لم يجر لقاء بين الرئيس الروسي بوتين والرئيسين الأميركيين السابقين، أوباما وترامب، إلا وكانت نتائجه سيئة على الثورة السورية… بعد سبعة عشر يوما من لقاء بوتين ـ أوباما في الخامس من سبتمبر/ أيلول عام 2016، شنت قوات النظام السوري بدعم جوي مكثف من المقاتلات الروسية أعنف هجوم على شرق حلب ضمن خطة لاستعادة السيطرة على المدينة. واستمرت العملية العسكرية للنظام حتى إعلان الهدنة مع الثوار في 13 ديسمبر/ كانون الأول، وإخلاء الأحياء المحاصرة في شرق حلب من المدنيين والمسلحين. وفي الثامن من يوليو/ تموز 2017، التقى بوتين بالرئيس ترامب، على هامش قمة العشرين في هامبورغ الألمانية، وكان من نتائجها موافقة واشنطن على المقاربة الروسية للجنوب السوري، وضرورة أن يكون جزءا من منطقة خفض التوتر، تمهيدا لعودة النظام السوري إليه.
وقد ترتب على هذا التفاهم وقف الإدارة الأميركية في العشرين من يوليو/ تموز للبرنامج السري الذي كانت تديره وكالة الاستخبارات الأميركية، بمشاركة دول عربية وغربية في الأردن، لدعم “الجيش السوري الحر”، في خطوةٍ اعتبرت تحولا مهما لجهة وقف الدعم الأميركي لفصائل المعارضة في الجنوب.
وفي العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، عقد الرئيسان اجتماعا على هامش قمة آسيا ـ المحيط الهادئ في دانانغ بالعاصمة الفيتنامية هانوي، توصلا فيه إلى بيان مشترك حول الأزمة في سورية، أعدّه الخبراء الروس والأميركيون، وأقرّه وزيرا خارجية البلدين، لافروف وتيلرسون، ينص على أنه لا حل عسكريا للأزمة. وكان البيان مهما لكل من موسكو وواشنطن، فقد قرأته الأخيرة أنه حتى لو حسم الأسد النزاع العسكري، فذلك لن يكون كافيا لإنهاء الأزمة، فيما قرأته موسكو قراءة براغماتية، مفادها بأن لا تهديدا عسكريا غربيا وإقليميا لنظام الأسد.
وقبل قمة الرئيسين في هلسنكي في 16 يوليو/ تموز 2018، بدأت قوات النظام السوري بدعم روسي معركة جنوب سورية في 18 يونيو/ حزيران بضوء أخضر أميركي، وانتهت المعركة في 31 يوليو/ تموز، سيطر خلالها النظام على جنوب سورية. وجرى في القمة التفاهم على مرحلة ما بعد معركة الجنوب، وخصوصا الوجود الإيراني، وخرجت القمة بتفاهماتٍ على إبعاد القوات الإيرانية والقوات التابعة لها، مع عودة القوات الأممية (أندوف) إلى العمل.
وجاءت القمة بين الرئيسين بوتين وبايدن، في جنيف أول من أمس الأربعاء، 16 يونيو/ حزيران الحالي، في سياق سياسي وعسكري يختلف تماما عن الذي جرت فيه اللقاءات السابقة بين بوتين وكل من أوباما وترامب، فلا معارك عسكرية على الأرض السورية، ولا عملية سياسية فاعلة في أروقة الأمم المتحدة، ولا استراتيجية أميركية واضحة حيال الوضع السوري. اختزلت الأزمة السورية في القمة بالبعد الإنساني، مع ما يعني ذلك من أن الملف السوري لم يعد يحظى بأولوية لدى إدارة بايدن أولا، ولن يشهد تطوراتٍ دراماتيكية ثانيا، بحيث يبقى السكون الاستراتيجي قائما.
لم تعد السياسة الأميركية هجومية بقدر ما أصبحت دفاعية، هدفها الحفاظ على الوضع الراهن عبر تثبيت مواقع القوى لكل الأطراف: ثمّة وجود عسكري أميركي في الشرق السوري، كفيل بجعل واشنطن وحليفها “قوات سوريا الديمقراطية” أداة تعطيل في مواجهة محاولات النظام وروسيا استعادة الهيمنة على الثروات الباطنية، وثمّة عقوبات أميركية تحول دون استعادة النظام عافيته الاقتصادية. وعلى المستوى السياسي، التراخي الأميركي واضح، لجهة عدم معارضة إعادة إشراك النظام في المؤسسات الدولية (منظمة الصحة العالمية، لجنة تصفية الاستعمار)، ولجهة الانفتاح السياسي الإقليمي على دمشق، ولجهة انعدام الضغوط لدفع عمل اللجنة الدستورية قدما إلى الأمام.
بعبارة أخرى، بعد الانفتاح العربي على إسرائيل، والانهيار الاستراتيجي للعراق وسورية وليبيا واليمن، أصبحت الأولوية الأميركية منع حدوث أزماتٍ إنسانيةٍ كبرى، تستتبعها تدخلات سياسية أو عسكرية. ولهذا، لا تهتم إدارة بايدن، في هذه المرحلة، بإنشاء مقاربة جديدة حيال سورية، فهي لم تعين مبعوثا دائما للملف السوري الذي وضع مع ملفات أخرى في عهدة منسّق الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بريت ماكغورك.
ما يهم إدارة بايدن هو الشأن الإنساني، فهي تمارس ضغوطا كبيرة من أجل إعادة فتح معبري باب السلام شمالي حلب واليعربية في الشمال الشرقي على الحدود العراقية. وكان هذا الموضوع ركنا رئيسا في مباحثات بوتين ـ أوباما في جنيف. ومع أن بايدن لم يحصل على تنازل من بوتين حيال هذه النقطة حسب ما أعلن مسؤول أميركي، فإن الروس، الراغبين بفتح صفحة جديدة مع الأميركيين، سيجدون فرصة لإعادة ترتيب التفاهمات انطلاقا من هذا الملف، وفرصة لانتزاع تنازلات أميركية أخرى.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت