يوم الجمعة الماضي، اغتالت طائرة أميركية مسيرة عبد الحميد المطر، أحد كوادر تنظيم “حراس الدين” الموالي لتنظيم “القاعدة” في الريف الشمالي للرقة. لكن وبعد مضي أكثر من سنة على الصدام بين هيئة تحرير الشام من جهة، وتنظيم “حراس الدين” من جهة ثانية، والغارات الأميركية المتواصلة، يحق لكثيرين أن يسألوا عن أسباب استمرار هذه الجماعة الصغيرة نسبياً. بيد أن الحالة الجهادية في المنطقة بأسرها تراجعت، ولم يعد المال والتجنيد والعتاد متوافراً بالقدر السابق. كما لا توجد عناصر جاذبة في التنظيم، ولا قدرة إعلامية على مخاطبة المناصرين وجذبهم لساحة قتال باتت مغلقة غالباً أمام الخارج. لماذا يستمر اذاً؟
الإجابة متشعبة، ولكن في أساسها أن التنظيم يتحول الى نقطة التقاء لمصالح كثيرة.
اللافت مثلاً أن الغارة الأخيرة لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة وقعت في مناطق سيطرة “الجيش الوطني” الموالي لتركيا، لا “هيئة تحرير الشام” في محافظة إدلب أو جوارها. الأمر لافت ليس لأن مكان الغارة يُمثل إحراجاً لتركيا، بل بالعكس، لأن أنقرة وأزلامها في المنطقة من المستفيدين غالباً من ظاهرة تنظيم “حراس الدين”.
ذاك أن هذا التنظيم تحوّل في الشمال السوري الى ورقة رابحة على طريقة المغفل المفيد للجميع سوى نفسه. هو يمنح “هيئة تحرير الشام” جدوى لدورها كمكافح للإرهاب، ويرفع من أهمية أنقرة في التنسيق مع الولايات المتحدة وحلفائها في الحرب المتواصلة على “الإرهاب”.
للتنظيم أيضاً فائدة بالتأكيد لدى النظام السوري وروسيا، إذ يُستخدم كذريعة لتبرير القصف الاجرامي بصفته موجهاً ضد التنظيمات الإرهابية، وأيضاً لمحاولة اسباغ ادلب بأسرها بهذه الصفة، بدعوى العلاقة بين “حراس الدين”، أحد فروع “القاعدة” و”هيئة تحرير الشام”. النظام يحاول استخدام هذه الذريعة في محاولته الانفتاح على الغرب والتطبيع مع بقية العالم العربي ودول أخرى.
والحال أن التنظيم بإمكانه أيضاً أن يفتح بوابة الفرص للنظام السوري في حال شن “حراس الدين” اعتداء على الغرب، أو ظهرت علاقة لوجستية بينه، من جهة، وبين أي هجوم إرهابي في دولة غربية. وبيان تبني التنظيم تفجير الحافلة العسكرية في دمشق الأسبوع الماضي، وقتل14 شخصاً، مفيد كذلك للنظام لإظهار نفسه كضحية لـ”الارهاب”.
حتى بالنسبة للولايات المتحدة، يبدو “حراس الدين” حقل تجارب مفيد لأسلحة جديدة، أكثر منه تهديداً جدياً للمصالح الأميركية. ذاك أن القوات الأميركية حققت نقلة في استخدامها سلاح الطائرات من دون طيار من خلال اغتيال قادة “حراس الدين” بصواريخ دقيقة بشفرات قادرة على قتل كادر من “الحراس” في كرسي سيارته دون إيذاء من معه داخلها. ذاك أن طائرات “R9X” أو ” Hellfire AGM-114R9X”، قادرة على الاغتيال دون تفجير وبلا شظايا، وقد طالت بنجاح ودقة كوادر للتنظيم في سوريا.
والتجارب على هذه الأسلحة بدأت عام 2017، وتطورت خلال الفترات اللاحقة. سبق أن اغتالت القوات الأميركية بالطريقة ذاتها كوادر في “القاعدة منهم “أبو خديجة الأردني” على طريق الدانا – سرمدا في الريف الشمالي لإدلب في 22 كانون الأول (ديسمبر) عام 2019 الماضي، وعدد آخر من القادة على طريق إدلب سلقين قرب قريتي “عرب سعيد” و”الشيخ يوسف” في الريف الشمالي الغربي لإدلب.
عملياً، تحوّل التنظيم الى سكين سويسري تستخدمه أطراف مختلفة في سوريا. هو ذريعة للنظام وروسيا، وتبرير لدور “هيئة تحرير الشام” في ادلب، وكذلك حقل رماية في مجال الأسلحة الأميركية الجديدة. مثل هذه التنظيمات لا تموت، بل غالباً تُحيا وهي رميم.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت