اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أواخر نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، إجراءً يتيح للمنظمات غير الحكومية التعامل مع نظام الأسد، مبررة الخطوة كـ”بادرة إنسانية”.
وجاء الإجراء على الرغم من العقوبات المفروضة على الأسد، أبرزها المدرجة ضمن قانون “قيصر”.
وقالت وزارة الخزانة الأمريكية في بيان إنها عدلت القواعد الحالية الخاصة بالعقوبات السورية، لتوسيع نطاق التصاريح للمنظمات غير الحكومية للمشاركة في معاملات وأنشطة معينة.
كما عدلت التصريح العام للمنظمات غير الحكومية لتمكينها من المشاركة في معاملات وأنشطة إضافية لدعم الأعمال غير الهادفة للربح في سورية، ومنها الاستثمارات الجديدة وشراء المنتجات البترولية المكررة سورية المنشأ للاستخدام في سورية، وبعض المعاملات مع قطاعات حكومية.
“قد تفيد الأسد”
وبحسب “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات” التي تتخذ من واشنطن مقراً لها، فإن خطوة إدارة بايدن “قد تفيد الأسد على نحو أكبر، دون تحسين ظروف المدنيين بشكل أساسي”.
وتوضح المؤسسة في تقرير حديث لها، أن وزارة الخزانة عدّلت أحد التراخيص العامة التي تنص على استثناءات من لوائحها بشأن عقوبات سورية.
وفي السابق كان هذا الترخيص يسمح للمنظمات غير الحكومية فقط، بتصدير أو إعادة تصدير خدمات معينة إلى سورية.
لكن الآن وعقب التعديلات، سُمح للمنظمات غير الحكومية بالتعامل مع “الحكومة السورية”، بما في ذلك البنك المركزي.
كما سُمح للمنظمات غير الحكومية بالمشاركة في الأنشطة الاقتصادية المحددة على أنها “استثمار جديد”.
ومن خلال السماح باستثمارات جديدة يسهل الترخيص “أنشطة الإنعاش المبكر”، وهي فئة من المساعدات تتجاوز الإغاثة الفورية وتشابه جهود إعادة الإعمار.
وفي يوليو / تموز الماضي، وبعد أن سحبت روسيا تهديدها باستخدام حق النقض (الفيتو) ضد مساعدات الأمم المتحدة عبر الحدود إلى شمال غرب سورية، وافقت إدارة بايدن على تمرير قرار لمجلس الأمن يعرب عن دعمه لأنشطة “التعافي المبكر” في المناطق الواقعة تحت سيطرة الأسد.
وتحافظ الولايات المتحدة مع حلفاؤها من دول الإتحاد الأوروبي، على سياسة معارضة إعادة الإعمار في سورية، إلى أن يتفاوض نظام الأسد جدياً على حل سلمي مازال متعثراً بعد عشر سنوات من العمليات العسكرية والقصف والفوضى.
وحتى شهر يوليو/تموز الماضي، تضمنت السياسة الأمريكية معارضة أنشطة “التعافي المبكر”، نظراً لأن تعريفها غامض، ما مكّن نظام الأسد من المضي قدماً في خطوات يمكن اعتبارها تحت مُسمى “إعادة الإعمار” تحت ستار “التعافي المبكر”.
ويشير تقرير “مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات”، إلى أن “دعم التعافي المبكر قد يؤدي إلى تسهيل جهود النظام السوري لإنشاء مشاريع سكنية دائمة على الأراضي المصادرة من المواطنين النازحين أو المطرودين”.
بالإضافة إلى تعديل الرخصة العامة، أصدرت وزارة الخزانة إرشادات جديدة تقدم أمثلة على أنشطة “الإنعاش المبكر”، مثل إعادة تأهيل المباني المدرسية أو أنظمة الري.
وتقول المؤسسة الأمريكية: “لا يمكن الاعتراض على هذه الأمور، إلا أن الإرشادات لا تبذل أي جهد لتوضيح حدود ما يشكل التعافي المبكر. لذلك تظل المخاطر غير منقوصة”.
وخلال السنوات الماضية أظهر نظام الأسد قدرته على التلاعب بمقدمي المساعدات، بما في ذلك الأمم المتحدة، من خلال الترهيب والتسلل والمراقبة.
وللعمل في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام ليس أمام منظمات الإغاثة خيار سوى قبول التدخل المستمر في أنشطتها.
ويتابع تقرير المؤسسة: “قبل السماح للمنظمات غير الحكومية بقدر أكبر من الحرية للقيام بأعمال تجارية مباشرة مع النظام كان ينبغي على إدارة بايدن أن تضع حواجز حماية، مثل متطلبات المراقبة المستقلة”.
ويضيف: “إذا كانت الإدارة تريد أكبر قدر ممكن من المساعدة للوصول إلى المستفيدين المقصودين فيجب أن تكون أولويتها القصوى إصلاح عملية إيصال مساعدات الأمم المتحدة”.
“يقوّض قانون قيصر”
ووجد تحليل أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أن تشويه نظام الأسد لأسعار الصرف “سمح له بتحويل 51 سنتاً لكل دولار، وذلك من خلال المساعدات الدولية في عام 2020”.
كما أتاح ذلك إلى توجيه 60 مليون دولار إلى البنك المركزي بدلاً من المدنيين.
وجاء في تقرير المؤسسة الأمريكية أنه وفي ظل غياب الإصلاح فإن “إعطاء الضوء الأخضر لأنشطة الإنعاش المبكر ومعاملات المنظمات غير الحكومية مع النظام يقوض أيضاً قانون قيصر لحماية المدنيين في سورية لعام 2019”.
واعتبرت في تقريرها أنه “يجب على إدارة بايدن فرض عقوبات على مسؤولي الحكومة السورية وشركائهم المتورطين في مصادرة الممتلكات أو الأصول الأخرى للنازحين السوريين”، مضيفةً: “بدون سلام فإن إعادة الإعمار تدعم فقط نظام الأسد”.