(نُشر هذا المقال لأول مرة في 9فبراير/شباط 2022 على موقع FİKİR TURU باللغة التركية)
ترجمهُ لـ”السورية.نت”: نادر الخليل، زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”
ضجت وسائل الاعلام بأنباء قيام الولايات المتحدة الأمريكية، بعملية عسكرية اقل ما يمكن أن يقال عنها، إنها صاخبة للغاية، باستخدام عدة مروحيات عسكرية، وذلك في الساعات الأولى من صباح 3 فبراير/شباط، في قرية “اطمة”، التي تعتبر نقطة الانطلاق الى “عفرين” في إدلب، وهي منطقة تضم مئات الآلاف من البشر.
كان واضحاً ان هدف العملية مهم للغاية، بالنظر إلى وقت ومكان وطريقة العملية. وفي وقت القيام بالعملية كان يتم تداول العديد من الأسماء، مثل “أيمن الظواهري” زعيم تنظيم “القاعدة”، الذي يُعتقد أنه موجود في أفغانستان، إلى “أبو همام الشامي” زعيم “حراس الدين” جناح “التنظيم” نفسه في سورية. في نفس الوقت كان من المستحيل على الخبير، الذي ينظر بعناية إلى الصور الأولى للعملية، ان لا يفهم من هو الهدف: زعيم “داعش”، المًسمى “أبو إبراهيم القريشي”.
في الساعات التالية، تم تفعيل قسم العلاقات العامة من العملية؛ ليتم إخطار وسائل الإعلام، وليعلن الرئيس الأمريكي “جو بايدن” للعالم أمام الكاميرات، بطريقة مشابهة لما فعله أسلافه “بوش وأوباما وترامب”، أن العدو “الإرهابي” للولايات المتحدة الأكثر شهرة قد قُتل.
حسناً، من خلال المؤتمرات الصحفية وتوضيح التفاصيل للعمليات التي تم إعدادها وتنفيذها سابقاً وأُعلن فيها أن “بوش” قضى على “أبو مصعب الزرقاوي” زعيم القاعدة العراقية، و”أوباما” قضى على زعيم القاعدة “أسامة بن لادن”، وأن “ترامب” قضى على الزعيم المؤسس لــ” داعش” “أبو بكر البغدادي”، عبر المؤتمرات الصحفية والخطابات العملياتية التفصيلية، لم يكن من المتوقع أن تفوت إدارة “بايدن” هذه الفرصة أيضاً لتقوم بما يشبه ذلك.
كيف جرت العملية؟
جرى تقييم تنفيذ العملية في الوقت الذي كانت فيه أجندة السياسية الخارجية لتركيا مشغولة بأوكرانيا، والتي تم تقييمها إلى حد كبير في إطار المعلومات المقدمة من الخارج. في حين أن الرواية التي قدمت لنا بصلافة ووقاحة كانت كالتالي: “نفذت القوات الأمريكية الخاصة عملية ضد زعيم تنظيم “داعش” والذي كان من المخطط القضاء عليه بعدما تمت متابعته لفترة طويلة، بدعم من حكومة إقليم كردستان العراق(IKBY)، والحكومة المركزية العراقية، ومنظمة وحدات حماية الشعب “الإرهابية”(YPG).
وقد كان وصل الفريق الذي قام بالعملية من قاعدة في شمال “العراق” إلى “إدلب”، وخلال العملية، فجر زعيم “داعش” نفسه بقنبلة. ونتيجة لذلك، وقعت إصابات في صفوف المدنيين ايضاً أثناء العملية. وعاد فنانوا العملية دون أضرار كبيرة.
والآن دعونا نجلس ونتبادل الافكار، هناك الكثير من التعليقات والتفسيرات مثل: “ماذا كان يفعل زعيم “داعش” في إدلب؟ “إذا مات لن يحدث شيء للتنظيم، يوجد الكثير من الرجال ليحلوا محله”؛ “في الاصل “داعش” من صنع الأمريكيين، وانتهت استفادتها منها، فقضوا على زعيمها”. الخ …
هل تمت العملية كما تم سردها؟
في الغالب ليس من عادتي الخوض في التفاصيل العملية. ولكن، هذه المرة، تبدو التفاصيل ضرورية ليس فقط لفهم تلك الليلة، ولكن أيضاً لتحليل ما بعد ذلك.
لن أحاول توجيه نقد عن طريق سحب الحقائق بالملقط من رواية تم إعداد نصها بشكل غير كامل. لكن توقيت وطريقة وطبيعة استهداف زعيم “داعش”، وطبيعة الجهات الفاعلة المعنية، قد تكون الخطوة الأولى المهمة في فهمنا أن هناك حقيقة أخرى تتجاوز سردية أن هذه العملية نفذتها وحدة العمليات الخاصة، التي تطارد إرهابياً كان هارباً لفترة طويلة.
في الواقع، الفيديو واللقطات وروايات شهود العيان في تلك الليلة تخبرنا كيف حدث ذلك. ووفقاً لكل هذه المعلومات، فإنه في منتصف الليل، يعلن شخص بلهجة عراقية من طائرات الهليكوبتر التي تحلق فوق منزل بعيد نسبياً عن المنازل المحيطة، وبالتالي كانت قادرة على الهبوط في المنطقة المجاورة، ويطلب أن يتم إخلاء المنطقة… ثم، وقعت بضعة انفجارات وسط إطلاق نار كثيف لفترة من الوقت. وقال شهود عيان ان جنوداً مسلحين هبطوا في حقل مفتوح مجاور ودخلوا لما لا يقل عن ثلاثة منازل، وكان هناك تبادل لإطلاق النار بعد تمكنهم من دخول الى المنطقة، ثم بعدها سحبوا شخصاً بعيداً.
نصل الان للجزء المزعج كثيراً من المقال، لكن لا بد لي من ذكره للتساؤل-التشكيك-حول ما تم سرده علينا، حيث تُظهر الصور التي التقطها اول من وصل للمكان جانب أخر للحدث…في الصور الواردة، تظهر جثث هامدة لأشخاص ملقاة على الأرض قبل الفجر، ويبدو عليها بوضوح؛ أصابتها برصاص ثقيل. من بينهم، كان هناك أطفال ورجلان في منتصف العمر. لا يوجد تشوه لجثثهم باستثناء رجل واحد منهم والذي يمكن التعرف عليه بسهولة.
من المستحيل ان لا ترى آثار الرصاص على الجدران، وبالإضافة لذلك انهيار جزء من سقف المبنى الذي تمت فيه العملية الرئيسية من الأعلى إلى الداخل. هذا يعني باختصار، عدم وجود ما يشير إلى قيام أحد بتفجير نفسه، ولكن هناك مؤشرات كثيرة على أن صاروخاً أصاب المبنى من الخارج وأن من بداخله ماتوا نتيجة تعرضهم لإطلاق نار كثيف. بالإضافة إلى كل ذلك، هناك أيضاً معلومات تفيد بأن مروحية أمريكية تحطمت في منطقة ليست بعيدة عن مكان الحادث وتم إجلاء طاقهما بطريقة ما.
حسناً، دعونا نتذكر، أنه في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كانت هناك صورة لإبراهيم القريشي، وتكررت لمدة عامين تقريباً، قيل فيها إنه أبلغ عن أصدقائه وقضي عليهم، ليرتفع مكانه في التنظيم، حتى أنه تم تشبيه بـ”طائر كناري” مغرد، وذلك وفقاً لمصادر دولية.
يريدون منا أن نصدق شيء من قبيل؛ أن “مخبر سابق -زعيم جديد”، ولديه إعاقة جسدية شديدة ولم يصمد حتى أثناء الاستجواب وخان جميع أصدقائه، قام بارتداء سترته المفخخة وأثناء العملية فجر نفسه والمحيطين به لمقاومة الولايات المتحدة الامريكية. لا تتسق هذه الرواية مع الهيكل النفسي وأنماط السلوك التي قيلت عن الجاني حتى الآن، ولا مع ما نقلته الصور الفوتوغرافية أو شهود العيان. ما اقصده هنا، أن القصة إشكالية تماماً، ولكن بمجرد أن تبدأ آلة الدعاية “البروباغندا” عملها فهي لا تتوقف. دعونا ننظر في قضايا أخرى خارج توقيت الحدث.
الأسئلة الحرجة التي اثارتها العملية
إذا كنا تتذكر، تم نشر صور في الصحافة لجنود أمريكيين وهم يدربون أعضاء “وحدات حماية الشعب” باستخدام طائرات هليكوبتر في آذار من العام 2021. وفي كانون الأول، ظهرت في وسائل الإعلام لقطات لجنود أميركيين و”إرهابيين” من “وحدات حماية الشعب” أثناء قيامهم بتدريبات عملية مشتركة.
يا لها من مصادفة؛ وتؤكد مصادر أمريكية أن مكان وجود زعيم “داعش” تم تحديده قبل 11 شهراً وأن الاستعدادات كانت تجري منذ فترة طويلة، لاحظ هنا أنها كانت منذ 11 شهرًا بالضبط. وبمعنى آخر، التاريخ الذي تم فيه تحديد موقع “القريشي” يتوافق مع شهر اذار من عام 2021. وهنا أعتقد أن هذا الجزء من القصة التي سردت لنا صحيح. لكن هذه الدقة تطرح سؤالاً جديدًا: لقد عرفت الولايات المتحدة منذ 11 شهراً أن زعيم تنظيم “داعش الإرهابي” قريب من الحدود التركية. خلال هذه المدة، استهدفت الولايات المتحدة مراراً قادة “القاعدة” بهجمات بطائرات دون طيار في إدلب، ولكن لا يتم مشاركة المعلومات التي تم العثور عليها عن زعيم “داعش” مع حلفائها. لماذا؟
يمكن ان يكون الرد على هذا السؤال، من فكرة أن “الولايات المتحدة كانت تريد تنفيذ عملية خاصة بها، فما الخطأ في ذلك”. ومع ذلك، وفي نفس الإطار الزمني البالغ 11 شهراً، في تشرين الأول من العام 2021، عندما تم القبض على “سامي قاسم الجبوري” الرجل الثاني للتنظيم بعد “القريشي”، في عملية في شمال سورية وتم إحضاره إلى العراق فحينها ولسبب ما كان الجميع يعرف بالعملية. بمعنى آخر، التعاون الدولي ممكن ضد “داعش” عند الحاجة.
علاوةً على ذلك، عند ورود معلومات عن وجود زعيم لـ “داعش” في أي منطقة، يمكن تنفيذ عملية بطائرات بدون طيار، بغض النظر عن الخسائر التي ستقع في صفوف المدنيين في المنطقة. ولكن يبدو أنه قد تم انتظار عام تقريباً في هذا الحالة التي تشكل موضوع الجدال.
كما يقال لنا أن القوات الأمريكية الخاصة تعمل بطرق عديدة ومختلفة في أجزاء كثيرة من العالم منذ سنوات، قد انتظرت 11 شهرًا بعد تحديد موقع زعيم “داعش”، وبقيت تستعد للعملية خلال كل تلك هذه المدة، ويريدون منا ان نصدق ذلك.
لماذا انتظرت الولايات المتحدة الامريكية 11 شهراً لتنفيذ العملية ضد زعيم “داعش”؟
هل يمكن أن يكون سبب الانتظار مدة 11 شهراً للعملية هو التحضير لـ “وحدات حماية الشعب”، للإعلان للمجتمع الدولي “كم هي حليف موثوق؟”، أم لتمهيد الطريق لإحياء جديد للتنظيم بقيادة زعيم جديد، مع إطلاق سراح مئات المسلحين بعد أن داهمت “داعش” السجن الذي كان يتواجد فيه مقاتلوها في كانون الثاني 2022؟ أو هو استعراض للقوة تريده الولايات المتحدة الامريكية بعد إعلانها أنها ستبقى في العراق وسورية للقيام بالعمليات الخاصة فقط؟ أو هل هو استعداد للرد على استراتيجية روسيا وإيران المتفق عليها مؤخرًا للتوسع في شمال شرق سورية؟
الإجابات على هذه الأسئلة ستكون موضوع مقال آخر سنناقشها فيه. لكن علينا أن نفهم هذا: إن القضاء على زعيم “داعش” عملية نطوي على أكثر بكثير من كونها مجرد عملية لمكافحة “الإرهاب” كما يفسر لنا. لذلك، فإن القبول بالروايات المتداولة والتي تبدو متماسكة دون التشكيك فيها ليست الطريقة الصحيحة لفهم ما يجري.
سكان يروون لـ”السورية.نت” تفاصيل “ليلة أطمة”: القاطن المجهول وزوار الفجر
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت