بحثاً عن “فرصة حياة”..سوريون يروون يوميات الخطر في رحلة اللجوء
خلال ساعات العبور التي تجاوزت 3 ساعات، كان جُل ما يتبادر إلى خاطر حسام، عائلته وتحديداً أمه، إذ يقول إنه وبينما كان يعبر نحو ما أسماها ضفة “النجاة” من إدلب لتركيا، يحمل الهاتف النقّال ليطمئن عائلته بوصوله، بعد مرارة أيام وليالٍ قضاها على الحدود السورية التي عبرها من خلال طرق التهريب للأراضي التركية.
شريط الذاكرة السريع على مخيّلة حسام، على طريق وعرةٍ يقطع مسافته ركضاً وهرولةً متلفةً يميناً وشمالاً، خوفاً من رصاص غادر أو دورية مارّة، لم يقتصر على أسئلة إمكانية النجاة والوصول إلى برّ الأمان فقط، بل ذهب إلى النقيض فيما لو فشلت المحاولة هذه، وقرر العدول عن الفكرة، وعن الخيبة والأحلام في الهجرة والاستقرار في السويد حيث إقامة عمّه، صاحب الفكرة والمشجّع الرئيس لرحلة اللجوء الطويلة والشاقة التي يشقها حسام.
حسام هو واحد من شريحة كبيرة من الشباب المتواجدين في شمال غرب سورية، الذين يفكرون أو باشروا فعلاً بطريق الهجرة واللجوء، نظراً لتردي الواقع المعيشي وغياب فرص الدراسة والعمل المُناسبين، ويتملّك شعور كثير منهم حالة “لا جدوى” من البقاء، وسط فيضٍ من الدمار والقصف المتواصل الذي تنفذه قوات روسيا والأسد.
ولحَمَلة مشروع اللجوء في المنطقة عقبة كبيرة تتمثل في عبور الحدود إلى تركيا، المحطّة الأولى، والتي غالباً ما تكون بطرقٍ غير قانوينة، في ظل إغلاق الحدود أمام المسافرين بطريقة رسمية، الأمر الذي يترتّب عليه رحلة “تهريب غير شرعية” على الحدود تمتدّ من أرياف إدلب وصولاً إلى أرياف حلب، وبتكاليف مالية مرتفعة ومخاطر أمنية كبيرة.
ويساهم بشكل واسع في موجات اللجوء والعبور “غير الشرعي”، حملات التهجير التي شهدتها مختلف المناطق السورية ووصلت إلى مناطق شمال غرب سورية، التي بدورها تتعرض لحملات عسكرية متعاقبة.
“بحثاً عن حياة”
منذ سنة تخرّج حسام من المعهد التقاني للإعلام في “جامعة حلب في المناطق المحررة”، وعمل بعد ذلك مصوّراً في جمعية خيرية بأجر قارب الـ 250 دولاراً أمريكياً، لكن خلال هذه المرحلة الانتقالية، أسئلة ملحّة تطرأ على تفكير حسام، لا تخرج في فحواها عن جدوى البقاء أو الاستمرار في منطقة ضيقة جغرافياً وغير آمنة نسبياً.
حسام البالغ من العمر 21 عاماً، يعتبر أنّ عمره مشجع جداً لفكرة اللجوء التي زرعها عمّه المقيم في السويد قبل حوالي 7 سنوات، وبذخ في فكرة مساعدته مادياً كي ينجو بنفسه وبطموحه وشغفه ويحققها في بلاد اللجوء الجديدة.
قرر حسام القاطن في منطقة ريف حلب الغربيّ الخاضعة لإدارة “حكومة الإنقاذ”، أن يغير وجهة التهريب من ريف إدلب ويسلك طريقاً من ريف حلب الشمالي الخاضع لسيطرة “الجيش الوطني”، وإدارة “الحكومة السورية المؤقتة”.
وعن سبب عدم محاولته التهريب من إدلب، يقول: “إنّ وصل السماح للوصول إلى منطقة التهريب البالغ قيمته 50 دولاراً أمريكياً متوقف منذ فترة وهو الذي تسمح هيئة تحرير الشام بموجبه للراغب في التهريب أن يعبر بموجبه، عدا عن ذلك أنّ طبيعة طرق التهريب من إدلب أكثر تعقيداً وصعوبةً على اعتبارها جبلية، أما في ريف حلب فهي سهلية”.
ضرب واعتداء
استمرت رحلة التهريب مع حسام حوالي أسبوع ضمن محاولات بائت بالفشل، وبعضها كان خطيراً، حيث تم القبض عليه مع المجموعة التي ترافقه من قبل “الجندرما” التركية.
ويقول حسام إنه “في بداية الأمر صوبوا الرصاص على محيطنا وبعد أن تمكنوا من القبض علينا، ضربونا بأرجلهم وبعصا خشبية وحديدية، وبعدها احتجزونا في المخفر لساعتين وسلمونا بعدها للجانب السوري”.
ويتابع في حديثه لـ”السورية.نت”:”سلمونا للشرطة العسكرية في منطقة أعزاز، التي بصمتنا بدورها على ورقة نتعهد من خلالها بعدم المحاولة بطريقة غير شرعية، وحاولت معرفة المهرّب من خلالنا، على اعتبار أنّ التهريب ممنوع قانوناً، إلا أننا في حقيقة الأمر لا نعرف المهرب لأن التواصل يكون عبر سماسرة ومن شخص لآخر ويصبح من الصعب تحديد هوية المهرّب، ودفعنا مبلغ 200 ليرة تركية للشرطة، كضريبة بعد تصويرنا”.
بعد هذه التجربة الفاشلة للعبور، اتّجه حسام نحو البحث على طريقة تهريب “كريمة” ولو كانت مكلفة، بحسب ما قال، مضيفاً:”وصلتُ إلى مهرب له ارتباط بالداخل التركي وشبكة علاقات تيسّر الأمر، لكن لا أعلم ما طبيعة هذه العلاقات أو امتيازاتها، لكن طلب مبلغ 1850 دولاراً، وهو مبلغ كبير إذ كان في المرات السابقة لا يتجاوز الـ 1200 دولار”.
يعتبر حسام أنّ: “طرق التنسيق” أو “الإذن العسكري” وغيرها من التسميات عبارة عن أساليب دعائية يستخدمها المهربون، حتى يطمئنوا الزبائن ويتقاضوا مبالغ أعلى بحوالي 500 دولار عن العبور العادي، لأنه ببساطة كان من الممكن أن نقع بيد الجندرما”.
الاحتجاز مقابل المال
خلال هذه التجربة، تمكّن حسام من عبور الحدود التركية، يوضح أنّ المهرب في الضفة السورية كان على تواصل مع مهربين آخرين في الجانب التركي التي تتلخّص مهمتهم في احتجاز العابرين حتى دفع المبلغ المتفق عليه.
يقول: “تم احتجازنا في غرفة صغيرة من قبل مهربين هناك، لم أنتبه إن كانوا سوريين أم أتراك، وحجزوا أيضاً على هواتفنا الشخصية، وكانت العملية من أجل أن نتواصل مع ذوينا في الداخل ليسلموهم المبلغ المتفق عليه وبعد التسليم يتم إطلاق سراحنا أو إيصالنا للمنطقة التي نحددها في تركيا”.
وصل حسام مؤخراً إلى مدينة إسطنبول، حيث بدأ بترتيب تفاصيل رحلة عبور جديدة والتي يعتبرها الأصعب والأشد خطراً إلى أوروبا، وهي العبور نحو اليونان.
الركض والحظّ
“كان عليك أن تركض فقط”. يبدأ بلال برواية رحلة عبوره من قريةٍ في غربي إدلب، بعد عدة محاولات من نقاط مختلفة بريف إدلب الشمالي الغربيّ، يضيف: “تصل إلى مرحلة لا يمكنك أن تحرك جسدك من التعب، لكن عليك أن تركض لأنه ببساطة ضرب واعتداء فظيع ينتظرك بحال تمّ الإمساك بك، باختصار الخوف يقطع الجوف”.
لم يكن لدى بلال ما يخسره بعد أن سقطت مدينته بيد قوات الأسد والميلشيات الموالية لها، وخسر منزله وأرضه وما جناه لأطفاله الصغار وعائلته، وحطّت به ريح التهجير في مخيم للنازحين قرب الحدود السورية ـ التركية شمالي إدلب.
قرر بلال أن يشق طريق اللجوء وحيداً إلى أن تستقر أموره، ويلم شمل عائلته الصغيرة.
يقول بلال: “أنت أمام خيارين، إن صدق المهرّب معك وكان الطريق مؤمناً ويخلو من التواجد العسكري فخلال نصف ساعة تكون قد وصلت إلى الأراضي التركيّة بعد أن تتجاوز الجدار العازل، أما إن كانت مجرد دعاية ستتفاجأ بدورة عسكرية تقبض عليك وبالتالي ستتعرض لضرب مبرح من قبل حرس الحدود”.
ويوضح أنّ “الحظّ يلعب دوراً كبيراً معك، لأن هناك على الحدود، لا شيء مضمون أو مكفول ولا حتى حياتك”.
تتقاطع رواية بلال مع رواية حسام، في مكان الاحتجاز على الضفة التركية، حيث مهربين سوريين بحسب بلال يحتجزون الأشخاص العابرين حتى يستلم المهرب على الجانب السوري المبلغ المتّفق عليه.
يقول محدثنا: “ممنوع أن تستعمل هاتفك الشخصي إلا لمدة 3 دقائق تتحدث خلالها مع شخصين هما المهرب في الجانب السوري والشخص المكلّف بدفع المبلغ”.
وكانت تكلفة عبور بلال حوالي 1400 دولار أمريكي واصلاً للنقطة التي يحددها داخل تركيا.
ويضيف:”يتحول العابرون إلى رجال آليين عليهم أن يتحركوا وينفذوا الأوامر فقط من قبل المهرّبين، يساعد في ذلك حالة الذعر والتخبّط لدى الأشخاص المحاولين للعبور، لأن همهم الوحيد العبور بأي ثمن”.
لماذا الشباب؟
يقول الصحفي محمد خضير المقيم في إدلب، إنّ: “غياب فرص العمل وقلتها في المنطقة، هي الدافع الرئيسي للشاب السوري للاتجاه نحو الأراضي التركية بطرق غير شرعية بهدف تأمين حياة أفضل”.
ولا تقتصر مسببات اللجوء والعبور بحسب محمد، على الأسباب الاقتصادية والمعيشية، إذ إنّ نسبة من الشباب تعبر إلى تركيا، بحثاً عن دراسة معترف فيها في الجامعات التركية، في وقتٍ لم تحظَ فيه الجامعات السورية في المنطقة باعتراف دوليّ.
ويضيف:”تلعب الناحية الأمنية دوراً مهماً إضافةً للأسباب آنفة الذكر، فالقصف المستمر من قبل قوات الأسد وروسيا على منطقة إدلب يدفع كثير من العائلات للبدء في مرحلة لجوء طويلة وخطيرة، هرباً من القصف والتهديد المباشر على الحياة”.
وتعليقاً على أنّ فئة الشباب هي الأكثر هجرةً، يزيد: “فرص اللجوء أمام الشباب واسعة، من بوابة الدراسة والحصول على الجنسية من بلد اللجوء، كما أنّ طرق العبور الشاقة والتهريب غير الشرعي تحتاج لبنية جسدية وقدرة على التحمّل غالباً ما تكون خاصة بالشباب”.
ويوضح أنّ “العائلات تدفع بالشباب أولاً بهدف تأمين وضعه، والتمهيد لسحب العائلة كاملاً عبر ما يعرف بلمّ الشمل، أو من أجل مساندتهم مادياً عبر الحوالات المالية، وفي كلتا الحالتين تكون المهمّة بالنسبة للشاب أسهل وأقل تكلفةً”.