غريبٌ فعلاً أن يحتفل “حزب الله” بزيارة وزير خارجية الامارات الى دمشق، بإعتبارها خطوة إضافية نحو فك العزلة العربية عن نظام الرئيس بشار الاسد. وهو ما لم تجاهر به طهران نفسها، برغم ما يجمعها مع دولة الامارات من علاقات ثنائية وثيقة جداً، لم تتأثر أبداً بقرار التطبيع الاماراتي مع العدو الاسرائيلي.. وبرغم حرصها المطلق على الاسد.
ثمة ما يدعو الى الاشتباه، بان زيارة الوزير الاماراتي عبد الله بن زايد، التي وضعت في سياق تطوير العلاقة مع نظام الاسد وإعادة سوريا الى بيئتها العربية، كانت في جوهرها جزءاً من حوار ثنائي إماراتي إيراني، وبادرة ودية جديدة من قبل أبو ظبي نحو طهران. أما القول أن بن زايد إنما جاء الى دمشق، لكي يستردها من الايرانيين، فذلك تخريف لا شك فيه، يتنافى مع أي قراءة بسيطة للعلاقة الاستراتيجية بين النظامين السوري والايراني، المستمرة منذ نحو نصف قرن، ولم تفلح شتى الضغوط العربية والدولية في قطعها، أو حتى في فهمها.
لكن، حتى هذه الشبهة لا تستقيم مع المغامرات السياسية الاماراتية، التي أخرجت الامارات نفسها من البيئة العربية، ووضعتها في مكان لا تحسد عليه، حتى من وجهة نظر رواد التطبيع العرب مع العدو الاسرائيلي، كما من وجهة نظر الجمهور العربي الذي يملك أدلة على تورط الامارات في جميع الثورات المضادة التي أجهضت الربيع العربي طوال السنوات العشر الماضية. اللقاء مع الاسد، ذروة لهذا المسار الاماراتي المريب، وربما كان في سياق البحث عن مخارجٍ من عزلتين. والافق العربي مفتوح لإعادة الاسد الى الجامعة العربية، ودخوله قاعة القمة المقبلة في الجزائر برفقة وفد أماراتي؟
ومثلما لا تثير زيارة دمشق الاماراتية سوى الارتياح في طهران، والاحتفاء في بيروت، فإنها أيضاً لا تستدعي من الاسرائيليين سوى الاطمئنان الى أن ابو ظبي تفتح آفاقاً جديدة، في العلاقات العربية، بعدما فشلت المساعي الاماراتية والاسرائيلية، حتى الآن على الاقل، في إختراق المجال السياسي الفلسطيني وإنتاج قيادات بديلة للسلطة وحماس على حد سواء.
وفي السياق نفسه، تقدم الزيارة الاماراتية دليلاً على أن الادارة الاميركية الحالية، ليست رافضة أو حتى غاضبة من العودة العربية الى دمشق. هي قلقة، ولا تشجع، ولا تعلن دعمها لأي خطوة في هذا الاتجاه، لكنها لا تعلن معارضتها لأي تقارب عربي مع “الدكتاتور الوحشي”، حسب وصفها الرسمي الاخير للرئيس الاسد. وما زال سارياً الموقف الاميركي الصريح الذي أبلغ الى الملك الاردني عبد الله الثاني قبل اشهر: “من يريد الذهاب الى دمشق، فليذهب على مسؤوليته..”، من أن يؤدي ذلك الى المساس بموقف المفاوض الاميركي مع إيران، أو مع روسيا. وهكذا كان.
الزيارة الاماراتية الى دمشق، هي خبط عشواء جديد. كان يمكن أن تسهم في فك عزلتي البلدين، لولا الموقف المصري المميز الذي عبر عنه وزير الخارجية سامح شكري، في ندوة “مركز ويلسون” الاميركي، قبل يومين، والذي يستعيد رصانة سابقة في السياسة الخارجية المصرية قبل العام 2014، عندما حدد لعودة سوريا الى الصف العربي متطلبات أبرزها رغبة نظامها بالالتزام بالامن القومي العربي (الابتعاد عن إيران) ومعالجة الديناميات الداخلية للازمة السورية، السياسية منها والانسانية(مشكلة اللاجئين) وإظهار المزيد من الاعتدال في كيفية إستعادة الثقة العربية..
ربما لن يكون هذا الموقف المصري كابحاً للمزيد من الزيارات العربية الى دمشق، ولاحقا الزيارات الرئاسية السورية المتوقعة الى كل من الامارات والجزائر..لكنها على الاقل تخفف من بريق الاحتفالات الجارية في طهران وفي بيروت، ومعهما الجزائر التي سبقت العرب جميعا في “مباركة” الخطوة الاماراتية، من أن تتزحزح عن موقفها المشدد من العدو الاسرائيلي ومن حقوق الشعب الفلسطيني التي لا تقبل التصرف.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت