وقعت حكومة النظام السوري، في 12 من شهر يناير/كانون الثاني الماضي، على مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، ما فتح باب تساؤلات، عما إذا كانت هذه الخطوة ستجلب المليارات للأسد “المتهالك”.
وتقدر الأمم المتحدة أن سورية ستحتاج إلى 400 مليار دولار، ككلفة لإعادة الإعمار في حل التوصل إلى أي حل سياسي ما.
وذكر موقع “ميدل إيست آي” في مقال نشره، اليوم السبت، إن روسيا وإيران (حليفتا الأسد) تفتقران الأموال المذكورة، بينما ترفض الحكومات الغربية العمل مع دكتاتور تتهمه بارتكاب جرائم حرب.
في المقابل هناك مشهدٌ من الحذر لدى المستثمرين الخليجيين، والذين لا يرون حتى الآن أي عامل استقرار في البلاد. لذا، هل يمكن أن تأتي الصين الآن أخيراً لمساعدة الأسد؟
ويستبعد كاتب المقال كريستوفر فيليبس في إجابته أن بكّين قد اتخذت طريقاً لمساعدة نظام الأسد اقتصادياً.
ويقول الكاتب بحسب ترجمة فريق “السورية.نت”: “دعوة مبادرة الحزام والطريق هذه هي في الأساس حركة سياسية وليست اقتصادية، ولن تؤدي إلى موجة من الاستثمار الصيني”.
ويشير المقال إلى أن الخطوات الصينية باتجاه الأسد في الوقت الحالي “ليست مفاجئة”.
وعلى مدى السنوات العشر الماضية “رفضت بكّين المزاعم الغربية بأن بشار الأسد فقد شرعيته، فيما انضمت إلى روسيا في استخدام حق النقض ضد قرارات الأمم المتحدة المتعددة التي كانت تهدده”.
إضافة إلى إصراراها على “سيادة سورية” – وهي حجة قدمتها الصين مراراً وتكراراً في أماكن أخرى، لضمان أن يكون لها أيضاً حرية التصرف مع سكانها – اعتقدت بكين أن الأسد كان أفضل فرصة للاستقرار.
“المستثمر الحذر”
ومع إعلان الأسد منذ فترة طويلة عن إعجابه بـ “النموذج الصيني” للتنمية الاقتصادية، كان من المنطقي أن دمشق تأمل في تحويل هذا الدعم الاسمي في زمن الحرب إلى استثمارات ما بعد “الصراع”.
في سبتمبر / أيلول 2017، صنفت دمشق الصين، إلى جانب روسيا وإيران، “بالحكومات الصديقة” التي ستمنح الأولوية لمشاريع إعادة الإعمار.
بعد ذلك أظهرت بكين بعض الاهتمام، وحضرت أكثر من 1000 شركة صينية المعرض التجاري الأول حول مشاريع إعادة الإعمار السورية في بكين، بينما تعهدت باستثمارات بقيمة ملياري دولار.
كما حضرت 200 شركة أخرى معرض دمشق التجاري الدولي 2018، وكان هناك أيضاً بعض الاستثمار المحدود في قطاع السيارات السوري، بينما وافقت بكين على إرسال مساعدات بقيمة 16 مليار دولار، بما في ذلك 150 ألف جرعة لقاح سينوفارم Covid-19.
وجاء في المقال الذي نشره “ميدل إيست آي”: “مع ذلك، فإن الصين مستثمر حذر، وسورية ليست عرضاً جذاباً”.
ويضيف أنه “وعلى الرغم من أن وضع الأسد في دمشق يبدو آمناً، إلا أنه لم يبسط سيطرته على الدولة بأكملها، ولا يزال هناك خطر تجدد القتال، فضلاً عن الهجمات الإرهابية المتفرقة”.
“هناك سوق استهلاكية محدودة، بالنظر إلى أن معظم السوريين يعانون من الفقر بسبب الحرب والتضخم المفرط في فترة ما بعد الحرب”.
في حين أن الفساد العميق لنظام الأسد يعني أنه سيتم اقتطاع الكثير من الاستثمارات.
إضافة إلى ذلك، فإن قانون “قيصر” الأمريكي، الذي يعاقب أي شركة تتعامل مع الأسد “هو رادع”.
والأهم من ذلك، وعلى الرغم من احتياطيات النفط والغاز المحدودة، تفتقر سورية إلى ثروة المواد الخام الرئيسية التي جعلت الصين تخاطر بالاستثمار في أماكن غير مستقرة في أماكن أخرى.
ويشير كاتب المقال إلى أن “دخول سورية إلى مبادرة الحزام والطريق لم يغيّر أياً من هذه العوائق، وبينما تحدد مذكرة التفاهم الموقعة نية للاستثمار في نهاية المطاف، فإنها لن تؤدي إلى الضخ المفاجئ للأموال التي يحتاجها الأسد بشدة”.
لماذا التوقيع الآن؟
في غضون ذلك طرح كاتب المقال كريستوفر فيليبس سؤالاً: “لماذا تم التوقيع على مبادرة الحزام والطريق الآن؟”، مجيباً بالقول: “بالنسبة للصين، هناك منطق جيوستراتيجي. هذا الاحتضان العلني للأسد يرسل إشارة إلى ثلاث جهات فاعلة مهمة”.
أولى الإشارات إلى الولايات المتحدة الأمريكية، التي صعّدت من مواجهتها مع الصين في عهد الرئيس جو بايدن.
ويشير المقال إلى أن “إدخال الأسد في مبادرة الحزام والطريق يسلط الضوء على مدى عدم فاعلية الولايات المتحدة وحلفائها في عزل دمشق ما بعد الحرب، مما يؤكد الشعور بانحسار القوة العالمية للولايات المتحدة”.
أما ثاني الإشارات فهي إلى حلفاء الأسد الروسي والإيرانيين، “الذين يريدون كسر عزلة سورية. هذه طريقة سهلة نسبياً لبكين لكسب حسن النية من كليهما، حيث تعتبر إيران على وجه الخصوص شريكاً مهماً بالفعل في مبادرة الحزام والطريق”.
وهناك إشارة ثالثة إلى قوى شرق أوسطية أخرى، مثل إسرائيل ودول الخليج، حيث يشير دخول دولة شرق أوسطية أخرى إلى مبادرة الحزام والطريق إلى تعميق دور الصين وحاجة القوى الإقليمية إلى تعزيز تعاونها الكبير بالفعل مع بكين – الأمر الذي يثير استياء بايدن.
وبطبيعة الحال، أوضح مقال “ميدل إيست آي” أن الجانب الاقتصادي للأشياء ليس بالأمر الهين بالنسبة للصين.
وتتمتع سورية بموقع استراتيجي بساحل متوسطي كبير، وفي حالة استقرارها بشكل كافٍ، يمكن أن تثبت أنها شريك جذاب للصين. لكن هذه مكافأة محتملة طويلة الأجل لبكين، وليس المحرك المباشر لمذكرة التفاهم.
ماذا عن الأسد؟
في مقابل ما تريده الصين من توقيع مبادرة “الحزام والطريق” مع سورية سيكون هناك “فوائد غير مباشرة” بالنسبة للأسد.
ويدرك الأسد بالتأكيد عدم احتمال وجود أموال كبيرة لإعادة الإعمار في الصين على المدى القصير، لكنه وعلى الطرف المقابل يرى في الأمر “خطوة سياسية ومحرك مهم”.
وجاء في المقال أن “الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق يخدم أجندة محلية، مما يحمل الأمل، وإن كان بائساً، في استثمارات صينية كبرى لسكان فقراء يكافحون في ظل اقتصاد متعثر”.
كما أنه يعزز رواية النظام السوري بأن بقية العالم غير الغربي يقبل الأسد، مما يعزز مزاعمه بالشرعية.
وعلى الصعيد الدولي أيضاً، تأمل دمشق أن يشجع التحالف مع الصين الدول غير الغربية الأخرى، وحتى بعض الدول الأوروبية المتمردة، على إعادة التعامل مع سورية.
وقد يكون هناك أيضاً بعض الفوائد الاقتصادية غير المباشرة. في حين أن الصين قد لا تكدس السيولة المطلوبة، فإن وجودها الاسمي في سورية يشير للآخرين إلى أن دمشق على بعد خطوة واحدة من الاستقرار.
وذلك قد يدفع هذا اللاعبين الخليجيين إلى الاستثمار بشكل مبدئي، وإعادة إشعال شبكات ما قبل الحرب، للدخول قبل بكين.
وبينما أن المبالغ الضخمة من بكين غير مرجحة، فإن الانضمام إلى مبادرة الحزام والطريق قد لا يزال يسهل زيادة محدودة في الاستثمار الخليجي وبعض الأموال من الصين.
وإذا جاء ذلك جنباً إلى جنب مع المزيد من التطبيع من دول الشرق الأوسط وحلفاء الصين غير الغربيين وحتى بعض الدول الأوروبية، فمن الواضح أنه سيكون مفيداً للأسد.
وقد لا يعني ذلك أن اقتصاده يحصل على مئات المليارات التي يحتاجها للتعافي، لكنه يساعد في دعم الديكتاتورية المحاصرة لفترة أطول قليلاً.