تكثر التحليلات والاقتراحات داخل مراكز الدراسات في واشنطن حول كيفية حكم سوريا بعد انتهاء الصراع المسلح الدائر هناك، وتصب معظم هذه التحليلات على فرضية تقوم على تقسيم سوريا.
البعض يذهب إلى الحد الأقصى في المطالبة بالتقسيم الجغرافي وآخرون يقترحون تقسيما مناطقيا على أساس حكم ذاتي، وربما كان آخر هذه الاقتراحات بأن “تسعى الولايات المتحدة إلى إقامة العديد من المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي في شمالي وشرقي سوريا، وأن عليها عدم القبول بأي حال من الأحوال بمناطق الحكم الذاتي هذه بأن تصبح دولاً مستقلة قد تنفصل رسمياً عن مركز البلاد”، لكن مناطق الحكم الذاتي هذه ربما “تساعد في بناء مرحلة انتقالية تضمن خروج الأسد يوماً ما من السلطة، وعندها يمكن أن ينظر مؤتمر دستوري بين السوريين في خياطة البلاد معا في اتحاد أقوى”.
هذا ما نشره معهد “بروكينغز” في عام 2017 وما زال يبدو صالحاً اليوم حيث تنقسم سوريا إلى ثلاث مناطق حكم فعلي على الأقل تدعمها دول مختلفة حيث مناطق النظام ومناطق المعارضة المدعومة من تركيا إلى مناطق شرقي سوريا التي تسيطر عليها “قوات الحماية الكردية” وتدعمها الولايات المتحدة.
ويضيف المعهد “على النقيض من قضية كردستان العراق، فإن الولايات المتحدة سوف تصر على أن يكون هناك على الأقل اثنتان من مناطق الحكم الذاتي الكردي في سوريا المنفصلة التي لن تتمكن من الانضمام أو الاستقلال بسبب وجود القوات التركية حالياً في سوريا لضمان مثل هذا الفصل”، ولذلك يشير بأنه “على واشنطن أن تؤكد دعمها لهذا الوجود العسكري التركي إلى أجل غير مسمى داخل سوريا، حتى بعد تحرير الأجزاء الشرقية من داعش، وذلك للسماح لأنقرة بمراقبة الأكراد وضمان استمرار انفصالهم إلى كيانين منفصلين.
هذا الوجود التركي في شمالي سوريا يمكن أن يساعد أيضاً في مراقبة حركة الأشخاص والأسلحة عبر الحدود السورية التركية، مما يخفف من مخاوف أنقرة من أن الأكراد في سوريا سيساعدون عسكرياً الانفصاليين الأكراد و/أو الإرهابيين في تركيا”، وينتهي تقرير المعهد إلى أن “القوات التركية ستكون في نهاية المطاف جزءاً من قوة حفظ السلام الدولية التي تتفاهم مع القوات الروسية الموجودة في القطاعات الغربية للبلاد، مما يحسن من احتمالات أن تتطابق موسكو مع هذا النوع من المفهوم”.
وعلى الولايات المتحدة كما يضيف المركز “أن تساعد الأكراد على بناء قوات الشرطة المحلية بعد هزيمة داعش، كما هو متوقع كجزء من تفويض السلطات إلى المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي. ويمكن أن توفر أيضاً منصة للاستخبارات الأميركية لرصد أي تحركات للأسلحة الكردية أو المقاتلين عبر الحدود السورية التركية حتى يمكن السيطرة على هذه الحركات أو تقليصها من قبل الأتراك”.
وهو لذلك في النهاية يقترح تقسيم سوريا مناطقياً ومؤقتاً على الأقل إلى ثلاث مناطق: الشمال السوري تحت سيطرة الكرد ومن خلفها القوات الأميركية وتتقاسم النفوذ مع القوات التركية، والغرب تحت سيطرة القوات الروسية، والجنوب يبقى تحت سيطرة النظام السوري لكن تحت مراقبة وعيون إسرائيلية لحساسية هذه المنطقة لإسرائيل وتضمن روسيا المصالح الإسرائيلية هناك.
في جزء كبير من هذا التحليل هو ما تجري الأمور على الأرض، فالولايات المتحدة تدعم القوات الكردية متمثلة في “قوات سوريا الديمقراطية” وتدعم سيطرتها على مناطق عربية صرفة مثل: دير الزور والرقة، ورغم أن البيان الختامي للتحالف الدولي ضد داعش لم يشر أو يدعم أياً من هذه الأفكار وركّز على ضمان مرحلة انتقالية في سوريا عبر مفاوضات جنيف، كما تحدث عن الحاجة إلى “نهج متكامل ومتعدد الأبعاد وشامل لهزيمة تنظيم داعش وشبكاته العالمية”.
هذه السيناريوهات الخيالية التي طُرحت في الماضي تبدو اليوم وكأنها حقيقية لتقسيم سوريا على الأرض، فبعدما بدّد “الأسد” الشعب، يُبدّد اليوم الأرض عبر تمليكها لروسيا وإيران، أما أميركا وتركيا فإنهما تنتزعان الأراضي بقوة “السلام”.
انتهت السيادة السوريّة إلى الأبد، وأصبح ضرورة علينا اليوم التفكير في سوريا مقسّمة لفترة ليست بالقريبة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت