته السلمية “الشعب السوري واحد” وينقلها لملاعبه الرياضية وألا ينسى النازح والمهجر؟ أليس مطالباً بالاحتجاج على سوء الوضع الاقتصادي وارتفاع الأسعار والتعبير عن ذلك في فضاء الرياضة؟ أليس على الجماهير الرياضية السورية الانخراط في الصيرورة الاجتماعية والسياسية؟ أم أن قبضة النظام الأمنية تجبره على فصل الرياضة عن السياسة لدرجة الركون والسكوت والطبطبة!!!
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت