لم تعد سوريا هامشاً من هوامش الحرب الروسية على أوكرانيا، أو صدى بعيداً لوقائعها. فقد إنتقلت بسرعة، من موقع الطرف الذي ينتصر للحليف الروسي بأشد البيانات والعبارات، الى موقع الشريك الذي يطالبه الكرملين رسمياً بالانضمام الى جبهات القتال، من دون أجرٍ طبعاً .
ومن دون مواربة، أو مجاملة، يمكن القول انه خبرٌ سارٌ ، مهما كانت درجة الانخراط السوري في تلك الحرب الكبرى، التي لا يزال ميدانها العسكري أوروبياً، ومجالها السياسي مفتوحا على العالم كله. لأنه يزيل آخر المسافات بين دمشق وموسكو، ويبرر الاستنتاج بأن ما يصيب احدى العاصمتين، سيصيب الاخرى من دون شك، وهو يعني حتماً أنهما إما أن تنتصرا معاً أو أن تهزما معاً.
وهي حقيقة سياسية لا تحتاج الى أدلة، خصوصا وأن موسكو، إختارت دمشق من بين بقية العواصم الحليفة لها، مثل بيونغ يانغ الكورية الشمالية، أو كركاس الفنزولية.. لكي تدعوها الى الالتحاق بالحرب مباشرة، وتنضم الى معاركها، تماما كما فعلت مع غروزني عاصمة الشيشان، التي كان مرتزقتها الشهيرون، ومنذ اليوم الاول، يسابقون الجنود الروس في غزو أوكرانيا وإستباحة مدنها وقراها ومساكنها، ويلاحقون كبار المسؤولين الاوكران لاغتيالهم.
إختيار موسكو ليس دليلاً جديداً على تدني مرتبة دمشق وحاكمها.. بل هو نتاج طبيعي لظروف الحرب الكبرى الراهنة التي كانت سوريا إحدى مقدماتها منذ أن قرر الرئيس فلاديمير بوتين في العام 2015 السيطرة على الساحل السوري على البحر المتوسط، (والإستيلاء على شبه جزيرة القرم)، رداً على التهديد الاوكراني (الاطلسي) للساحل الروسي على البحر الاسود في العام 2014..
في تلك الفترة ، تردد في موسكو أن التوسع العسكري في سوريا هدفه البعيد هو ان تستعيد أو أن تحافظ روسيا على مكانتها كقوة دولية عظمى، قادرة على نشر قواتها العسكرية ونفوذها السياسي خارج حدودها. وهو موقف ترجمه النظام السوري حرفياً ، لكنه استخدمه بطريقة كاريكاتورية، توحي بأن سوريا هي التي كانت تقدم خدمة جليلة الى روسيا، وتعيدها الى موقعها السوفياتي الماضي، وليس العكس. وما زال “السجال”حول هذه الخدمة يعصف بين دمشق وموسكو، من حين الى آخر..الى طرح السؤال حول ما يمكن أن تقدمه سوريا في هذه الحرب، من بيانات رئاسية او حكومية، الى شائعات عن مساعدات غذائية، الى أن اعلن بوتين شخصياً أنه يرحب بالمقاتلين السوريين الذي يرغبون بالقتال، ولا يطمعون الى المال، مثلهم مثل المتطوعين الغربيين المجانيين الذين ينضمون بالآلاف الى الوحدات العسكرية الاوكرانية.
نداءات التطوع تنتشر هذه الايام وبشكل رسمي في مختلف أنحاء سوريا الموالية للنظام، والارقام التقديرية تتحدث عن ما يقرب من ثلاثة آلاف “متطوع”، سبق لمعظمهم أن قاتل في ليبيا، يفترض ان يثبتوا ان سوريا التي وهبت روسيا موقع الدولة العظمى قبل سبع سنوات، مستعدة الآن لأن تتقاسم معها أعباء الحرب الراهنة، بما فيها من أرباح وخسائر..ما زال يصعب التكهن بها، سواء كان النصر حليف بوتين والاسد أم لا .
المهم الان ان الشراكة تمت، وصارت موضع بحث في الغرب، منذ ان بادر الرئيس الاوكراني فلودومير زيلنسكي الى القول ان روسيا تدمّر مدن بلاده مثلما دمّرت حلب وإدلب، وهي تستعين بمقاتلين من سوريا التي دمّرتها، مفتتحاً بذلك نقاشاً متأخراً في العواصم الغربية حول التغاضي (التواطؤ) عن التوسع الروسي في سوريا، وحول الروابط المحتملة بين ميادين القتال في اوكرانيا وسوريا. وهو نقاش يسلط الضوء مجددا على كلفة ذلك التواطؤ الغربي القديم ، وآثاره على المعركة الاوكرانية. لم يصل الامر الى حد التوصل الى خلاصات واستنتاجات، لكن المحصلة ستكون على الارجح سارة، ولو بعد حين..خصوصا إذا تحمست قوى المعارضة السورية، وقررت أيضاً الانخراط في المعركة ضد العدو الروسي بواسطة مرتزقتها، الذين سيكون خروجهم الى ساحة الجهاد في أوكرانيا، وتأخرهم في العودة منها، مكسباً مهماً أيضاً لسوريا وشعبها وثورتها.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت