منذ عام 2013، أصبحت الكهرباء الشغل الشاغل لسكان شمال غربي سورية، بعد تدمير البنية التحتية لهذا القطاع، وخروج محطات وشبكات التغذية عن الخدمة، مع انعدام أي إمكانية لإعادة تأهيل تلك المحطات نتيجة ارتفاع التكلفة وتعرض المنطقة لقصف مستمر.
ومع استحالة التأقلم على هذا الوضع، ابتكر سكان تلك المناطق مصادر بدائية للكهرباء، خضعت للتطور مع مرور السنوات، حتى أصبحت بديلاً عن التغذية الرئيسية، يُمكن التأقلم معه، كان آخرها التغذية بالطاقة الشمسية.
الجديد في واقع الكهرباء اليوم هو إعلان “المؤسسة العامة للكهرباء” التابعة لـ “حكومة الإنقاذ”، بدء تزويد محافظة إدلب بالكهرباء، بموجب اتفاق تم إبرامه قبل عام مع شركة “Green Energy”، لاستجرار الكهرباء من تركيا إلى إدلب.
التغذية بدأت..تفاصيل الاشتراك والرسوم
بتاريخ 5 مايو/ أيار الجاري، أعلنت شركة “Green Energy”، بدء تغذية منطقة إدلب بالكهرباء، منوهةً إلى أن جميع خطوط التوتر العالي تمت تغذيتها بجهد 66 KV، إلى جانب تغذية محطات حارم، إدلب، سلقين، الدانا، أبو كشة، الكيلاني.
المدير العام للشركة المهندس عمر شقروق، قال في حديثه لـ”السورية نت”، إن إيصال الكهرباء لجميع مناطق إدلب سيكون تدريجياً، حيث بدأت التغذية بالوصول إلى مدن إدلب وسلقين والدانا وسرمدا، على أن يتم الانتقال للبلدات والمدن الأخرى قريباً.
وأضاف شقروق أن الأولوية بالتغذية كانت للمناطق ذات الكثافة السكانية الأكبر والقريبة من محطات التحويل، مشيراً إلى أن الكهرباء ستصل أيضاً إلى مناطق جبل الزاوية وجسر الشغور المتاخمة لمناطق سيطرة نظام الأسد.
وعن تفاصيل الاشتراك أوضح مدير شركة “Green Energy” أن على المشترك شراء ساعة كهرباء جديدة (عدّاد)، وهي نوعان: أحادية الطور وثمنها 350 ليرة تركية ورسم الاشتراك فيها يصل إلى 100 ليرة تركية، وثلاثية الطور يبلغ ثمنها 900 ليرة ورسم الاشتراك 400 ليرة.
ويصل سعر الكيلو واط المنزلي إلى 90 قرشاً بالعملة التركية، فيما سيكون سعر الكيلو واط التجاري أو الصناعي 1 ليرة تركية، على أن تكون مسبقة الدفع عبر بطاقات خاصة.
وأوضح المهندس عمر شقروق أن بدء التغذية الكهربائية في إدلب تطلب تجهيزات كبيرة للبنى التحتية في المنطقة، نتيجة تعرضها للقصف والتخريب والعمليات العسكرية، حيث تم العمل بموجب خطتين، الأولى “بناء محطات التحويل اللازمة لاستقبال جهد 66 كيلو فولت من تركيا إلى شمال سورية، وبناء خط توتر 66 كيلو فولت يربط بين تركيا والشبكة السورية”.
والخطة الثانية تمحورت حول صيانة شبكات التوتر العالي التي تربط المحطات الرئيسية وعددها سبعة، الأمر الذي تطلب مجهوداً كبيراً، بحسب شقروق، نتيجة تعرض بعض أجزائها للتدمير، ثم تأهيل شبكات التوتر المتوسط.
ومن المقرر أن يبدأ العمل حالياً على تجهيز شبكات التوتر المنخفض والتي تعرضت لدمار شبه تام، حيث تم تقدير جهوزيتها بنحو 10% فقط.
من المصابيح إلى الطاقة الشمسية
تبدلت المصادر التي اعتمد عليها سكان شمال غربي سورية لتوفير الكهرباء، عبر سنوات من الانقطاع التام، خاصة في أرياف إدلب، بحسب ما أوضح أحد سكان مدينة إدلب لموقع “السورية نت”.
الشاب إسماعيل، الذي يعمل في مجال صيانة الهواتف والأجهزة الذكية، أوضح أنه منذ عام 2013 حاول سكان المنطقة التأقلم مع الوضع المفروض عليهم، عبر ابتكار أساليب جديدة لتوليد الكهرباء، حيث كان الناس بالبداية يعتمدون على المصابيح الصغيرة للإنارة فقط، ثم اعتمدوا على مصابيح يتم شحنها بالطاقة الشمسية نهاراً واستخدامها مساءً.
وأضاف الشاب (32 عاماً)، أن بعض السكان حاولوا تأمين “مصادر أخرى من شأنها تشغيل الأدوات الكهربائية وليس فقط الإنارة، عبر اعتمادهم على بطاريات السيارات والدراجات النارية، أو المولدات الكهربائية الصغيرة، كل حسب استطاعته”.
“الحل الأمثل كان عبر الاشتراك بنظام الأمبيرات، حيث يعمد أحد التجار أو أصحاب المال إلى شراء مولدة كبيرة ويوزع أمبيرات على عدد من المنازل والمحال وفق نظام الاشتراك”، يقول إسماعيل، مشيراً إلى أن سعر الأمبير الواحد قد يصل إلى 10 آلاف ليرة سورية في مدينة إدلب.
واعتبر أن الاشتراك بنظام الأمبيرات زاد من الأعباء المادية على الأهالي في إدلب، إلا أنهم مجبرون على اللجوء إليها لقضاء حوائجهم التي تعتمد على الكهرباء.
بموازاة ذلك، زاد مؤخراً، اعتماد بعض سكان إدلب على ألواح الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء، عبر وضع ألواح كبيرة على الأسطح مُرفقة ببطاريات وفلتر (رافع جهد)، بحيث يتم شحنها بالنهار واستخدامها لساعات في المساء.
وهنا أوضح إسماعيل وهو من سكان إدلب خلال حديثه لـ”السورية نت” أن الاعتماد على الطاقة الشمسية أصبح ثقافة سائدة بين قسم لا بأس به من سكان المنطقة، كما أصبحت مصدراً رئيسياً لتوليد الكهرباء في المعامل والمصانع الكبيرة وفي المزارع التي تحوي آباراً ارتوازية.
وتصل كلفة ألواح الطاقة الشمسية مع معداتها اللازمة إلى 500 دولار أمريكي، وقد يحتاج مالكها إلى تبديل البطارية بعد عام أو أكثر وتصل كلفة البطارية إلى 250 دولار.
تجربة سابقة مع الكهرباء التركية
وكانت شهدت مدنٌ وبلداتٌ في ريف حلب، دخول عدة شركات تركية، تولت عملية مد وإيصال الكهرباء إلى المنازل والمؤسسات الرسمية سواء المشافي أو المجالس المحلية، وبشكل أساسي في مدينة اعزاز ومدينة الباب في الريف الشرقي.
ودخلت الشركة التركية (AK Energy) بعدة مشاريع، في العامين الماضيين، لإيصال الكهرباء إلى مناطق ريف حلب الشمالي، كان أولها في مدينة اعزاز.
كما دخلت الشركة المذكورة في عقد استثماري لتغذية مدينة الباب بالكهرباء، في فبراير/ شباط 2019، إلى جانب مدينتي قباسين وبزاعة في الريف الشمالي والشرقي لحلب، وكذلك كان لشركة “STE Energy” دوراً في تغذية المنطقة بالكهرباء.
وتدير مدن وبلدات ريف حلب الشمالي والشرقي مجالس محلية تتبع لـ”الحكومة المؤقتة”، وتشهد المنطقة رواجاً للاستثمارات، معظمها من جانب الشركات التركية، سواء في مجال إيصال الكهرباء أو إعادة الإعمار وإنشاء الأبنية السكنية.