من سيشارك بشار الأسد؟

تَصدُر عن مسؤولي النظام في سورية، خصوصاً العاملين في الخارجية، دعوات إلى عودةِ مَن خرج من سورية إليها. ومن خرجوا كتلة سكانية كبيرة، ربما تتجاوز الثمانية ملايين نسمة، فقد أخليت قرى وأحياء بأسرها، توجّه سكانها إلى دول الجوار الجغرافي، ووجد عدد لا بأس به منهم طريقه إلى أوروبا… يريد النظام أن يظهر وجها تصالحياً بدعواتٍ إعلاميةٍ إلى العودة، بذلك ما زال يمثل دور الدولة التي تحرص على مصالح رعاياها. وتُبطن هذه الدعوات احتيالاً سياسياً، لتحقيق بعض شروط رفع عقوبات قانون قيصر، فأحد البنود ينصّ على أنّ التزام النظام بتهيئة أجواء آمنة وكريمة وطوعية يساعد في إلغاء القانون أو التخفيف منه، ويعطي إشارة إلى صاحب القرار الأميركي باستجابة النظام. وقد بدأت هذه الدعوات تصدر وتتكرّر، منذ أعاد النظام السيطرة على المساحات والمدن السورية…
على الرغم من وجودها الميداني الواسع، لم تعد السلطة مركّزة في يد جهة واحدة، كما كان الأمر سائدا قبل اندلاع الثورة، فقد أدخلت الحرب وحيثياتها تعديلاتٍ أساسيةً على معادلة الحكم، أملتها قوى خارجية مؤثّرة، كان دخولها حاسماً فيما آلت إليه الأوضاع، إذ أنبتت تجمعاتٍ مسلحة لا يسيطر عليها النظام، وفرّخت شخصياتٍ متنافسة بشكل علني أو مستتر، فلم يعد رأس النظام وحيداً. وعلى الرغم من أنّ الشكل الخارجي للنظام يظهر تماسكا والتفافاً حول شخصية واحدة، لكنّ الواقع يفيد بوجود استقطابات قادتها بشكل رئيسي كلّ من إيران وروسيا، حين وظفتا طاقاتٍ لبناء قوى داخلية موالية، تثبّتان بها أركان وجودهما الدائم في سورية، بمعزل عن رأي النظام. وقد لعبت الدولتان دوراً تنافسياً في السيطرة على “مراكز القوى” قبل أن يحصل ما يشبه الاتفاق الضمني على توزيعها، فتركّز النشاط الروسي على الشريط الساحلي ومنطقة الجنوب، فيما تركّز الوجود الإيراني على الحدود مع العراق وفي العمق السوري، مع وجود اختراقاتٍ صغيرة هنا وهناك. وأصبح النظام، وفق هذا التقسيم، مجرّد مجموعة متفرقة، متفقة على شيء واحد، الاستمرار في الحكم، ومتنافسة على ما تبقى، خصوصاً إتاوات فاتورة الإعمار الموعودة، والمرتبطة إلى حد كبير بعودة بعض اللاجئين.
تحقيق الاستقرار المطلوب لمناخ ملائم لإعادة الإعمار يتطلب خطة ذات مدى بعيد لإقرار ديمقراطية ما، وإن ببطء، لكن بخطواتٍ فعلية، وهذا ما يعارضه النظام بكل مكوناته ومرجعياته، فتحرّكاتٌ من هذا النوع ستُسقطه فيما لو جرّب تنفيذها فعليا، وهو يدرك ذلك، فيلجأ إلى المراوغة وكسب الوقت، ويظهر ذلك عند كل استحقاق سياسي مفترض، مثل سلوكه تجاه ما تعرف باللجنة الدستورية التي تراوح في منطقة ما قبل الإقلاع منذ أكثر من سنتين. ومؤكّد أنها ستظل كذلك، والنظام يدرك أيضا أن ما يمكن أن يصدر عن لجنةٍ ذات شكل ديمقراطي، مهما كان هزيلا، لا يصبّ في مصلحته، وهو يريد التمسّك بالسلطة، والتعامل مع التحدّيات الاقتصادية، من خلال محاولات النداء المتكرّر لعودة الهاربين، في استجداء لمساعدات، تمكّنه من البدء بمشاريع يسميها إعادة إعمار، وتمدّه بمزيد من المصادر اللازمة لاستمراره.
إعادة الإعمار هدف “حقيقي” للنظام، ولكن بالطريقة التي يفهمها ويريد تطبيقها، بتوجيه انتقائي لمناطق التنمية المطلوبة، وهي المناطق التي دعمت النظام، وقدّمت له خزّانها البشري للاستمرار في حربه، بالإضافة إلى مناطق نفوذ شاسعة في العاصمة، كان قد جرى تأهيلها سابقاً لتصبح تربةً صالحة لمؤيديه، وتتحوّل عملية إعادة الإعمار إلى مكافأةٍ لمن دعم النظام، حتى يستمر في دعمه. ويمكن أن تذهب حصة إلى مناطق أخرى كانت تحت سيطرة المعارضة، أو بعض المناطق التي انتفضت بشدّة في وجه النظام، من دون أن يقبل بإعادة سكانها الأصليين، على الرغم من عقده مواثيق الصلح مع مجموعات وشخصيات محلية فيها، والنظام، بشخص رئيسه بشار الأسد، يبحث الآن عن شريكٍ ثري يشاركه في ذلك كله.

المصدر العربي الجديد


المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت

قد يعجبك أيضا