التقطت المنظومة اللبنانية الحاكمة الفرصة وهرولت نحو النظام السوري، بإعتقادها أنها بإمكانها لعب دور في إعادة تعويمه عبر أنابيب الغاز المصرية وشبكة الكهرباء الأردنية، هذه الطبقة تمسكت بالجزء الأول من الرسالة الأميركية التي أجازت فيها واشنطن للحكومة اللبنانية استجرار الغاز والكهرباء عبر الأراضي السورية، لكنها لم تستمع إلى الجزء الثاني من الرسالة الأميركية التي نُقلت عن لسان زائر أميركي كبير إلى بيروت منذ أكثر من شهر والذي حدد معادلة بلاده بقوله «عبر سوريا ولكن ليس عبر دمشق».
عبر سوريا هي إجازة للقاهرة وعمان إعادة تشغيل خطي الغاز والكهرباء إلى لبنان عبر الأراضي السورية، لكنه يضع علامات إستفهام كبيرة حول ماهيته السياسية، أي إن شروط مروره سياسياً عبر دمشق لم تزل صعبة، فالمعادلة التي قدمتها السفيرة الأميركية لمساعدة لبنان في مجال الطاقة ليست كما يشتهيها نظاما بيروت ودمشق، فهي ليست إجازة للأول (اللبناني) من أجل إدخال الثاني (السوري) إلى بيروت من بوابة المصالح الاقتصادية وإظهارها كأنها مرتبطة بنظام المصالح العربية من دون شروط، وتقديمها كأفضال لنظام الأسد على اللبنانيين، ومن ثم استخدامها غطاء للذين سارعوا بالهرولة إلى دمشق في لحظة إقليمية ضائعة، يحاول ما تبقى من المنظومة اللبنانية الحاكمة استغلالها لصالح مَن تبقى من نظام دمشق.
يمكن للبنانيين القفز فوق الجغرافيا، لكنهم لا يستطيعون تجاوز التاريخ، وهم يتعاملون مع منظومة حاكمة يعود الجزء الأكبر منها إلى تركة الاحتلال السوري لبلادهم، والجزء الأساسي من معاناتهم الاقتصادية يعود إلى قرار صناع القرار في هذه المنظومة دعم نظام الأسد عبر ودائع اللبنانيين المالية التي تبخر جزء كبير منها نتيجة الاعتمادات المالية التي فتحت في لبنان من أجل شراء احتياجات النظام السوري الأساسية إضافة إلى التهريب المنظم.
عملياً من الممكن أن يواجه مشروع استجرار الطاقة من الأردن ومصر إلى لبنان عبر سوريا المصير نفسه الذي واجهته جميع مشاريع مساعدة لبنان من أجل توفير الطاقة، فهذا المشروع الذي يحتاج إلى شهور من أجل إنجازه لن يكون مصيره مختلفاً عن مصير النفط العراقي الذي لن يصل إلى لبنان قبل أن تحصل قوى سياسية نافذة تسيطر على قطاع الطاقة على حصتها، وهي مستعدة لعرقلة وصول الكهرباء من الأردن والغاز من مصر لأنه سيقوض جزءاً من أرباحها المالية، حيث سيكون هذا الاستجرار تحت إشراف حكومتي البلدين المزودين ورقابتهما المالية، الأمر الذي سيضيّق من هامش المكاسب المالية لمافيا السلطة، وسيضع حداً ما لسيطرتها على مصادر الطاقة، وهو في العموم لا يناسبها اقتصادياً ولا سياسياً لأنه في النهاية سيسمح لمصر والأردن بلعب دور بنّاء في الأزمة الاقتصادية التي ستسمح لهما بالتأثير سياسياً، في الوقت الذي لم تفلح فيه طهران في إيصال بواخرها إلى موانئ لبنان رغم الوعود والتهديدات التي أطلقها الأمين العام لـ«حزب الله» في الأسابيع الأخيرة.
بالنسبة إلى الطبقة السياسية اللبنانية، خصوصاً هواة تحالف الأقليات ومحور الانتصارات الوهمية، من الضروري تطبيق الجزء الأول من الإجازة الأميركية، وهي فقط الاتصال والتواصل مع نظام دمشق الذي لن يقوم بتسهيل الطلبات العربية من دون توسعة سلة مكاسبه، لذلك فإن مشروع الربط سيتعرض لعرقلات كثيرة ستعيق إصلاحه سريعاً، كما ستؤخر عمله مستقبلاً كون هذا النظام غير معنيٍّ بإعطاء اللبنانيين حتى أتباعه ما يريدون من دون مقابل.
طبيعة النظام السوري حتى وهو في ذروة ضعفه قاسية، وينظر إلى لبنان ليس من باب مساعدة أتباعه بل من خلال تطويع أعدائه، فلا يمكنه تقبل تمسك «انتفاضة تشرين» بتحديد العلاقة معه وتقاطع مطالبها مع مطالب الشعب السوري بالحرية والحياة الكريمة، لذلك ليس من المستبعد أن يستشعر النظام إمكانية الانتقام ولو المحدود في هذه المرحلة من متحولات سياسية بدأت سنة 2005 وتطورت في 2011 سمحت للبنانيين بإدارة ظهرهم لدمشق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت