هناك كلام كثير بعضه حقيقي وبعضه الآخر مبالغات عن اندفاع عربي تدعمه روسيا، أو على الأصحّ بالتنسيق معها، في اتجاه إعادة تأهيل النظام السوري.. أو تأهيل سوريا. في النهاية لا أمل في إعادة تأهيل النظام فيما مطروح إمكان تأهيل سوريا على الرغم من كل التغييرات التي طرأت على البلد المقيم تحت خمسة احتلالات.
الأكيد أنّ هناك بحثا في مستقبل سوريا ووضعها في المنطقة، يشمل ذلك البحث عودة سوريا، في ظلّ النظام القائم، إلى احتلال مقعد جامعة الدول العربيّة. قد يكون مدير المخابرات السعوديّة خالد الحميدان زار دمشق أخيرا، وقد تكون الزيارة اقتصرت على وفد أمني سعودي جاء للبحث في قضايا عالقة بين سوريا والمملكة. بين القضايا التهريب، تهريب المخدرات خصوصا، ووضع سجناء سعوديين موجودين في سجون النظام كانوا بين الذين اعتقلوا مع إسلاميين آخرين في منطقة الغوطة القريبة من دمشق قبل سنوات عدّة.
ما هو مهمّ، أنّه عاجلا أم آجلا، هناك سؤال أوّل سيفرض نفسه بقوّة هل يمكن إعادة تأهيل النظام السوري؟ لكنّ السؤال الثاني الأهمّ، الذي يفترض بقاؤه في البال، هل يمكن فصل النظام السوري عن النظام في إيران.
تستحق سوريا الرهان عليها وعلى مستقبلها، علما أنّ النظام حقّق إنجازا ضخما يتمثل في الربط بين مصيره من جهة ومصير البلد من جهة أخرى. يبقى شعار “الأسد أو نحرق البلد” الشعار الأهمّ الذي رفعه النظام منذ اندلاع الثورة السورية قبل ما يزيد على عشر سنوات. من أجل بقاء بشّار في دمشق، يبدو كلّ شيء مسموحا، بما في ذلك تهجير السوريين من بيوتهم وأراضيهم إلى مناطق داخل سوريا وأخرى خارجها. ليس مهمّا مقتل ما يزيد على نصف مليون سوري. ليس مهمّا الاستعانة بالميليشيات التابعة لإيران لقتل السوريين وتهجيرهم وإجراء تغييرات ذات طبيعة ديموغرافيّة. ليس مهمّا الاستعانة بالروس لتحويل سوريا حقل تجارب لطائراتهم وأسلحتهم المختلفة التي يسعون إلى تسويقها في مختلف أنحاء العالم، أي حيث يوجد زبائن لتلك الأسلحة التي تحتاج موسكو يوميّا إلى إقناع الآخرين بفعاليتها. ليس مهمّا استخدام السلاح الكيميائي والبراميل المتفجرة لقتل السوريين. المهمّ بقاء النظام الذي ثار عليه السوريون نظرا إلى أنّهم يرفضون البقاء عبيدا إلى أبد الآبدين.
باختصار شديد، لا يمكن إعادة تأهيل النظام، بل يمكن الرهان على إعادة تأهيل سوريا. يحتاج ذلك قبل كلّ شيء إلى مؤتمر دولي. مهمّة مثل هذا المؤتمر إيجاد صيغة جديدة لسوريا بعيدا عن النظام القائم. مثل هذا المؤتمر يحتاج إلى توافق دولي على أن صلاحيّة النظام انتهت. في انتظار الوصول إلى مثل هذا التوافق ستبقى أميركا في شمال شرق سوريا حيث وضعت يدها مع الأكراد (قسد) على القسم الأكبر من الثروة المائيّة والزراعيّة والنفط والغاز، وستبقى تركيا في الشمال السوري حيث تعزّز وجودها يوميا وعينها على الأكراد، وستبقى روسيا في طول الساحل السوري وفي الجنوب حيث لم تستطع الإيفاء بوعدها بالنسبة إلى لجم الوجود الإيراني الذي لا يستهدف إقامة قواعد عسكريّة فحسب، بل يسعى أيضا لتغيير طبيعة المجتمع السوري في مناطق معيّنة خصوصا على طول الحدود مع لبنان. فوق ذلك كلّه، ستظل إسرائيل في الجولان المحتلّ منذ العام 1967 وستضرب في الداخل السوري حيثما تشاء وساعة تشاء وصولا إلى مناطق قريبة من حيث الوجود الروسي في اللاذقيّة ومحيطها.
يمكن الرهان على إنقاذ ما يمكن إنقاذه من سوريا وهذا واجب عربي مرتبط بأمن الإقليم كلّه. لكنّ ما لا يمكن الرهان عليه هو فكّ العلاقة بين النظام السوري وإيران. لا تسمح طبيعة النظام بذلك. يؤكد استحالة فكّ العلاقة التي اختلفت طبيعتها ظاهرا، لكنّها بقيت على حالها في العمق بعد خلافة بشّار لوالده حافظ في السنة 2000، مدى تحكّم طهران بالقرار السوري. تكفي العودة إلى مذكرات عبدالحليم خدّام نائب الرئيس السوري في عهدي الأسد الأب والأسد الابن وقراءة ما بين السطور لاستنتاج أنّ حافظ الأسد كان في علاقته مع النظام الإيراني أكثر تعصّبا لمذهبه العلوي من بشّار وذلك على الرغم من تغطيته ذلك ببعض الشخصيّات السنّية التي أحاط نفسه بها. كان خدّام من بين هذه الشخصيّات، كما كان هناك رئيس الأركان حكمت الشهابي ووزير الدفاع مصطفى طلاس وآخرون. لكنّ حافظ الأسد كان شريكا، إلى جانب إيران، في الحرب العراقيّة – الإيرانية بين 1980 و1988 وكانت سوريا تستورد أسلحة من دول أوروبا الشرقيّة، من تشيكوسلوفاكيا وغيرها، وترسلها إلى إيران. إضافة إلى ذلك، كان حافظ الأسد وراء دخول “الحرس الثوري” إلى الأراضي اللبنانية في 1982 تمهيدا لتأسيس “حزب الله” وكان يدعو ضباطه، استنادا إلى خدام، إلى مساعدة “حزب الله”.
ليس صدفة أن تهبّ إيران لإنقاذ بشّار الأسد بعد ثورة الشعب السوري على نظامه الأقلّوي وليس صدفة أن تستعين “الجمهوريّة الإسلاميّة” بروسيا، عبر قاسم سليماني قائد “فيلق القدس” في “الحرس الثوري” الذي اغتاله الأميركيون مطلع العام 2020، وذلك عندما عجزت في خريف العام 2015 عن إنقاذ النظام السوري..
تبدو العلاقة بين النظامين السوري والإيراني أكثر تعقيدا بكثير مما يعتقد. لم تدخل إيران إلى سوريا ولم تستثمر فيها مليارات الدولارات ولم تجر تغييرا ديموغرافيا من أجل الخروج بسهولة. تعتبر إيران أنّها وُجدت في سوريا لتبقى فيها وأن إخراجها يحتاج حربا.. أو سقوطا للنظام في طهران. على الرغم من ذلك، لا مفرّ من البحث عن وسائل من أجل إنقاذ سوريا. أي سوريا مطلوب إنقاذها وما الصيغة التي ستستقر عليها سوريا مستقبلا. الثابت أن سوريا في حاجة الى صيغة جديدة في حال كان مطلوبا أن تبقى موحّدة بطريقة أو بأخرى. ليس لبنان وحده الذي يحتاج إلى مؤتمر دولي من أجل إخراجه من أزمته العميقة ذات الطابع المصيري. ما ينطبق على لبنان ينطبق على سوريا أيضا التي أصرّ النظام فيها منذ العام 1975 على لعب كلّ الأدوار التخريبية في لبنان، وهي أدوار ارتدّت عليه في نهاية المطاف وعلى سوريا نفسها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت