دبلوماسيون غربيون ومنظمات إنسانية: المساعدات عبر الحدود شريان حياة لملايين السكان
حذر ممثلون دبلوماسيون من بعثات الولايات المتحدة وبريطانيا وتركيا وألمانيا وكندا والاتحاد الأوروبي إلى مقر الأمم المتحدة في جنيف، من مخاطر قد يدفع ثمنها ملايين السوريين، فيما لو أفشل حلفاء نظام الأسد في مجلس الأمن، تمديد قرار إدخال المساعدات الأممية إلى سورية عبر الحدود، والذي سينتهي في العاشر من يوليو/تموز القادم.وجاء كلام الدبلوماسيين، في اجتماعٍ نظّمته “هيئة المفاوضات السورية”، وأقيم اليوم الأربعاء عن بُعد، بحضور منظماتٍ سورية وإقليمية تُقدم الدعم الإنساني لملايين السكان في شمال غرب سورية، وحضره ممثلون عن عدة دول كبرى.
الاتحاد الأوروبي: يجب فتح معابر إضافية
وقال توماس فولك، رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي في جنيف، إن “ملايين السوريين يعيشون تحت خط الفقر، واكثر من 3.5 في شمال غرب سورية يحتاجون للدعم الإنساني”، مؤكداً أنه ومنذ “سنة 2014 كانت المساعدات العابرة للحدود أمر أساسي لعبور الاحتياجات الأساسية لملايين النساء والأطفال والرجال. القدرة على الوصول يجب أن يتم، وعبور المساعدات من دمشق لن يكون مناسباً لتلبية احتياجات كل السوريين”.
وأشار ذات المتحدث، إلى أن تمديد “قرار مجلس الامن مهم، هذا قرار انساني”، منوهاً إلى أن “موقف الاتحاد الأوروبي واضح هنا وقرار تمديد القرار الدولي يجب تجديده لسنة واحدة على الأقل، واحتياجات الناس وظروف كورونا يفرض أن تُفتح المعابر جميعها بما في ذلك إعادة فتح باب السلامة والمعبر مع العراق(اليعربية)”.
الولايات المتحدة: النظام يستخدم المساعدات كأداة حرب
من جهته، قال أنتوني بيرد، وهو رئيس فريق العمل الأمريكي في البعثة الدائمة للولايات المتحدة في جنيف، إن نظام الأسد “مازال يستخدم المساعدات كأداة حرب”، مشيراً إلى خطورة إسناد توزيع المساعدات عبر دمشق.
وأضاف بيرد، أن “الاحتياجات الإنسانية، زادت منذ إغلاق معبري باب السلامة واليعربية(بسبب الفيتو الروسي السنة الماضية)، ومازال معبر باب الهوى هو الوحيد القادر على ادخال المساعدات الغذائية، وتلك الخاصة بالتصدي لفيروس كورونا”، مشيراً إلى أنه “من الواضح أن نقطة عبور واحدة غير كافية”.
لندن وبرلين: الكارثة الإنسانية تدعونا لتمديد القرار
وأكدت ميريام تشيرمن، نائب ممثل البعثة البريطانية في جنيف، أن “الواقع الإنساني في سورية يبقى كارثة بعد عشر سنين من النزاع”، مشيرةً إلى ضرورة استمرار تدفق “الدعم الإنساني عبر الحدود. يجب ان يتابع مع مستوى الحاجة الإنسانية”.
وأضافت أن من استخدموا حق النقض “الفيتو” في السنة الماضية، زعموا أن “المساعدات ممكن أن تمر عبر دمشق ولكن الأدلة تثبت أن هذا غير صحيح”، على اعتبار أن النظام لن يسمح بتمرير مساعدات إنسانية إلى المناطق التي يستهدفها بالقصف.
كذلك رأى جورج سيب، من البعثة الألمانية في مقر الأمم المتحدة في جنيف، أن “النظام السوري لا يلتزم بتقديم المساعدات الإنسانية، ولذلك فقد توجهنا لمجلس الامن للموافقة على إرسال المساعدات عبر الحدود، ونحن ندعم الأمم المتحدة في جهودها. الاستجابة عبر الحدود يجب ان تكون شاملة لإنقاذ حياة المحتاجين”.
وطالب السكرتير الأول للبعثة الدائمة لكندا في جنيف، رود سيب، بـ”استمرار إيصال المساعدات الإنسانية في سورية”، مشدداً على ضرورة “زيادة المعابر، فالعمليات الخاصة بالحدود مهمة اليوم بالذات بسبب تحديات كوفيد 19 والحاجة لتمرير اللقاحات”.
تركيا: استمرار القصف يُظهر هشاشة إيقاف النار
من جهتها، قالت نائبة الممثل الدائم لتركيا في بعثة جنيف، آرزو ارتشيليك، إن أكثر من ثلاثة ملايين ونصف من مجموع السكان في شمال غرب سورية “بحاجة ماسة للمساعدات، والسوريون في هذه المناطق(شمال غرب) هم من اكثر السوريين تأثراً، وبحاجة ضرورية لتمديد قرار إيصال المساعدات عبر الحدود”.
ونوهت الدبلوماسية التركية، إلى أن “الهجوم غير المسبوق على مشفى الأتارب والمخيمات القريبة واستهداف الشاحنات في مارس(آذار الماضي) تظهر مدى هشاشة الوضع واستمرار خروقات النظام”، مؤكدةً أن بلادها “تدعم قرار تجديد عبور المساعدات عبر الحدود”.
وأشار ألبير كوجوك، وهو نائب رئيس الهلال الأحمر التركي، إلى أن “الشاحنات التي تحمل المساعدات الإنسانية لسورية لا تحمل فقط الطعام والاحتياجات الضرورية للسكان، بل وتحمل لهم الامل ايضاً”.
و خلال حديثه في الاجتماع، توجه لداعمي النظام في مجلس الأمن قائلاً:” أرجو من الذين يختلفون معنا في الرأي أن يبعدوا أهدافهم السياسية ويضعوا الاحتياجات الإنسانية في الحسبان. آمل أن لا يتم عرقلة تمديد القرار ولكن الذين لديهم فيتو في مجلس الامن لديهم تاريخ في ارتكاب مثل هذا العار”.
منظمات إنسانية وناشطات في اعزاز: المساعدات شريان حياة للملايين
وتحدث عددٌ من مدراء وممثلي منظمات إنسانية سورية، وكذلك شاركت ناشطاتٌ من مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي في الاجتماع، حيث حذروا جميعاً من فشل مجلس الأمن بتمديد القرار الذي تنتهي صلاحيته بعد نحو سبعة أسابيع.
وخلال كلمته في الاجتماع، تمنى غسان هيتو، الرئيس التنفيذي لمنظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” أحد برامج “المنتدى السوري”، لو “كان النقاش هذه السنة حول كيفية تحسين المساعدات وكيفية تخطي المشاكل وبحث فرص زيادة المساعدات، ولكن للأسف ما زلنا نناقش استمرار الدعم من عدمه”، مشيراً إلى أنه “من المحزن أن بعض الدول في الأمم المتحدة ماتزال تؤمن أن السيادة أفضل من الحياة وأن الحديث عن المساعدات رفاهية”.
وطالب المدير التنفيذي لـ”المنتدى السوري” أن يستمر “تقديم المساعدات الإنسانية بعيداً عن التسييس(..) للأسف مازلنا نناقش اعراض المرض السوري بدل البحث عن علاج شامل”.
وأكد أن “الوضع السوري في المناطق الشمالية الغربية من سورية لم يتحسن، وقف اطلاق النار هش، وملايين الناس بحاجة للمساعدات، حيث التحديات ضخمة خاصة في ظل انتشار جائحة كورونا”، مُحذراً من أن “الفشل في تجديد القرار سيؤدي إلى عدم قدرة الأمم المتحدة وشركائها من تقديم الدعم لملايين الناس”، فضلاً عن أنه سيؤدي لعواقب “سلبية في إيصال وإعطاء اللقاحات التي بدأت ضد كورونا”.
غسان هيتو: مصداقية المجتمع الدولي على المحك
وأضاف أن السوريين يعيشون “رهينة تحت حكم نظام الأسد، نتحدث عن الأشخاص الجائعين داخل الخيام”، قائلاً :”نحن كعاملين في المجال الإنساني، سنواصل عملنا، وسنفعل كل ما يتطلبه الأمر حتى لو اضطررنا لتسليم دولار واحد في كل مرة. سوف نقوم بدورنا ونواصل جهودنا”.
واعتبر أنه في حال تم إغلاق الحدود أمام المساعدات، فإن “مصداقية المجتمع الدولي ستكون موضع تساؤل(..)فنحن نتحدث عن حياة الناس هنا. ليس فقط عن بناء مدرسة أو محطات مياه، نحن نتحدث عن بشر كرمهم الله”، مشيراً إلى أن “الوضع مريع. هذه أسوأ أزمة إنسانية. الملايين من الناس تحت خط الفقر، هذا تجويع مُمنهج للشعب السوري ونحن كعاملين في المجال الإنساني سنفعل كل ما يتطلبه الأمر لإيصال المساعدات”.
كذلك أكدت شيرين إبراهيم، من منظمة “كير للمساعدات الإنسانية –Care”، أن “ملايين النساء والأطفال هم بحاجة ماسة إلى هذه المساعدات الإنسانية عبر الحدود”، محذرة من الكارثة التي سيتضرر منها ملايين الناس في شمال غرب سورية، فيما لو تم إفشال تجديد صلاحيات القرار الدولي، ورغم ذلك أكدت أن منظمتها ستتابع “العمل بكل الأحوال وسنجد طرق بديلة”.وأشار أنس العبدة رئيس “هيئة المفاوضات السورية” خلال الاجتماع، إلى أن المساعدات عبر الحدود، مسألة حيوية لملايين السكان في شمال غرب سورية، وخاصة مع وجود مئات آلاف الأشخاص الذين عانوا النزوح أكثر من مرة بسبب استمرار العمليات العسكرية للنظام وحلفاءه.
وقال محمد حسنو، المدير التنفيذي لـ”وحدة تنسيق الدعم”، إن حوالي خمسة ملايين ونصف المليون إنسان يعيشون في شمال غرب سورية، والملايين منهم نازحون من مناطق أخرى و”لدينا نحو 1400 مخيم وهذه المخيمات لا تلبي المعايير الدولية الخاصة بالمأوى ومئات الآلاف من سكانها يعتمدون بشكل كامل على المساعدات”.
بدوره نوه رامي كلزي، مدير برامج الصحة في “الحكومة السورية المؤقتة”، إلى أن “ملايين الناس (شمال غرب سورية) بحاجة للدعم، قد زادت الاحتياجات 21 % عن سنة 2020، وبخاصة مع وجود ازمة كوفيد 19 وهذا تحدي مع استمرار الانتهاكات للمنشآت الطبية وغيرها”، متسائلاً:” كيف يمكن الوثوق بإيصال المساعدات لنا من طرف النظام الذي يستهدف المدنيين والمنشآت الإنسانية”.
وتحدثت آية بدرا، وعليا أحمد، وحسنى عيسى، وهن ناشطات سوريات يعشّنَ في مدينة اعزاز شمال حلب خلال الاجتماع، عن مخاطر عديدة ستزيد معاناة السكان في مناطق شمال غرب سورية، فيما لو فشل مجلس الأمن بتمديد قرار إدخال المساعدات عبر الحدود في تموز/يونيو المقبل.
وقالت حسنى عيسى وهي ناشطة في مجال تمكين المرأة، و مُهجّرة من الغوطة الشرقية لدمشق، إلى شمال غرب سورية، عن معاناتها مع مئات آلاف السكان في الغوطة سابقاً، عند حصار النظام لتلك المناطق بريف دمشق، ومنع إيصال المساعدات لسكانها.
وأضافت:” نحن اليوم نعتبر إرسال المساعدات عبر الحدود، بمثابة شريان الحياة لملايين البشر هنا في شمال غرب سورية. لديَّ تجربة مع الحصار في الغوطة الشرقية التي جربنا فيها ما معنى ان تُسند مهمة ارسال المساعدات الإنسانية للنظام، فقد عانينا من الجوع ست سنوات والامهات المرضعات لم يكن بإمكانهنَّ إرضاع اطفالهنَّ ولكم ان تتخيلوا حجم الألم وهول الكارثة الإنسانية. الحصار أثرَ علينا بشكل سلبي من كافي النواحي، انتشر الجهل وانحدر التعليم وازداد زواج القاصرات وضاع مستقبل الأطفال الذين كانوا يصلون لمدارسهم متعبين من الجوع والتعب”.
توصيات بإنشاء مكاتب للأمم المتحدة
وقدم ممثلو المنظمات الإنسانية في الاجتماع، مجموعة توصيات للدبلوماسيين الحاضرين، أهمها “ضمان وصول المساعدات عبر الحدود، لمساعدة ملايين المدنيين السوريين المحتاجين وتوسيع ذلك لمعابر أخرى”، “و زيادة عمليات ارسال المساعدات عبر الحدود لمناطق شمال غرب وشمال شرق سورية”، وكذلك “انشاء مكاتب ميدانية للأمم المتحدة في شمال غرب سورية. وزيادة المساعدات المتعلقة بالصحة والتعليم ومختلف سبل العيش، وضمان وصول الأغذية والمياه”.
وفي الثاني عشر من تموز سنة 2020، مدد مجلس الأمن الدولي، إدخال المساعدات إلى سورية، عبر معبر “باب الهوى” الحدودي فقط، والواصل بين إدلب والأراضي التركية، بعد تقديم مشروع قرار بلجيكي –ألماني حول إدخال المساعدات إلى سورية عبر باب الهوى، ولمدة عام واحد، حتى شهر تموز عام 2021.
و صوت 12 عضواً من الدول الأعضاء في المجلس على مشروع القرار، بينما امتنعت الصين وروسيا عن التصويت.
وجاء ذلك بعد ثلاثة أيام من تعطيل روسي- صيني، لمشروع قرار يتيح إدخال المساعدات الإنسانية إلى سورية، عبر ثلاثة معابر، هي: باب السلامة، باب الهوى، معبر اليعربية مع العراق.
وكانت روسيا والصين، قد استخدمتا، العام الماضي، حق النقض “فيتو”، لعرقلة تمديد قرار مجلس الأمن، الخاص بإيصال المساعدات إلى سورية عبر الحدود، قبل أن يُمرر المجلس مشروع قرار جديد، أتاح إيصال المساعدات عبر معبر واحد فقط هو باب الهوى.
ومنذ سنة 2014، أقر مجلس الأمن الدولي، القرار 2156، القاضي بإيصال المساعدات الإنسانية إلى سورية عبر الحدود، دون الحاجة لموافقة النظام، الذي يطالب مع حلفاءه بإلغاء القرار، وحصر وصول المساعدات من خلاله للمحتاجين لها في مختلف المناطق السورية.