العمق الحيوي في إدلب بمرمى قوات الأسد..ماذا تريد روسيا؟
في تطوّر لافت لمنحى التصعيد على منطقة شمالي غربي سورية، قصفت قوات الأسد المتمركزة في منطقة ريف حلب الغربي، السبت الماضي 16 أكتوبر/ تشرين الأول، تجمعاً مكتظاً لمنشآت صناعية ومستودعات ومقار لمنظمات إنسانية ومخيمات للنازحين ومركز شرطة تابع لـ”حكومة الإنقاذ” في محيط مدينة سرمدا الحدودية مع تركيا.
وجاء قصف قوات الأسد بصواريخ “كراسنوبول” الروسية الموجّهة، بالتزامن مع تحليق طيران الاستطلاع الروسي في عمق المحافظة الحيوي، كتهديد صريح لضرب الشريان الاقتصادي والمعيشي للمنطقة، إذ إنّ الاستهداف امتدّ من شمالي مدينة سرمدا إلى مشارف معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، حيث ترتكز الحركة التجارية وشحنات الإغاثة.
واستدعى القصف الذي راح ضحيته 4 أشخاص و22 جريحاً، حسب توثيق “الدفاع المدني السوري”، هلعاً إضافياً لملايين السكان في إدلب ومحيطها، وكذلك استرعى انتباه محليين وباحثين مطلعين على تفاصيل الملف السوري.
كذلك حذرت فرق الإغاثة في الشمال السوري، من كارثة إنسانية جديدة، في ظل تصاعد قصف النظام وروسيا على مناطق أوسع تدريجياً، بعد أن انكفأ لأشهر على مناطق التّماس فقط.
واعتبر بيان لـ”منسقو الاستجابة” أنّ “القصف الذي استهدف(السبت) إحدى أكثر المناطق المكتظة بالمدنيين عموماً والمخيمات بشكل خاص هو مؤشر خطير لعمليات التصعيد”.
أبعاد القصف
تحدّث نوّار شعبان وهو باحث في “مركز عمران للدراسات الاستراتيجية”، عن قصف روسي مستمر على منطقة إدلب رغم اتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع الجانب التركي، تحت ذريعة دائمة هي محاربة “التشكيلات الإرهابية”، معتبراً أنّ “قصف خطوط التماس هو استنزاف الدفاعات الأولية وتفريغ المنطقة من السكّان(..) وضرب خطوط الإمداد، تهيئةً لهجمات برية محتملة”.
أمّا الضرب في العمق وهو ينطبق على قصف محيط سرمدا الأخير، فإنه يخلق حسب الباحث “نوعاً من عدم الطمأنينة في صفوف الحاضنة الشعبية وهو ما يدفع نحو ضغط داخلي على الضامن التركي، قد يجبره إلى العودة للمفاوضات لكن بشروط أقل”.
وكان ملاحظاً حسب ذات المتحدث بعد قمة بوتين ـ أردوغان في سوتشي قبل أيام، زيادة التصعيد الروسي على منطقة شمالي غربي سورية، سواء في إدلب أو مناطق “النفوذ التركي” شمالي حلب، ما يؤكد غياب التوافق على ملفات تتعلق بالشأن السوري.
ويرجّح في ختام حديثه، استمرار قصف قوات الأسد وروسيا، على العمق الحيوي بهدف الضغط على الجانب التركي، متزامناً مع حملة إعلامية تروّج لهجمات عسكرية جديدة على إدلب، في وقتٍ تغيب فيه مؤشرات بدء العمل العسكري على الأرض.
الحرب خيار قائم؟
يستبعد الصحافي سامر إلياس وهو خبير في الشأن الروسي، وجود مواجهة كبيرة بين الجانبين الروسي والتركي في سورية، أو حتى هجوم بري روسي واسع ضد مناطق النفوذ التركي، وصنّفه “احتمالاً ضعيفاً جداً”، معتبراً أنه “لا يمكن لأي عاقل أن يفكر بهذه الطريقة، إذ إنّ روسيا تصرّ على التفاوض السياسي مع تركيا حول ملفات الشأن السوري”.
واعتبر أنّ “الرسائل الدموية” القائمة في مناطق إدلب وشرقي الفرات، هي إحدى وسائل التفاوض بين الجانبين الروسي والتركي، مثلما ينطبق على تعطيل وتفعيل “اللجنة الدستورية”.
وتعوّل روسيا بشكل كبير على الموقف والحضور التركي في الملف السوري، إذ يساهم في ذلك عدة معطيات حسب الياس، أبرزها حدود سورية الواسعة مع تركيا، التي من الممكن أن تشوش على المشروع الروسي في سورية وتغرقها في “مستنقع أفغاني جديد”، وكذلك امتلاك تركيا ورقة “الجيش الوطني” والجماعات الأخرى التي لها علاقة معها وتسيطر على مساحة واسعة في شمال سورية.
ويضيف أن “العلاقات الروسية ـ التركية هي أكبر من سورية، فهناك تشابك مصالح في مجال التبادل التجاري والتسليح والطاقة النووية وتصدير الغاز إلى أوروبا، وفي عدة مناطق منها “القوقاز والقرم وليبيا وشرق المتوسط”.
وأمام الانتظار الروسي لحل سياسي شامل في سورية عبر صفقة مع الولايات المتحدة الأمريكية، والعمل على تعويم النظام وعودته للحضن العربي، اعتبر سامر الياس أنّ روسيا لا تخطط لتغيير حدود السيطرة على الأرض المرسومة منذ اتفاق 5 مارس/ آذار 2020.
ماذا تريد روسيا؟
ربما تكون إدلب خارج السياسة الاستراتيجية الروسية في سورية الهادفة إلى السيطرة الكاملة على الأراضي السورية وإعادتها للنظام، إلا أنّ هناك أهدافاً قريبة تطمح بلوغها في الوقت الحالي، يدعمها في ذلك عدة اتفاقات حول المحافظة أبرزها اتفاق “سوتشي” أيلول/ سبتمبر 2018، والتفاهمات الإضافية التي تمّ وقيعها في اتفاق “مارس/ آذار 2020”.
في هذا السياق، يشير إلياس إلى أن روسيا تحمل عدة مطالب أبرزها السيطرة على الطريق الدولية حلب ـ اللاذقية أو ما يعرف بـ(M4) وإعادة افتتاحه لسببين؛ الأول معنوي والآخر اقتصادي، فضلاً عن مطالباتها المستمرة بضرورة “فصل الإرهابيين” بحسب تصنيف مجلس الأمن الدولي، عن المعارضة “المعتدلة”.
وكانت روسيا علّقت تسيير دورياتها المشتركة مع الجانب التركي على طريق (M4) في أغسطس/آب العام الماضي، بسبب “استفزازت المسلحين” بحسب تصريحات وزارة الخارجية الروسية.
وانطلقت أولى الدوريات المشتركة، وسط رفض شعبي عارم، في 15 آذار/ مارس 2020 وسارت جزئياً على طريق حلب ـ اللاذقية، في حين اكتملت لأول مرة في 22 يوليو/تموز من العام ذاته.