بإمكانيات معدومة..سكان المخيمات يتجهزون لفصل الشتاء في إدلب (صور)
إلى جانب خيمتها المهترئة في المخيم الواقع بريف إدلب الشمالي، وقفت أم محمد (44 عاماً) المهجّرة من جنوبي حلب، تخيط شقوقاً كبيرة ومتوسطة، محاولة اخفاء عيوب سكنها وإغلاق ما استطاعت من ثقوبٍ لمواجهة شتاء قاس على الأبواب.
تبدو محاولات أم محمد القاطنة مع عائلتها في مخيم “سيالة” الواقع شمالي إدلب قرب طريق باب الهوى الدولية، خجولة أمام متطلبات ملحّة للشتاء القادم على المنطقة.
وعلى امتداد رقعة حدودية واسعة وأخرى عشوائية بين مدن وبلدات إدلب، يستعد مهجّرون سوريون لاستقبال فصل الشتاء وسط أوضاعٍ تزداد تردياً عاماً بعد آخر، بفعل العمليات العسكرية المستمرة للنظام وحلفائه، ثم تبعات انتشار فيروس “كورونا” منذ نحو سنة ونصف، وهو ما يزيد صعوبة الواقع المعيشي لآلاف الأسر المقيمة في مخيمات تفتقر لأدنى الخدمات والبنى التحتية، في وقتٍ تحاول فيه منظمات إنسانية امتصاص الأزمة الإنسانية من خلال عدة مشاريع، يصفها الأهالي بـ”غير الكافية”.
خيام قديمة ومهترئة
في مخيم “سيالة” العشوائي، تنشغل السيدات لساعاتٍ طويلة في تضميد شقوق الخيام وخياطة الأغطية البلاستيكية (الشوادر) اتقاءً لأيامٍ باردة، لا تفلح فيها الخيمة “العجوز”، على حدّ وصفهم، في رد البرد عنهم، بعد أن تجاوز عمرها الـ 3 سنوات.
محمد الجاسم الصالح (55 عاماً) يقول لـ”السورية.نت” إنّ “المعاناة الأبرز لدى المهجرين تتلخص في غياب مشاريع توزيع خيام جديدة، بعد أن اهترأت الخيام القديمة وملأت الرقع جوانبها، وعلى إثر ذلك يقضون شتاءهم يرحّلون مياه الأمطار ويتتبعون منافذ تسرب المياه إلى داخل الخيمة”.
ويوضح الصالح وهو من سكان المخيم، أنّ “المخيم هنا على اعتباره مصنف عشوائياً، فهو محروم من كثير من المشاريع ومنها العوازل القصديرية، إذ تبرز الحاجة إليها في تخفيف البرودة وتأمين الدفء لقاطني الخيمة والأطفال تحديداً”.
ويلجأ قاطنو المخيم كبديل إلى تعزيز الخيمة بـ”الأغطية والبطانيات”، وتبلغ سعر الواحدة منها نحو 30 ليرة تركية، في وقتٍ تحتاج إليه الخيمة حتى تتغطى كلياً إلى أكثر من 30 بطانية، وهي تكاليف لا يستطيع معظم سكان المخيم تأمينها، ما يدفعهم للبحث عن أغطية مستعملة أو قديمة كبديل.
البلاستيك وروث الحيوانات
تبدو مسألة تأمين مواد التدفئة شاقة لسكان المنطقة عامةً، وأكثر مأساوية لدى النازحين حينما تصل فيهم الحاجة إلى استخدام مواد غير صحية.
حسين الحمد (27 عاماً) مهجّر من بلدته بريف إدلب الجنوبي، ويقيم في ذات الخيم، يوضح لـ”السورية.نت” أنّ اعتماده في التدفئة، مع عدد واسع من العوائل بات على “مواد بلاستيكية (أحذية وملابس، وكرتون، وأواني بلاستيكية) يجمعونها بمشاركة أطفالهم، من الأراضي الزراعية وأحواش الزيتون، ومكبات النفايات القريبة”.
ويشير إلى أنّ “مواد التدفئة هذه من مواد بلاستيكية ونفايات وما إلى ذلك، هي التي يعتمد عليها سكان المخيم هنا، بعد أن صارت مواد التدفئة التقليدية من حطب ومازوت وقشر الفستق مستحيلة التأمين، وأسعارها مرتفعة جداً”.
وتتجاوز أسعار طنّ الحطب والقشور المستخدمة في التدفئة في مناطق شمال غربي سورية من 70 إلى 160 دولاراً أمريكياً وهي تختلف بحسب نوعيتها وجودتها.
ولا تقتصر معاناة التجهيز لتدفئة الشتاء في مخيمات النزوح على استخدام مواد بلاستيكية، إذ اضطرت عوائل مهجّرة إلى تجفيف روث الحيوانات في أقراص واستخدامها في التدفئة شتاءً.
محمد الحمد القاطن (30 عاماً) في المخيم، يوضح أنّه تجهّز للشتاء بعدة أكياس من أقراص روث الحيوانات بعد أن عمد إلى تجفيفها صيفاً على أشعة الشمس.
ويضيف لـ”السورية.نت” أنّ “الأقراص عبارة عن مزيج من القش وروث الحيوانات وتخضع إلى تقريص وتجفيف على أشعة الشمس طيلة أشهر الصيف استعداداً للشتاء”.
مستنقعات طينية
لا تتوقف مطالب المهجرين في المخيمات عند مواد التدفئة والخيام، بل تتجه إلى الطرقات في المخيمات العشوائية، فهي مشاريع “مستنقعات طينية” مع أول هطول للأمطار.
يؤكد محمد جاسم الصالح، أنّ قاطني المخيم خلال الشتاء السابق، وبعد أن تحول طريق المخيم الترابي إلى “مستنقع طيني”، عجزوا عن إسعاف حالة مرضية.
ويضيف: “تجمع عدد من رجال المخيم وحملنا السيدة المريضة وشقينا الأطيان بشق الأنفس حتى وصلنا إلى الطريق العامّة، حيث السيارة”.
ويتطلع مهجرو مخيم “سيالة” إلى دعم طارئ لتعبيد طريق المخيم بالحجاة أو بقايا الاسمنت.
أرقام وإحصاءات
خلال مناشدة إنسانية لـ”فريق منسقو الاستجابة” (وهو فريق إحصاء وتوثيق ناشط شمال غربي سورية) مطلع أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أكدت إحصاءات الفريق أنّ حوالي 452 تجمعاً عشوائياً للنازحين تفتقر إلى أبسط المقومات الأساسية للعيش.
وقال البيان، إنّ أعداد المخيمات ازدادت خلال فترات النزوح الأخيرة إلى 1489 مخيماً، يقطن فيها حوالي مليون ونصف نازح.
وطالب الفريق المنظمات الإنسانية الدولية والمحلية، بضرورة تأمين احتياجات الشتاء للنازحين ضمن المخيمات بشكل عام، وتوفير الخدمات للفئات الأشد ضعفاً.
وخلال سبتمبر/ أيلول الفائت، بلغت نسبة العجز في قطاع المأوى حوالي 62%، حسب أرقام “منسقو الاستجابة”، وهي أرقام تدلل على عجز كبير في مقاومة خيام ومساكن النازحين لفصل الشتاء القادم.
مشاريع إسعافية
على ضوء تدهور الواقع المعيشي لدى المهجّرين وانعدام الإمكانيات، تسعى منظمات محلية لتحضير مشاريع خدمية، تبقى ضمن إطار “الحلول الإسعافية”.
وتقول العديد من هذه المنظمات، إن جهودها تنصب ضمن محاولات تخفيف وطأة الأزمات الدائمة أو الطارئة التي يعانيها سكان المخيمات، مشيرين إلى اتساع الفجوة بين الاحتياجات المطلوبة والإمكانيات المتاحة.
من بين هذه المنظمات “إحسان للإغاثة والتنمية”، وهي إحدى برامج (المنتدى السوري) التي تعمل منذ سنوات على تخديم عشرات المخيمات في إدلب وأرياف حلب.
في هذا السياق، يقول وائل الصالح وهو منسق مشاريع في “إحسان”، إنّ “مشاريع الاستجابة لفصل الشتاء انصبت خلال الأشهر الستة الماضية في عدد من مخيمات إدلب، على فرش الطرقات وتسويتها، إضافةً إلى تركيب صرف صحي و(مصارف مطرية)، وعزل الخيام وترميم مساكن إسمنتية”.
ويوضح في حديثٍ لـ”السورية.نت”، أنّ حوالي 20 مخيماً استفادوا من مشاريع الاستعداد للشتاء حتى الآن، في مختلف مناطق أرياف محافظة إدلب.
مشاريع عزل وترميم
تعتبر مشاريع عزل الخيام، ضرورة ملحّة قبيل دخول فصل الشتاء وبدء موسم تساقط الأمطار.
ويشير الصالح في هذا الصدد، إلى أنّ “مشاريع العزل الأرضي تعمل على بناء دورٍ واحد يحيط بالخيمة من القرميد الإسمنتي وفرش الأرض بـ(البحص) وصب قشرة من الإسمنت تتراوح من 7 إلى 8 سنتيمترات تعرف باسم (إسمنت نظافة)”.
وعن مشاريع العزل يقول إنها “تقدم الحد الأدنى من مقومات الحياة لدى قاطني بعض المخيمات، من خلال تجنيب الخيمة الرطوبة ومياه الأمطار والفيضانات شتاءً، ورفع مستوى الخيمة عن الأرض”.
واستهدفت مشاريع العزل التي نفذتها فرقُ “إحسان للإغاثة والتنمية” خلال الـ 6 أشهر الماضية، حوالي 1500 خيمة، في حين مشاريع الترميم شملت حوالي 540 كتلة إسمنتية.
وتبقى الفجوة بين الاحتياجات الأساسية المطلوبة للسكان والامكانيات المتاحة كبيرة كما يقول مسؤولو الإغاثة، إذ أن أعداد المخيمات في شمال غرب سورية بلغت نحو 1500 في الوقت الحالي، ويقطنها نحو مليون ونصف المليون نسمة، لا يرى الكثيرون منهم أن معاناتهم قد تنتهي قريباً.