بعد انقضاء الأشهر الستة الأولى، شق قرار المساعدات العابرة للحدود السورية، طريقه نحو التمديد ستة أشهر إضافية، دون بلبلة روسية ونقاشات في مجلس الأمن يثبطها “الفيتو” الروسي، ما يثير تساؤلات حول أسباب ودلالات صمت موسكو “غير المتوقع” وعدم إخضاعها القرار للتصويت على طاولة مجلس الأمن.
إذ أعلنت الأمم المتحدة، أول أمس الثلاثاء، عن تمديد قرار المساعدات العابرة للحدود إلى سورية تلقائياً وبحكم “الأمر الواقع” مدة ستة أشهر، في ظل قرار تم اتخاذه في يوليو/ تموز الماضي، يقضي بتمديد إيصال المساعدات إلى سورية عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا، عاماً إضافياً على مرحلتين، تبلغ مدة كل واحدة منها ستة أشهر.
“مقايضة” أمريكية- روسية
دخل القرار مرحلته الثانية قبل يومين آلياً، رغم التلميحات الروسية السابقة إلى أنه قد يخضع للتصويت مجدداً في مجلس الأمن، بعد انتهاء الأشهر الستة الأولى، وذلك بناء على تقرير الأمين العام للأمم المتحدة و”شفافية” إيصال المساعدات لكل الأطراف، حسبما تقول روسيا.
وفي تفسير التطورات السابقة، يوضح الكاتب والمحلل السياسي، حسن النيفي، أن نص القرار الصادر في يوليو/ تموز الماضي لم يشر إلى وجوب إعادة التصويت بعد انقضاء الأشهر الستة الأولى، بل أكد بوضوح أن مدة القرار سنة كاملة يجري تمديدها تلقائياً بعد ستة أشهر.
وأضاف النيفي لموقع “السورية نت” أن روسيا ألمحت إلى أنها قد تطلب إعادة التصويت كنوع من الضغط، لكنها لم تفعل لاعتبارات عدة، أبرزها وجود توافق روسي- أمريكي ضمني، تعهدت روسيا بموجبه على عدم عرقلة قرار المساعدات، مقابل “رخاوة” الموقف الأمريكي تجاه نظام الأسد.
وتابع: “توجد مقايضة بين موسكو وواشنطن، مفادها ليونة الموقف الأمريكي وتخفيف العقوبات على نظام الأسد، عبر السماح للأردن بإبرام اتفاقية الغاز معه، والسماح للدول العربية بتطبيع العلاقات مع النظام، مقابل ألا تعرقل روسيا إدخال المساعدات العابرة للحدود”.
من جانبه، أوضح الكاتب والمحلل أحمد قربي، مدير وحدة التوافق والهوية المشتركة في “مركز الحوار السوري”، أن قرار مجلس الأمن الصادر في يوليو/ تموز 2021 لا ينص على الحاجة للتصويت بعد الأشهر الستة الأولى، مشيراً إلى أن الأمر “إجرائي”.
وقال قربي في حديثه لموقع “السورية نت” إن روسيا ربطت الأمر بتقرير الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، كنوع من الضغط من أجل تحصيل مكاسب معينة، خاصة في إطار دعمها لنظام الأسد.
ماذا ورد في تقرير غوتيريش الذي أفضى إلى تمديد قرار المساعدات آلياً؟
روسيا تريدها “عابرة للخطوط”
تدعي روسيا أن آلية التفويض الدولي لإيصال المساعدات العابرة للحدود إلى الشمال السوري، تخترق “السيادة الوطنية” لسورية، كونها لم تمر عن طريق حكومة النظام، وكونها لا تشترط موافقته بالأساس.
وتريد روسيا من تلك العراقيل تسليم ملف المساعدات لنظام الأسد، وبالتالي يكون هو المسؤول عن إدخالها للشمال السوري الخارج عن سيطرته، عبر خطوط التماس، لتكون المساعدات “عابرة للخطوط” وليست “للحدود”.
إلا أن الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، شدد في تقرير له في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، على استحالة استبدال الآلية العابرة للحدود في هذه المرحلة بآلية المرور عبر خطوط الجبهة من مناطق سيطرة النظام، والتي ترغب موسكو في تعزيزها تحت مزاعم “الاعتراف الكامل بسيادة سورية على أراضيها”.
وبهذا الصدد، يقول أحمد قربي، إن الحديث عن توسيع المساعدات وتسليمها لنظام الأسد، هو جزء من اتفاق ورد في قرار مجلس الأمن الصادر في يوليو/ تموز الماضي، بعد مطالب روسية بذلك.
وأضاف أن النظام سيستخدم ورقة المساعدات للمساومة على عدة أمور، خاصة في ملف العقوبات المفروضة عليه، كما أنه سيستخدمها كأداة لعقاب السكان في المناطق الخارجة عن سيطرته عبر حرمانهم منها، مثلما حدث سابقاً في الغوطة الشرقية وحمص، وبالتالي تسييس الملف الإنساني.
في حين رأي المحلل السياسي، حسن النيفي، أن إدخال المساعدات للشمال السوري عبر مناطق النظام، ستعود بالفائدة على الأخير حتماً، خاصة في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها، والتي تجعله يلتمس أي نافذة من شأنها تحسين واقعه الاقتصادي.
وأضاف: “هذه المعابر لن تقتصر على إدخال المواد الإنسانية، بل قد يتبعها تبادل تجاري خاصة أن مناطق الشمال السوري غير مضبوطة ولا تخضع لسلطة مركزية واحدة”، مردفاً: “ربما يتطلع النظام إلى ما بعد المساعدات، وقد يسعى إلى تحويل هذه المعابر لمنافذ اقتصادية وتجارية جديدة بالنسبة إليه”.
وحذر فريق “مسنقو استجابة سوريا”، العامل في الشمال السوري” من خطورة المساعدات العابرة للخطوط.
وأشار في تقرير له، أول أمس الثلاثاء، أن “المساعدات الإنسانية عبر خطوط التماس مع النظام غير كافية ولا تصلح لإمداد المنطقة بالاحتياجات الإنسانية، واستحالة تنفيذها خاصةً مع العراقيل الكبيرة التي يضعها النظام مع روسيا على دخول القوافل الإنسانية عبر خطوط التماس، إضافة إلى استغلال المساعدات الإنسانية من قبل النظام السوري في تمويل عملياته العسكرية ضد المدنيين”.
وحذر الفريق الجانب الروسي، مما قال إنها تصرفاتٌ قد تحرم مئات الآلاف السكان في الشمال السوري من المساعدات الإنسانية، داعياً الأمم المتحدة إلى إيجاد حل للتدخل الروسي في الملف الإنساني.
المعاناة بالأرقام
يُشار إلى أن التقرير الذي قدمه الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، لمجلس الأمن، الاثنين الماضي، أورد أرقاماً حول المعاناة الإنسانية في سورية والحاجة الملحة للمساعدات العابرة للحدود، مشيراً إلى أن 90% من السوريين يعيشيون في فقر، و60% منهم يعانون من انعدام الأمن الغذائي، في حين يفقتر حوالي 7.78 مليون سوري لوجود عدد كاف من الأطباء والرعاية الطبية ضمن حدودها الدنيا.
ولفت الأمين العام للأمم المتحدة أن نحو 9 ملايين سوري يعيشون في مناطق خارجة عن سيطرة النظام السوري، بينهم 5.6 مليوم بحاجة للمساعدات الإنسانية، ما يؤكد الحاجة الملحة لاستمرار العمليات الإنسانية العابرة للحدود.
ويحتاج حوالي 4.5 مليون شخص في سورية إلى مساعدات هذا الشتاء، بزيادة 12% عن الشتاء السابق، حسب تقرير غوتيرش الصادر الشهر الماضي، وذلك بسبب ظروف جائحة “كورونا”، مشيراً إلى أن 2.9% فقط من سكان سورية تلقوا اللقاح بجرعتيه.
وتصل المساعدات العابرة للحدود إلى نحو 3 ملايين شخص في مناطق شمال غربي سورية (إدلب وما حولها)، والخارجة عن سيطرة نظام الأسد.