اختلف المشهد الإعلامي العام لمناطق الغوطة الشرقية بعد السادس والعشرين من مايو/أيار الماضي، حين صادف اليوم الأول لتنظيم “الانتخابات الرئاسية”، والتي فاز بها بشار الأسد في تصويت كان محسوماً ومعروف النتائج.
وفي أولى خطوات الاختلاف المذكور اختار رأس النظام السوري، بشار الأسد من مدينة دوما ذات الرمزية الكبيرة في الثورة السورية مكاناً للإدلاء بصوته، موجهاً منها رسائل داخلية وخارجية في آن واحد.
وبينما اعتبر الأسد أن الرفض الدولي لانتخاباته “لا قيمة له” قال إن “الاستحقاق والرد الشعبي هو تأكيد على أن المواطن السوري حر”.
“مكرمات مفاجئة”
ما سبق تبعته عدة إجراءات لافتة ومفاجئة وصفتها وسائل الإعلام الموالية بـ”المكرمات”، وتمثلت بإعلان نظام الأسد الإفراج عن “موقوفين” بحسب تعبيره، أولاً من مدينة دوما، ومن ثم في عربين وأخيراً في بلدة كفربطنا، اليوم السبت.
ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط، بل أقدمت الأفرع الأمنية على تخفيف حدة إجراءاتها حيال الأهالي المقيمين في مناطق متفرقة بالغوطة الشرقية، من خلال إلغائها لـ”الإذن الأمني” المفروض على كل شخص يريد الخروج من المنطقة إلى العاصمة دمشق.
وفي الوقت الحالي هناك معلومات تتردد عن نية نظام الأسد إجراء تسوية جديدة برعاية الروس لأبناء الغوطة الشرقية، والذين رفضوا الخروج إلى الشمال السوري، في عام 2018، بعد العمليات العسكرية الواسعة التي شنتها قوات الأسد بدعم روسي وإيراني، وأفضت عن سيطرة كاملة على المنطقة.
وذكرت شبكة “صوت العاصمة” المحلية قبل أيام أن لجان عسكرية روسية أجرت جولة في العديد من مدن وبلدات الغوطة الشرقية، واستطلعت خلالها أوضاع المنطقة وجاهزيتها للخضوع لعملية “التسوية”.
ونقلت الشبكة عن مصادر لم تسمها أن القوات الروسية شكّلت لجان للإشراف على عملية التسوية بشكل مباشر، ووجّهت تعليمات لأعضاء لجان المصالحة في زملكا وعين ترما لبدء استقبال الراغبين بالخضوع للتسوية الجديدة.
ماذا يريد نظام الأسد؟
وفي الأشهر التي سبقت الانتخابات الرئاسية كانت مناطق الغوطة الشرقية بمعظمها غائبة عن المشهد الإعلامي في سورية، وبالأخص من جانب نظام الأسد، والذي حولها بدوره إلى “جزيرة معزولة”، بعد السيطرة الكاملة عليها، بموجب اتفاق “التسوية”.
وللغوطة الشرقية رمزية كبيرة في مسار الثورة السورية التي انطلقت في عام 2011، ولها “رمزية” أخرى تتعلق بانتهاكات قوات الأسد، والتي كان أشدها تلك المرتبطة بالهجمات الكيماوية في عام 2013 و2018.
الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، محمد منير الفقير يرى أن الإجراءات التي يعمل عليها نظام الأسد في مناطق الغوطة الشرقية لا تنفصل عن ملف الانتخابات الرئاسية.
ويقول الباحث في حديث مع موقع “السورية.نت” إن مناطق الغوطة من دوما إلى عربين وكفربطنا كانت تشهد في الأيام التي سبقت الانتخابات “قبضة أمنية شديدة”، ليتم تخفيفها بشكل كبير ومفاجئ عشية ليلة الانتخابات وفي الأيام التي تبعتها.
ويريد نظام الأسد من الإجراءات التي يتبعها في الغوطة القول إن “هذه المناطق التي ظهرت معي في الانتخابات الرئاسية ستحظى باهتمام من الدولة”.
ويتابع الفقير: “في المقابل ستتعرض درعا والسويداء وهما محافظتان أخذتا موقفاً حاداً من الانتخابات للتهميش والإهمال الحكومي”.
ولا يستبعد الباحث السوري أن تكون تحركات النظام السوري في الغوطة جزءاً من أجل استكمال “البروبوغندا التي يريد تصديرها”.
ويوضح أن النظام يريد القول أيضاً إن “هذه المناطق عادت لحضن الدولة وأجرت تسويات ومصالحات وعبر الأهالي فيها عن دعمهم لبشار الأسد، على خلاف الفترة التي عاشتها في أثناء سيطرة الإرهابيين”.
“ما تزال تحت العقاب”
وبحسب ما أوردت وسائل إعلام النظام السوري والمقربة منه فقد أفرج الأخير، في الأيام الماضية، عن 30 “موقوفاً” من مدينة عربين، و26 آخرين من دوما، و32 شخصاً من بلدة كفربطنا.
وذكرت صحيفة “الوطن” شبه الرسمية السبت أن الأشخاص المفرج عنهم “لم تتلوث أيديهم بدماء السوريين”، بحسب تعبيرها.
وحتى الآن تغيب تفاصيل وآليات عمليات الإفراج التي يتبعها نظام الأسد عن معتقلي الغوطة الشرقية، وعما إذا كانت ترتبط بالأشخاص الذين تم اعتقالهم بسبب مناهضتهم لنظام الأسد أو تتعلق بالمتهمين بتهم جنائية فقط.
ورغم التعتيم الكبير الذي فرضه نظام الأسد في الأشهر الماضية على مناطق الغوطة الشرقية، إلا أن شبكات محلية وحقوقية تمكنت من توثيق مئات الانتهاكات التي ارتكبتها قواته بحق المدنيين الذين رفضوا الخروج من منازلهم، وخاصة الشبان منهم.
ويشير الباحث السوري، محمد منير الفقير إلى أن بروبوغندا نظام الأسد حول الغوطة الشرقية تخفي ورائها “حجم هائل من الانتهاكات والاعتقالات والإهمال”.
ويرى أن ما يعمل عليه النظام السوري في الوقت الحالي “شكلي وإعلامي وللاستهلاك المحلي والدولي، بمعنى القول إن هذه المناطق أصبحت آمنة، ويمكن للاجئين العودة إليها، وأن عملية إعادة الإعمار باتت ممكنة أيضاً”.
وزاد: “هذه المناطق ما تزال تحت العقاب، ولا يزال هناك مئات المفقودين والمعتقلين من أبنائها، ولا يمكن أن نعتبر الإصلاحات المعلن عنها جدية وحقيقية”، مؤكداً أن “التعافي الحقيقي والمصالحة الحقيقة لم تحصل في هذه المناطق بعد. ما يتم الإعلان عنه إجراءات غير جدية، وسنكتشف أن النظام غير صادق مع الأهالي بملف حقوق الإنسان وبالتالي هو غير صادق بملف الإصلاحات”.