فتحت الزيارة غبر المعلنة لرئيس النظام، بشار الأسد، إلى موسكو الاثنين الماضي، ولقائه مع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، باب التحليلات حول توقيت الزيارة وأهميتها، في وقت كان يمكن لبوتين إيفاد مبعوثيه إلى دمشق، ونقل الرسائل التي يريد إيصالها إلى الأسد.
وجاءت الزيارة في وقت يشهد فيه الملف السوري تحركاً في مختلف الاتجاهات، سواء ميدانية أو سياسية.
إذ أن اللقاء جاء بعد أيام من اتفاق درعا البلد في الجنوب السوري، والذي رعته موسكو ودعمت فيه النظام، إلى جانب التصعيد الروسي في إدلب وشن غارات جوية على جبل الزاوية.
أما على الصعيد السياسي، فإن اللقاء جاء عقب زيارة المبعوث الأممي، غير بيدرسون، إلى دمشق، ولقائه وزير خارجية النظام، فيصل المقداد، وهي زيارة طال انتظارها وجرت بضغط من الروس، لأن “الحكومة السورية لم تكن تريد استقبال المبعوث الدولي على خلفية بعض العناصر الخلافية”، حسب ما قاله الصحفي المختص بالشأن الروسي، رائد جبر لـ”السورية. نت”.
كما جاءت الزيارة قبل ساعات من لقاء مبعوث الرئيس الأمريكي ومسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي، بريت ماكغوركن، ونائب وزير الخارجية الروسي سيرغي فريشنين، والمبعوث الرئاسي ألكسندر لافرنييف، والتي من المتوقع أن يتم خلال اللقاء مناقشة الملف السوري وطرح أوراق جديدة على الطاولة.
وخلال لقاء الأسد مع بوتين تحدث الأخير عن نقطتين أساسيين بعيداً عن عبارات المجاملة وتهنئة الأسد بفوزه بالانتخابات، النقطة الأولى حسب جبر “ضرورة تنشيط الحوار مع الخصوم، حسب وصف بوتين، والمقصود هنا ضمان دفع عمل اللجنة الدستورية، إذ أن موسكو تريد من الحكومة السورية إبداء قدر كافي من المرونة والإيجابية مع هذا الاستحقاق، لأن موسكو تريد أن توظفها في نقاشاتها مع الجانب الأمريكي”.
أما النقطة الثانية التي تحدث عنها بوتين، هي مسألة “الوجود الأجنبي في سورية، والحديث هنا بالدرجة الأولى عن التواجد الأمريكي في شمال شرق سورية، إضافة إلى تلميح للتواجد التركي على خلفية تفاقم التباين بين موقفين موسكو وأنقرة حول التطورات في إدلب”.
ما هدف الزيارة؟
زيارة الأسد إلى موسكو هي الأولى منذ 2015 التي زار فيها موسكو مرتين متتاليتين وجاءت بعد أسابيع من تدخل روسيا عسكرياً إلى جانب النظام.
وطرحت الزيارة الأخيرة إشارات استفهام حول أهدافها، واعتبر المحلل السياسي المتخصص بالشأن الروسي، سامر إلياس أن “موسكو باتت تملك خطة عرضتها على رأس النظام”.
وقال الياس لـ”السورية.نت”، إن “هذه الخطة هي محطة بحث أساسي في اجتماعات بين المبعوث الروسي والأمريكي، وربما تتضمن تخفيف بعض العقوبات عن النظام السوري مقابل خطوات معينة يقوم بها لإبعاد الجانب الإيراني من الحدود الجنوبية من منطقة درعا، ضمن إطار التزام كلا من موسكو وواشنطن بأولوية أمن إسرائيل في هذه المنطقة”.
وأضاف إلياس أنه “يمكن أن يكون هناك بوادر خطة جديدة للتحرك الأردني بتنسيق مع واشنطن وإسرائيل وروسيا من أجل تخفيف جزئي للعقوبات عن النظام، في المجال الطبي والإنساني وإعادة الاعمار، مقابل ليونة للنظام في الملف السياسي، ما يمكن أن يمهد لعودة النظام إلى الجامعة العربية، ومحاولة وسعي روسيا لإعادة تعويم النظام، وهذا المرة من بوابات إقليمية وعن طريق التخفيف من المعاناة الإنسانية في سورية، واستفادة الأطراف الإقليمية عبر مشروع خط الغاز وفتح المعابر الحدودية، وصمان أمن إسرائيل”.
واعتبر إلياس أن الزيارة تؤكد بأن “الرئيس الروسي أراد إبلاغ الأسد ببعض القضايا وأخذ ضمانات وموافقة واضحة منه عبر اللقاء وجها لوجه ودون إيفاد مبعوثيه لسورية”.
في حين أوضح الصحفي رائد جبر أن زيارة الأسد إلى موسكو هي من “أجل إفهام الأسد ونقل رسالة واضحة بأن موسكو تسير في ترتيبات، وهي بالفعل تسعى إلى نقل نقاشاتها مع الجانب الأمريكي إلى مستوى التفاهمات على قضايا محددة”.
وحسب جبر فإن المقصود في القضايا المحددة ليست مبادرة روسية- أمريكية -أردنية “لكن هناك على الأقل فهم مشترك روسي- أردني بأن المدخل الإنساني هو عنوان مهم للتأثير والحديث مع الجانب الأمريكي، خصوصا على صعيد المحاولة الحصول على استثناءات من قانون قيصر، لتسهيل تخفيف معاناة الإنسانية في سورية”.
وتأمل روسيا بفتح النقاشات مع الجانب الأمريكي على تفاهمات أوسع “لبلورة آلية جديدة في التعامل مع التسوية السياسية في سورية لاحقاً، وطبعا المدخل الروسي ينطلق من أن اللجنة الدستورية هي المدخل الصحيح لتطبيق قرار 2245 وهنا خلاف مع بقية المجتمع الدولي”، حسب جبر.
واعتبر أن روسيا تحاول التوصل إلى تفاهمات مع الجانب الأمريكي على القضايا التي يمكن التوصل إليها مبدئياً، وترك المسائل الأكثر خلافية إلى مراحل مقبلة.