تحذير مبعوث الولايات المتحدة السابق إلى سوريا جويل ريبورن للدول العربية المتهافتة على التطبيع مع الأسد، لن يختلف وقعه على الأرض عن وقع الإعتراض الأميركي والأوروبي على زيارة وزير الخارجية الإماراتي إلى دمشق. وتخويف هذه الدول بالعقوبات المترتبة على”قانون قيصر”، لم يكن له أي أثر على سلوك الإمارات حيال الأسد منذ إعادة إفتتاح سفارتها في دمشق قبل أربعة أعوام، وصولاً إلى الزيارة الأخيرة لوزير خارجيتها إلى دمشق.”مناعة” الإمارات هذه ضد العقوبات الأميركية، برأي البعض، إكتسبتها من التطبيع مع إسرائيل ونفوذ اللوبي الإسرائيلي في واشنطن. كما أن علاقات إسرائيل الجيدة مع روسيا بوتين الملحة على إعادة الأسد إلى الجامعة العربية، كما اشار بوتين منذ أيام، لا شك بانها لعبت دورها في تخفيض إصرار إسرائيل على شرط إبعاد الأسد عن إيران للتطبيع معه، ما جعل بعض الدول الخليجية المتهافتة على التطبيع مع دمشق وتل أبيب تتغاضى عن هذا الشرط، كما يقال. لكن مساري التطبيع مع إسرائيل والأسد ليسا متلازمين بالضرورة وبشترطان بعضهما، إلا أن ثمة “علاقة ما” متعلقة بإيران تربط بين المسارين.
الصورة التي جمعت مسؤولي المخابرات في كل من سوريا والسعودية، وعلى الرغم مما دار حول صحتها لاحقاً، جعلت مواقع إعلام روسية تعود مجدداً للتركيز على مسار التطبيع بين السعودية والأسد، بعد موجة التعليقات التي رافقت زيارة مسؤول المخابرات السعودي إلى دمشق الربيع المنصرم، ودفعت مواقع إلى توقع إعادة إفتتاح قريبة للسفارة السعودية في دمشق.
صحيفة NG الروسية نشرت في 15 من الجاري نصاً بعنوان “رقعة الشطرنج السورية للاعبين العرب”، وأرفقته بآخر ثانوي ” دمشق والرياض رُصدتا في محادثات سرية”. قالت الصحيفة بأن عملية إعادة العلاقات مع دمشق اصبحت توجهاً عاماً لدول الخليج الرئيسية، وهي تعكس قلقها من مسار المنطقة بعد أن يتم التوصل إلى “تسوية محتملة” بين الولايات المتحدة وإيران. لكن المشكلة التي تبرز هنا هي ما إن كان بوسع الأسد تحمل إشتراطات عودته إلى الأسرة العربية، ويحول دون تحول سوريا إلى “حقل للمنافسة”.
بعد أن تذكّر الصحيفة بطرد دمشق من جامعة الدول العربية ل”قمعها العنيف” للمعارضة ووقوعها في “عزلة شديدة”، تقول بأن النقطة الفاصلة هذه السنة كانت دعوة وزير السياحة السوري إلى الرياض لحضور لقاء منظمة السياحة العالمية. ولفتت إلى إستقبال الوزير السوري والوفد المرافق له في صالة الشرف في مطار العاصمة السعودية، وهو ما توقفت عنده قناة “الجزيرة” وجعلها تقول بأن العائلة المالكة السعودية تعيد النظر في مسألة شرعية الأسد، وبأن الأمير محمد بن سعود معني شخصياً ب”ذوبان الجليد” مع سوريا.
تستطرد الصحيفة في الحديث عن رحلة الإمارات في التطبيع مع الأسد، وتتحدث عن “النتائج الإيجابية” التي تتوقعها مستشارة الأسد بثينة شعبان من التطبيع مع السعودية. وتنقل عن بروفسور في كلية السياسة الدولية في جامعة موسكو بأن عملية التطبيع السعودية السورية سوريا هي الأقل أهمية، بل المهم هي علاقة الولايات المتحدة بالسعودية. كما من المهم أيضاً كيف ستطور الولايات المتحدة علاقتها بإيران، وإلى اي مدى سيتم حل مسألة علاقة الولايات المتحدة بالبرنامج النووي الإيراني. وحل هاتين المسألتين سوف يؤدي إلى تحولات أكثر جدية في موقف السعودية من إيران.
وكما هو معروف، الرياض نفسها منخرطة في مفاوضات مباشرة مع إيران. ويشير البروفسور إلى تصريح لوزير الخارجية السعودي قال فيه بأنه، على الرغم من أن المفاوضات مع الجمهورية الإسلامية تجري في جو ودي، إلا أن نتائجها لا تزال منخفضة. ويرى البرفسور أن التسوية مع إيران ينبغي أن تؤدي أوتوماتيكياً إلى إلغاء الفيتو عن عودة سوريا إلى الجامعة العربية وعن إستعادة العلاقات السعودية السورية. لا سيما وأن بعض دول الخليج التي كانت على عداء نشط ضد النظام السوري، وخاصة الإمارات، عادت لتتخذ خطوات جدية في إستعادة العلاقات مع دمشق، ولا يسع السعودية إلا أن تأخذ ذلك بالإعتبار.
لا يستبعد البروفسور، مع عودة دمشق إلى الأسرة العربية، أن تنعكس بعض التناقضات بين بلدان الخليخ على الواقع السوري. فالإمارات قطعت شوطاً فعلياً على هذا المسار وقامت بالكثير لتطوير العلاقات مع سوريا، بينما السعودية تتخلف عنها. والسؤال أيضاً على من سيقع إختيار كل من هاتين الدولتين للتعاون معه في سوريا. ففي حين تعمل الإمارات على تطوير علاقاتها مع الأسد بصورة أساسية، سوف يتوزع إختيار السعودية بين الأسد والمعارضة. وإذا كان الحديث قد توقف منذ زمن عن ما كان يسمى بمنصة الرياض في المعارضة السورية، فهو ولا شك سيعود إلى الواجهة من جديد.
تواصلت “المدن” مع كاتب النص إيغور سوبوتين المتابع لشؤون الشرق الأوسط في الصحيفة، وسألته ما إذا كان من ترابط وتفاعل بين عمليتي التطبيع الخليجي مع إسرائيل والأسد، وكيف يرى إلى مسار التطبيع السعودي مع الأسد وتوقع سفارة سعودية قريباً في دمشق. قال سوبوتين بأنه يعتقد أن توسيع دائرة المشاركين في “إتفاقيات إبراهيم”وتطبيع علاقات دول العالم العربي مع دمشق تعكس تحولات معينة في تكوين السلطة الإقليمية، لكنه يرى أن من الصعب القول بترابطهما أو تفاعلهما. فلكل من الإتجاهين منطقه الداخلي ودوافعه الذاتية. الأمر الوحيد الذي ربما يجمع بينهما هو التخلي عن السياسات الموجهة نحو القيم باتجاه براغماتية السياسة الخارجية.
ويقول بأن القيمين على القرار في السعودية لا يسعهم إلا التفكير في ما يتبغي عمله بوضع دمشق على خلفية النشاط المفرط لجارتهم الإمارات العربية المتحدة. ورأى أنه يجب ألا ننسى أن البلدين لا يتبعان دائماً المسار عينه، فليس من النادر أن تختلف سياستهما عن بعضهما البعض على الساحات المختلفة، بل وتدخلان في تناقض بينهما. ثمة وجهة نظر تقول بأن جميع المبادرات البراغماتية تصدر في الرياض عن الجيل الشاب الذي ينتمي إليه ولي العهد الآمير محمد بن سلمان، في حين أن قدماء المشهد السياسي ينتهجون سياسة أكثر محافظة، وهذا ينسحب على العلاقات مع النظام السوري وعلى العلاقات مع إسرائيل. ويقول سوبوتين بأنه لا يصدق كثيراً في إمكانية ظهور سفارة سعودية قريباً في دمشق.
المستشرق والخبير في المجلس الروسي للعلاقات الدولية كيريل سيميونوف، وعلى العكس من سوبوتين، يرى أن ثمة علاقة بين مساري التطبيع الخليجي مع الأسد وإسرائيل. ويقول في إجاباته المقتضبة كعادته على الأسئلة نفسها التي تم طرحها على سوبوتين بأن ثمة “علاقة ما” بين المسارين، طالما أن العلاقات مع إسرائيل تتضمن مكوناً معادياً لإيران، وكذلك العلاقات مع الأسد ترمي إلى محاولة تخفيض تأثير طهران على دمشق.
ويرى سيميونوف أن السعودية لا تسير على طريق تطبيع العلاقات مع دمشق، بل تستمر فقط في العلاقات بين الإدارات، وذلك في إشارة إلى زيارة مسؤول المخابرات السعودي إلى دمشق ومن ثمة لقاء المسؤولين في مؤتمر أجهزة المخابرات العربية في القاهرة، وكذلك زيارة وزير السياحة السوري إلى المملكة في إطار لقاء منظمة السياحة العالمية. ويرى أن الرياض على الأغلب لن تنتهج نهج الإمارات ولن تستعيد علاقاتها مع الأسد طالما لم يتخل عن دور حليفه الإيراني.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت