يستحق الموقف السعودي الذي أطلقه سفير المملكة العربية السعودية في الأمم المتحدة عبد الله المعلمي الوقوف ملياً أمامه بوصفه خطّاً بيانياً واضحاً للسياسة السعودية في المنطقة. لطالما كانت السعودية تنتهج الدبلوماسية الصامتة في فرض وقائعها وشروطها السياسية في أي ملف تكون مهتمة به. ومعروف عن الدبلوماسية السعودية أنها تسير على خُطا ثابتة في توجهاتها الاستراتيجية، وهي أسس كان قد أرساها وزير الخارجية الراحل سعود الفيصل. موقف المعلّمي بخصوص بشار الأسد ينطوي على فكرة سياسية واضحة نابعة من موقف إنساني ذي بعد سياسي، ولا بد للشقّين أن يتكاملا فيما بينهما.
يأتي الموقف ليزيل كل التباس قد اعترى الموقف السعودي من الوضع في سوريا ثورة ونظاماً. فالنظام السوري بالنسبة إلى السعودية هو نظام مارق لا مجال لإعادة الوصل السياسي معه. وهنا لا بد من الإشارة إلى أنه لا مجال لتحقيق أي تقدم في سوريا سواء العملية السياسية أو عملية إعادة الإعمار وتنشيط الاقتصاد من دون موقف سعودي واضح داعم لذلك. لا المجتمع الدولي ولا الأوروبيون ولا الصين ولا روسيا قادرة على ضخ كمّ كبير من الأموال أو الاستثمارات القادرة على إعادة استنهاض مقومات الاقتصاد السوري، هذا من الناحية المبدئية والاقتصادية، قبل الحديث عن الجانب السياسي والقانوني المتعثر بفعل الموقف الأميركي المتمسك بقانون قيصر ومدرجاته.
أعادت السعودية الاعتبار لموقف سياسي عربي مفتقد. بعد غياب سمح للكثيرين ببناء تحليلات إما ناتجة عن مخيلات واسعة أو عن تمنيات لا علاقة لها بالوقائع السياسية، وقبل الوصول إلى موازين القوى الإقليمية والدولية حول الوضع في سوريا، لا يمكن لأحد أن يتوهم بقدرة الأسد على البقاء، في حين العدد الأكبر من الشعب السوري مهجّر خارج أراضيه ومنازله، ولا العدد الذي يليه هو للمعتقلين والمخفيين قسراً، بالإضافة إلى مئات آلاف الضحايا. مثل هذا النموذج الذي يقدمه الأسد لا يمكن له أن يبقى إلا في حالة الانهيار المديد والمستمر، وبالتالي لا كلام جدّياً عن حلّ سياسي في سوريا يتيح للأسد البقاء في السلطة على تلة تتشكل من أجساد وجماجم الأبرياء وفق تعبير السفير السعودي في الأمم المتحدة.
لا ينفصل الموقف السعودي عن موقف أميركا الواضح برفض التطبيع مع النظام السوري، لأن أي عملية تعويم متجددة له ستكون عبارة عن مناقضة كل قيّم الحرّية التي تتحدث عنها الدول الغربية. وكل المعلومات من واشنطن تؤكد أن الأميركيين قد أبلغوا كل زوارهم بأنه لا يمكن التعاطي مع بشار الأسد بأي جزء من المشروعية. وهذا موقف له ما يشبهه لدى فرنسا، وأعادت السعودية تتويجه بموقف سفيرها وبالموقف الصادر عن القمّة الخليجية التي عقدت في الرياض وأشارت إلى أن أيّ حلٍّ في سوريا لا بد أن يكون منطوياً على مقررات مجلس الأمن الدولي وتحديداً القرار 2254 والذهاب إلى مرحلة انتقالية وفق مُدرجات مؤتمر جنيف 2012.
لا يمكن فصل الموقف السعودي عن سياق قرار واضح بالهجوم على كل حلفاء إيران وأذرعها، وهو موقف يشير إلى المكاسرة وفق سياسة سعودية واضحة المعالم وهي جديدة في الشقّ المشهود من المواقف السياسية السعودية. هو موقف له ما يشبهه في لبنان بمرحلة سابقة، عند سعي النظام السوري إلى عقد ما يعرف بالتحالف الثلاثي في الثمانينيات، وكان هذا التحالف الذي يرعاه حافظ الأسد كرئيس علوي لسوريا مع ثلاثة أطراف لبنانية من الأقليات، وهم الدروز والموارنة والشيعة، في حين استبعد السنّة من هذا الاتفاق ومُدرجاته، لذلك عملت السعودية بصمت ضده وأسقطته ومهّدت للدخول إلى مرحلة البحث عن اتفاق الطائف الذي أعاد الاعتبار للمعادلة السنية في لبنان. هذا نفسه سيتكرر بالنسبة إلى السعودية في سوريا.
وكذلك تاريخياً، ثمة مرحلة مشهودة يمكن للسوريين الاستفادة منها، وهي تجربة الثورة السورية الكبرى والتي قام بها الدروز والمسيحيون والعلويون والأكراد إلى جانب السنة في رفض تقسيم سوريا دويلات طائفية أو مذهبية أو عرقية وطالبوا بسوريا موحدة. وهذا لا بد له أن يتكرر في هذه المرحلة بالتركيز على جهد السوريين أنفسهم والذين عليهم مقاطعة موقفهم السياسي الواضح مع معطيات إقليمية ودولية يمكن الاستفادة منها عبر اللعب على تناقضاتها لتوفير الحدّ الأدنى من المكتسبات التي يسعى السوريون إلى تحقيقها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت