مبادرات خجولة لحل”أزمة التطوع” بإدلب: كارثة حقيقية لمستقبل التعليم
تبذل فعاليات مدنية وشعبية، جهوداً مكثفة لمساندة ملف التعليم في محافظة إدلب، بعد أن دخلت أزمة “التطوع” عامها الثالث، الحدث الذي كان وبالاً على قطاع التعليم عامةً والمدرّسين والطلاب خاصةً، في ظل ظرف إنساني متدهور تعيشه المحافظة.
وبلغت أعداد المدارس المتطوعة في محافظة إدلب 405، تضمّ 130 ألفاً و44 طالباً وطالبة، بكادر تطوعي يصل إلى 5 آلاف و707 مدرّسين ومدرّسات، بحسب إحصائية “مديرية تربية إدلب”، وتتركز معظمها في المرحلتين الإعدادية والثانوية.
مدارس تطوعية
في بلدة حزانو شمالي إدلب، تدخل مدرسة القادسية أكبر مدارس البلدة عامها التطوعي الثالث، و تضمّ حوالي 1100 طالب وطالبة للحلقتين الأولى والثانية، بواقع 38 صفاً دراسياً، حالها حال العشرات من المدارس المتطوعة في محافظة إدلب.
يوضح في هذا السياق، عمر خطيب مدير المدرسة لـ”السورية.نت”، أنّ “تأمين الكادر التطوعي هو الصعوبة الأكبر التي تواجه المدرسة، بسبب عزوف عدد من المدرسين الاختصاصيين على التعليم بصورة تطوعية، والتي تؤثر على جودة التعليم وعدد الساعات الدراسية التي تراجعت بشكل ملحوظ”.
ويقول إن “المدرسة تضم 37 متطوعاً من الكادر التعليمي، لا يتقاضون أجورهم منذ عام الدراسي 2019 ـ 2020 حتى تاريخ اليوم، وهو التحدي الأكبر الذي يواجه المدرسة، في ظل حاجتها لعدد من المدرسين المختصين “لغة عربية وإنكليزية وعلوم ورياضيات” وغيرها من المواد.
ويلفت إلى أنّ مسألة انتشار الفقر بين الأهالي، تجعل الطلاب مفتقرين إلى القرطاسية من دفاتر وأقلام وتجهيزات الطالب.
مصاعب أمام المعلّم
علي الهشوم، مدرّسٌ متطوعٌ منذ سنتين في مدرسة القادسية، يقول إنه يعمل”بصورة تطوعية ودون أجر مادي”، مبيناً أنّ “استمرار الحال على هذا الشكل، سيكون كارثة حقيقية على المدرسة”.
ويلفت خلال حديثه لـ”السورية.نت”، إلى اضطراره “لتدريس الطلاب في الصف الأول مادة اللغة الإنكليزية بسبب نقص الكوادر في المدرسة”.
وعلاوةً على نقص الوسائل التعليمية والقرطاسية، يشتكي ذات المتحدث، قلة الحصص الدراسية، بسبب الضغط على المدرسة لوجود فَوجين من الطلاب، صباحي ومسائي.
مبادرة شعبية
وتتحرك فعاليات عديدة في القرى والبلدات المتأثرة، لإيجاد بديل دعمٍ للمدارس المتطوعة، انطلاقاً من حاجة “أبنائهم” للتعليم.
ويشير عبد الباسط حبلص، وهو أحد القيّمين على الحملة التطوعية لمساندة المدارس في بلدة حزانو، خلال حديثه لـ”السورية.نت”، إلى إنّ مجموعة من القائمين على الشأن التعليمي والوجهاء، أطلقوا مبادرة لجمع تبرعات من أهالي وتجّار و”أهل الخير” في البلدة بالتنسيق مع الجهات الرسمية، لدعم المدرستين المتطوعتين في البلدة، مادياً ومعنوياً.
ويقول حبلص، إنّ أي “مبلغ تجمعه المبادرة، هناك منظمة إنسانية تعهّدت بالتبرّع بمبلغ بذات القيمة للمبادرة، كدعم للمبادرات الشعبية”.
ويشير إلى أنّ “المبادرة جاءت ضرورية في ظل غياب أو قلة دعم المنظمات المهتمة في الشأن التعليمي”، إلا أنها ما زالت تتسم بـ”الخجولة” على حدّ تعبيره، بسبب قلة الإقبال عليها، إذ إنّ “أرقام التبرعات قليلة جداً ولا تلبي احتياجات المدرسين إلا بمنح بسيطة”.
وشهدت مناطق أخرى، منها “حربنوش وسرمدا ومعرة مصرين” مبادرات شعبية مماثلة، في محاولةٍ لدعم المدارس المتطوعة هناك.
“ادعموا تعليم إدلب”
وتفاعل ناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي، مع حملة “ادعموا تعليم إدلب”، خلال الأيام القليلة الماضية، بهدف لفت انتباه العالم والمنظمات المهتمة، إلى ضرورة مساندة الملف التعليمي في المحافظة، في ظل أزمة التطوع “الخانقة”.
وقال أحمد رحّال أحد منظمي الحملة لـ”السورية.نت”، إنّ “تفاقم ظاهرة التسرب المدرسي في إدلب بسبب غياب المنح عن المدارس، دعتنا في يوم الطفل العالمي، إلى إطلاق الحملة، لتسليط الضوء على الواقع التعليمي المزري”.
وأشار إلى أنّ “أكثر ما يواجه التعليم هو التسرب، وأكثر من 40 في المئة من طلاب المحافظة في عداد المتسربين جزئياً أو كلياً”.
ودعا في ختام حديثه، إلى “ضرورة الاستمرار النشر بهاشتاغ “ادعموا تعليم إدلب” باللغة العربية والإنكليزية حتى تتسع أصداءها وتلقى آذاناً صاغية”.
“أزمة طال أمدها”
محمد ناجي، نائب مدير التربية والتعليم في إدلب قال لـ”السورية.نت”، إنّ “المدارس المتطوعة تجاوزت نسبة الثلث في محافظة إدلب، الأمر الذي انعكس سلباً على العملية التعليمية من حيث جودة وكمّية التعليم في المدارس، إذ إنّ بعض الطلاب لا يتلقون سوى درساً أو درسين في اليوم”.
وأشار إلى أنّ “أزمة التطوع طال أمدها على المدارس والمدرّسين المتطوعين، الأمر الذي يساهم في تفاقم الأزمة التعليمية وزيادة عدد المتسرّبين”.
ويكشف أنّ “الحال التعليمي للمرحلتين الثانوية والحلقة الثانية صعب جداً منذ سنتين بسبب كثرة عدد المتطوعين، بعد توقّف الدعم عنها من قبل مشروع (مناهل) التعليمي”، مبيناً أنّ كثيراً من المدرّسين، وبحثاً عن فرصة عمل أخرى لتأمين معيشة عوائلهم، اضطروا إلى ترك السلك التعليمي”.
وأضاف: “كان لا بد من تضافر مختلف الجهود الإعلامية والشعبية لإيصال الصوت ومخاطبة المنظمات التعليمية الدولية، لأن دعم التعليم واجب أخلاقي وإنساني واجتماعي لاستمرار العملية على الوجه الأمثل”.
ويلفت إلى “أنّ المبادرات الشعبية التي نظمها الأعيان والوجهاء، على الرغم من كونها (بسيطة) إلا أنها تساهم في الاستمرار قدر الإمكان في العملية التعليمية”.
“تعليم مبطّن”
حول أزمة التطوع وآثارها على المجتمع، يقول محمد قنّاص وهو مدير مكتب منظمة “إحسان للإغاثة والتنمية” في إدلب (أحد برامج المنتدى السوري)، إنّ توصيف العملية التعليمية القائمة في الوقت الحالي، يمكن اعتبارها “تعليماً مبطّناً” في ظل غياب الاهتمام من المدرّسين وأهالي الطلاب على حدّ سواء، بسبب غياب المنح عن المدارس.
ويعتبر قنّاص، وهو مدير منظمة تشرف على عدد من المشاريع التعليمية في منطقة إدلب، أن المنطقة أمام كارثة حقيقية، لأنّ “الجهل هو أعدى أعداء المجتمعات”.
ويؤكد في حديثه لـ”السورية.نت”، على ضرورة تحمّل منظمات المجتمع المحلي والمدني مسؤوليتها في تأمين الدعم اللازم للمدارس بتكثيف التواصل مع المانحين الدوليين، تزامناً مع مبادرات شعبية وفردية من التجّار وأصحاب الأموال لدعم المدارس.