مع إنطلاقة محادثات فيينا غير المباشرة بشأن العودة إلى الصفقة النووية الإيرانية بين لجنتين فنيتين أميركية وإيرانية ، نشطت طهران في تجميع أوراقها الرابحة ، الفعلية والمشكوك في حيازتها لها ، مقابل أوراق الولايات المتحدة الواثقة من فعاليتها ، بعد عودة الدبلوماسية الأميركية إلى سياقها التاريخي مع الحلفاء . قد تكون أهم الأوراق ، التي رفعتها طهران مؤخراً ، غير الخروج الجزئي السابق من بنود إتفاقية الصفقة النووية ، هي الصفقة الإستراتيجية مع الصين حول برنامج إستثمار مبلغ 400 مليار دولار على مدى 25 عاماً في النفط وشبكة الطرق الإيرانية ، سيما في الطرق ، التي تشكل جزءاً من طريق الحرير الصينية الجديدة . كما تعلن طهران ، أنها تأمل في عقد صفقة مشابهة مع روسيا ، التي يشكك الخبراء الروس بإمكانية حصولها ، وذلك لاستحالة المقارنة بين القدرات الإقتصادية الروسية مع الصينية ، ولكون إيران حليفاً ظرفياً وليس إستراتيجياً ، على قول الخبراء الروس .
صحيفة “NG” الروسية نشرت نصاً في 4 من الجاري بعنوان ” طهران تحاول إلغاء العقوبات الغربية بمساعدة بكين وموسكو” ، وآخر ثانوي قالت فيه “الشراكة مع إيران لا يجب أن تصبح عبئاً مالياً على موسكو” . قالت الصحيفة ، أنه بعد عقد الإتفاق الإستراتيجي مع الصين ، إيران ستقترح توقيع إتفاقية كبرى مع روسيا أيضاً . ويعلن الإيرانيون مباشرة ، أنهم يريدون “تحييد سياسة الضغط الأقصى الأميركية” بمساعدة الصين وروسيا . إلا أن إمكانية روسيا على التعاون مع إيران لا تقارن مع القدرة الصينية . وإذا كانت بكين قد إقترحت على طهران إستثمارات بمقدار 400 مليار دولار ، فإن موسكو يمكنها ، أن تقتصر على المحتوى السياسي والمعادي لأمريكا في الاتفاقية المستقبلية مع طهران.
موسكو ، التي تأمل طهران الإستعانة بها لإلغاء مفعول العقوبات الغربية “هي ببساطة , لا تملك إمكانية توظيف مئات مليارات الدولارات في إقتصاد إيران” ، حسب فلاديمير ساجين الباحث في مركز الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في معهد الإستشراق ، والذي قال ، بأن مؤشرات العلاقات التجارية بين موسكو وطهران تجمدت عند نقطة واحدة لا تتحرك منها ، منذ توقيع الإتفاقية بين الطرفين لعشرين سنة مضت ، حيث بلغ التبادل التجاري بينهما حينذاك 2 مليار دولار العام 2005 “ولم يتطور بعدها”. ويقول ، بأن الصين بمثابة “طوق نجاة” لإيران في عزلتها ، لكن ليس مجاناً ، بالطبع، إذ تحصل بكين على “إمتيازات هائلة” في الإقتصاد والتجارة والسياسة والحقل العسكري ، وليس في إيران فقط ، بل وفي منطقة الخليج وسائر الشرق الأوسط .
أما بالنسبة لروسيا ، فيذكر ساجين بالتاريخ الروسي الإيراني المليئ بالحروب (لا تمحى في الذاكرة الروسية مجزرة السفارة الروسية في إيران العام 1829 ، التي قتل فيها السفير ــــ الشاعر ألكسندر غريبايديف) ، ويقول ، بأن العلاقات بين روسيا وإيران عرضة لعوامل عديدة “بدءاً بالتاريخية منها وإنتهاءاً بالعوامل السياسية الإقتصادية الراهنة” . فبالرغم من تصريحات المسؤولين الإيرانيين “عالية النبرة” ، إلا أن العلاقات الروسية الإيرانية ليست إستراتيجية ، بل هي على الأرجح “شراكة ظرفية” .
وتنقل الصحيفة عن رئيس إتحاد الصناعيين ورجال الأعمال الآسيويين … رأياً لا يتفق مع رأي الخبير أعلاه ، إذ يرى ، أن حظ عقد مثل هذه الإتفاقية بين روسيا وإيران “كبير للغاية” ، لأتها تتفق مع سياق السياسة الخارجية الروسية ورغبتها في تحدي العقوبات الغربية ب”إبطال مفعولها” ، والتي قد تأتي تعميماً لجميع الإتفاقيات السابقة مع إيران ، وتتضمن تعابير “تنضح بعدائها لعقوبات الغرب” .
حديث الخبراء الروس يشير إلى أن إيران قد حصلت فعلاً على ورقة الإتفاقية الصينية في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة ، إلا أن الإتفاقية مع روسيا ، التي تسعى إليها إيران ، هي ورقة ، على الأقل ، مشكوك في الحصول عليها سيما أن الروس يتذكرون تاريخ حروبهم المتعددة مع إيران ، وأن حجم التبادل التجاري بين البلدين تجمد عند العام 2005 ، والتحالف معها ظرفي ، وليس إستراتيجياً ، كما مع الصين.
لكن مع ذلك ، يبدو أن إيران مصرة على لعب ورقة “العلاقات الإستراتيجية” مع روسيا . ففي اليوم ذاته ، الذي إنطلقت فيه محادثات فيينا ، الثلاثاء في 6 الجاري ، نشرت وسائل الإعلام الإيرانية ومنها قناة “Press TV” الإيرانية الناطقة بالإنكليزية ، أن الحكومة الروسية بحثت مع وفد حزب الله في زيارته الأخيرة إلى موسكو إمكانية إفتتاح مكتب تمثيلي له في موسكو .
موقع “news.ru” الروسي رأى في ما ورد في الإعلام الإيراني إنذاراً من حزب الله لروسيا ، وعنون النص، الذي نشره في 8 من الجاري بالقول “‘إما إسرائيل ، إما نحن : حزب الله يضع روسيا أمام خيار” ، وأضاف بعنوان ثانوي “حزب الله يخطط لإفتتاح ممثلية في موسكو” . قال الموقع ، أن مثل هذا التقارب الدبلوماسي بين الطرفين ، قد يُفسد علاقات روسيا مع شريكها الشرق الأوسطي الآخر إسرائيل ، التي تعتبر مع واشنطن حزب الله جماعة إرهابية . ويستعرض الموقع ما جاء في الإعلام الإيراني دون نقاش قريباً ، ويترك التعليق على علاقات روسيا مع حزب الله للباحث الزائر في معهد واشنطن للشرق الأوسط (MEI) أنطون مارداسوف . يقول الرجل ، أن موسكو كانت خلال سنوات طويلة تحاول الحفاظ على توازن هش ، حيث كانت ، من جهة ، لا تعترف بالأعمال الإجرامية للجماعة ، وتقوم القوات الروسية في آن معاً بعمليات مشتركة مع أعضائها على مسرح العمليات القتالية السوري. ومن جهة أخرى ، لم تكن السلطات الروسية تبدي إعتراضات ما على ضربات الطيران الإسرائيلية على مواقع القوى الموالية لإيران في سوريا ، معتبرة ، في الوقت عينه ، أن من واجبها مراقبة شحنات الأسلحة من سوريا إلى لبنان واحتواء أعمال حزب الله في عدد من المحافظات السورية .
ويرى مارداسوف ، أن الوضع الراهن للعلاقات بين روسيا ولبنان يتطلب من اللاعبين تنسيق مواقفهما ، خاصة على عتبة الإنتخابات الرئاسية في سوريا ، وعلى خلفية اشتداد الشائعات التي لا أساس لها حتى الآن عن العودة إلى سيناريو المجلس العسكري السوري برئاسة الجنرال مناف طلاس ، الذي انتقل إلى صفوف المعارضة العام 2012 .
ويعتبر الباحث ، أن القضايا الرئيسية ، التي توحد روسيا مع إيران وحزب الله ، هي المأزق السياسي في لبنان ومستقبل الرئيس الأسد ، الذي تمكن من الصمود حتى الآن ، لكنه لا يستطيع السيطرة على النفط والموارد الزراعية شرق البلاد ، ولا معالجة مسألة الإستقلالية الإقتصادية ، حيث أن هذه المسائل “تتطلب حلولاً وسطية جدية”.
صحيفة “Novaya” الروسية المعارضة ، وفي نص بعنوان “سفراء غير مدعويين” (مستوحى من المثل الروسي عن الزائر غير المرغوب به ــــــ “الضيف غير المدعو أسوأ من التتري”) ، ناقشت ما أعلنه تلفزيون “Press TV” عن أن الحكومة الروسية تبحث مع حزب الله إمكانية إفتتاح مكتب تمثيلي له في موسكو . واللافت ، أن الصحيفة تقارب الموضوع إنطلاقاً من اعتبارها حزب الله منظمة إرهابية وتقول ، بأن الإرهاب في العالم المعاصر أصبح ممكناُ ، لأن بعض البلدان حولته إلى أداة للسياسة الخارجية .
تقول الصحيفة ، بأنه لم تصدر أية ردة فعل رسمية من روسيا على إعلان الإيرانيين عن إفتتاح مكتب لحزب الله في موسكو . وتؤكد ، أن مصادر دبلوماسية رفيعة في الخارجية الروسية “تنفي بشكل قاطع إمكانية وجود مكتب لحزب الله ــ بوصفه حزباً سياسياً وجماعة متشددة” . الإسرائيليون يعرفون على الأرجح ، برأي الصحيفة، ، قيمة التصريحات المتلفزة لإيران ، التي ترفع “قعقعة سلاحها الدبلوماسي” ، محاولة الجلوس في آن معاً على مقاعد جيوسياسية متعددة ، ومعلنة قربها من روسيا . إلا أن روسيا كانت طيلة السنوات الماضية تغض الطرف عن قصف إسرائيل للمواقع الإيرانية في سوريا.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت