لا نعرف بعد، كيف سيتلقى السوريون “قُنبلة” اجتماع عمّان، بين وزراء الطاقة بالأردن ومصر وسوريا ولبنان، والذي أعلنت فيه الوزيرة الأردنية بأن كل دولة ستتحمل كلفة إصلاح شبكة نقل الغاز، داخل أراضيها. ذلك أن وسائل الإعلام ومنصات وسائل التواصل الاجتماعي، الموالية، لم تتناقل الخبر بعد. أو ربما، لا تتناقله مطلقاً.
لكن من المتوقع، أن يثير الخبر المشار إليه أعلاه، عاصفة جديدة من الاستهجان والغضب والسخرية، في أوساط السوريين المقيمين في مناطق سيطرة النظام، فيما لو تم تداوله، عبر منصات إعلامية موالية. ذلك أن تصريحات وزير الكهرباء بحكومة النظام، والتي نشرتها صحيفة “الوطن” الموالية، قبل يومين، وتحدث فيها عن تكاليف تأهيل خط الكهرباء الواصل بين الأردن وسوريا ولبنان، قد حظيت بعاصفة من التعليقات الساخرة والمستهجنة والغاضبة، وذلك على أكثر الصفحات “الفيسبوكية” الموالية، مُتابعةً.
ورغم أن الرقم الذي أعلنه الوزير، (12 مليار ليرة سورية)، ليس كبيراً بمعايير ميزانيات الدول، إن احتسبنا الرقم بالدولار (حوالي 3.5 مليون دولار وفق سعر صرف السوق السوداء)، إلا أنه في بلدٍ كسوريا، يصل فيها عدد ساعات انقطاع الكهرباء الحكومية إلى 20 ساعة يومياً، في بعض الأحيان، وإلى أقل من ذلك بقليل، في أفضلها، فإن خبراً مفاده أن تكاليف جديدة ستثُقل عاتق الميزانية الحكومية المترهلة، سيكون مستفزاً للمواطن السوري، في حال لم يتم تقديم تبرير يوضح الفائدة التي يجنيها السوريون من دفع هذه التكاليف. كما أن تصريح وزير النفط السوري، في اجتماع عمّان، حينما قال إن هناك توجيهات من رأس النظام بشار الأسد، بمساعدة لبنان على نقل الغاز المصري إلى أراضيه، سيكون أكثر استفزازاً للسوريين، خاصة حينما توحي تصريحات مسؤولي النظام، أن لا فائدة سيجنيها السوريون من تلك الصفقة.
وبطبيعة الحال، لا يمكن تصور أن صفقة كهذه ، سيمررها نظام الأسد، من دون مكاسب. لكن كل ما قِيل حول مكاسب السوريين الاقتصادية، حتى الآن، لا يعدو كونه تسريبات وتحليلات صحافية، لا تستند إلى مصادر رسمية. والثابت رسمياً، حتى اللحظة، أن البنك الدولي قد يكون بصدد تمويل شراء لبنان للغاز المصري. أما غير ذلك من سيناريوهات، من قبيل تمويل البنك الدولي لعملية ترميم شبكة الكهرباء والغاز المارة عبر سوريا، أو حصول سوريا على حصّة من الغاز والكهرباء التي ستمرّ عبر أراضيها، أو حتى ما أُشيع عن مقايضة الماء بالغاز، بين سوريا والأردن.. كل ما سبق، لا يعدو كونه تحليلات وتسريبات صحافية، لا يمكن الجزم بصحة أيٍّ منها. فالخطاب الرسمي “الأسدي”، يقدم مساهمته في صفقة الغاز والكهرباء، بوصفها إجراءً لدعم لبنان. والواضح حتى الآن، أن النظام حصل على مكسب سياسيّ متمثل بتواصل ثلاث دول عربية معه رسمياً، بضوء أخضر أمريكي. لكن الجزء المتعلق بالمكاسب الاقتصادية الخاصة بسوريا، ما يزال ضبابياً. ورغم إجماع معظم المراقبين، على أن هذه المكاسب، موجودة بالفعل، إلا أن الخطاب الإعلامي الموالي يتجاهلها تماماً، ناهيك عن عدم وجود أي تصريح رسمي من الجهات الإقليمية أو الدولية ذات العلاقة، تؤكد وجود تلك المكاسب الاقتصادية.
وهو ما يعني أحد احتمالين. الأول، أن نظام الأسد قايض هذه الخطوة بمكسب التطبيع الرسمي العربي معه، ولو على نطاق محدود. وهو أمر غير مستبعد عن النظام الذي لطالما وضع السياسة في مرتبة أعلى من الاقتصاد، ما دامت الخسارة الاقتصادية ستكون من الميزانية الحكومية، أي من جيوب السوريين. ومن تلك الجيوب، قد يكون النظام بصدد دفع بضعة ملايين من الدولارات بغية تعويمه عربياً.
أما الاحتمال الثاني، فهو أن النظام يتقصد إخفاء المكاسب الاقتصادية من الصفقة، إن وُجدت. وهو أيضاً، أمر مُعتاد من النظام الذي أدمن على رصد الخسائر والتكاليف الاقتصادية، وعرضها على السوريين، عبر إعلامه الموالي، للإشارة إلى ثقل العبء المُلقى على عاتقه، بذرائع عديدة، أبرزها العقوبات، كي يبرر الضائقة المعيشية التي يعيشها السوريون، وكي يبرر أيضاً تحوله إلى جابي ومحصّل ضرائب، في وقتٍ لا يوفّر فيه للسوريين، أدنى احتياجاتهم الحياتية. وكما هو معلوم، فإن تحويل حياة السوريين إلى جرّيٍ مستمرٍ وراء الحاجات الأساسية، هي استراتيجية قديمة لنظام الأسد، تعود إلى عهد الأب. حتى أن هناك مثلاً شعبياً، غير لائق، متداول في أوساط السوريين، للتعبير عن قناعتهم بأن نظامهم يتبع تلك الاستراتيجية معهم، حتى لو كان قادراً على تحسين ظروفهم المعيشية، وذلك بغرض إخضاعهم.
وأياً كان هو الاحتمال الدقيق، لتفسير التعتيم الذي يفرضه النظام على مكاسبه من صفقة الغاز والكهرباء المار إلى لبنان، فإن الطرف الرئيس الذي سيدفع الثمن، هو المواطن السوري المُنهك، والذي بات يبحث عن أي سبيل ليرى نور الكهرباء في منزله، حتى لو كان ذلك يعني بيع شيء ثمين يمتلكه، أو توسل الأقارب المغتربين في الخارج لتمويله بحوالة مالية، تتيح له شراء منظومة طاقة شمسية، مشكوك في مصدرها ومدة صلاحيتها، تتيح له الترقيع المؤقت لانقطاعات الكهرباء المزمنة.
ففي بلدٍ، لا تستطيع حكومته أن تنتج أكثر من 25% من حاجة الاستهلاك المحلي من الكهرباء، وتنتج نصف حاجات البلاد من الغاز فقط، يصبح من الصعب على السوريّ “هضم” الحديث الحكومي عن “دعم لبنان”، وسط صمتٍ عن المكاسب المحتملة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت