أجرى رئيس النظام السوري، بشار الأسد زيارة إلى دولة الإمارات، في خطوة هي الأولى من نوعها لدولة عربية منذ عام 2011.
ولم يسبق وأن تم التمهيد لهذه الزيارة خلال الأسابيع الماضية، بينما سبقتها عدة تحركات أقدمت عليها أبو ظبي، وصبت في مجملها في سياق عملية إعادة تطبيع علاقاتها مع نظام الأسد.
وكان برفقة الأسد في الزيارة وزير خارجيته، فيصل المقداد، ومنصور عزام “وزير شؤون رئاسة الجمهورية”، وبشار الجعفري نائب وزير الخارجية والمغتربين.
والتقى هؤلاء مجموعة من المسؤولين الإماراتيين على رأسهم نائب رئيس الدولة وحاكم أبو ظلي محمد بن زايد، ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم.
وقال بيان نقلته وكالة الأنباء الإماراتية إن بن زايد بحث مع الأسد “العلاقات الأخوية والتعاون والتنسيق المشترك بين البلدين الشقيقين، بما يحقق مصالحهما المتبادلة ويسهم في ترسيخ الأمن والاستقرار والسلم في المنطقة العربية ومنطقة الشرق الأوسط”.
وأشار البيان إلى أن الزيارة تأتي “في إطار الحرص المشترك على مواصلة التشاور والتنسيق الأخوي بين البلدين حول مختلف القضايا”.
محمد بن راشد يستقبل الرئيس السوري بشار الأسد في #دبي، وذلك في إطار العلاقات الأخوية بين البلدين. #الإمارات pic.twitter.com/AhaJlAOEnv
— Dubai Media Office (@DXBMediaOffice) March 18, 2022
وتعد زيارة بشار الأسد إلى الإمارات الأولى له لدولة عربية منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011.
وكانت الإمارات قد أعادت في ديسمبر 2018، فتح سفارتها في دمشق، بعد قطع العلاقات الدبلوماسية منذ 2012.
وفي أول زيارة لمسؤول إماراتي رفيع منذ قطع دول خليجية عدة علاقاتها الدبلوماسية مع النظام السوري، توجه وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد آل نهيان، نهاية العام الماضي، إلى دمشق حيث التقى رئيس النظام السوري بشار الأسد، ومسؤولين آخرين.
في المقابل ومن بوابة “كورونا” و”مساعدة الشعب السوري”، تواصل محمد بن زايد مع بشار الأسد هاتفياً السنة الماضية، فيما اعتبر شقيقه عبد الله بن زايد أن عقوبات قانون “قيصر”، مطبات تقف بوجه التنسيق والعمل المشترك مع نظام الأسد، مشيراً خلال زيارة له إلى موسكو في مارس/ آذار الماضي، إلى ضرورة عودة سورية إلى محطيها ودورها في جامعة الدول العربية.
ويرصد فريق “السورية.نت” أبرز المحطات التي مرت بها العلاقات بين نظام الأسد والإمارات العربية المتحدة منذ بداية الثورة السورية وحتى اليوم.
متابعة التطورات
عملت الإمارات خلال الأشهر الأولى لاندلاع الثورة السورية، على متابعة التطورات الميدانية والسياسية، كغيرها من الدول الخليجية، التي حاولت الضغط على النظام، من أجل عدم السماح للأوضاع بالتفاقم وإيجاد حلول للخروج من الأوضاع.
واستقبل ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، في 5 يونيو/حزيران 2011، وزير خارجية نظام الأسد، وليد المعلم، على الرغم من تصاعد الأحداث في المدن السورية وخاصة في درعا، ومقتل واعتقال العشرات من السوريين على يد مخابرات الأسد.
وأبلغ بن زايد حينها وليد المعلم بأن الإمارات تتابع “باهتمام بالغ” التطورات في سورية، داعياً إلى الإصلاح والحاجة إلى الاستقرار كونهما هدفان متلازمان ويمكن التوفيق بينهما.
وطلب بن زايد، المعلم، أيصال تحياته إلى رئيس النظام، بشار الأسد، معربًا عن أمينته بخروج سورية وشعبها من المِحنة.
بدء التحرك ضد النظام
ومع تصاعد العنف من قبل نظام الأسد، وضربه دعوات الدول والجامعة العربية إلى الهدوء والبدء بعملية الحوار مع المعارضة، عرض الحائط، قررت الدول الخليجية قطع علاقاتها الدبلوماسية مع النظام.
وأعلنت الدول الخليجية، في 6 مارس/آذار 2012، بما فيها الإمارات، استدعاء سفرائها من سورية، والطلب من جميع سفراء النظام مغادرة أراضيها “بشكل فوري”، لكن دولة الإمارات أبقت على بعثة دبلوماسية للنظام على أراضيها من أجل تسيير معاملات السوريين المتواجدين على أراضيها.
كما انضمت الإمارات إلى حلف أصدقاء سورية الذي يضم 100 دولة، والذي اعتبر أن الحل في سورية سياسي، وشدد على رحيل النظام ورئيسه، بشار الأسد.
كما عارضت الإمارات في 2014 إجراء الانتخابات الرئاسية للنظام على أراضيها، وحملت الفشل في الملف السوري إلى عدم حدوث توافق ميداني ودولي عليها.
علاقات اقتصادية خفية
لكن في ظل تصريحات سياسية من قبل مسؤولين إماراتيين ضد النظام، تحولت مدينة دبي إلى مكان لإقامة شخصيات من عائلة الأسد، أهمها بشرى الأسد شقيقة رئيس النظام بشار الأسد، وزوجة العماد المقتول آصف شوكت، بحسب ما ذكرت صحيفة الشرق الأوسط في 2012.
كما كانت والدة الأسد مقيمة في دولة الإمارات، وتوفت في دبي في فبراير/شباط 2016، قبل نقل الجثمان ودفنها في اللاذقية، إلى جانب استثمارات رامي مخلوف، ابن خال الأسد، والذي يملك استثمارات متعددة وأبراج وسط مدينة دبي.
كما أدرجت وزارة الخزانة الأمريكية، عقوبات على شركة “بانجيتس” ومقرها الشارقة، بسبب توريدها منتجات نفطية لسورية، منها وقود طيران من عام 2012 حتى أبريل/نيسان 2014، مرجحة أن هذه المنتجات استخدمت في أغراض عسكرية.
كما لعبت الإمارات دوراً خفياً في تعاملها مع فصائل المعارضة السورية، وخاصة في الجنوب السوري، إذ حاولت تطويعهم وزرع العملاء بينهم، ما أدى إلى تفككها ودفعها إلى إجراء “تسويات”.
عودة العلاقات
وفي 27 ديسمبر/كانون الأول 2018، أعلنت الإمارات إعادة افتتاح سفارتها في دمشق بشكل رسمي وتكليف عبد الحكيم النعيمي للقيام بالأعمال بالنيابة.
وربط وزير الدولة للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، حينها عودة العلاقات مع نظام الأسد، إلى الوقوف في وجه التدخلات الإيرانية في المنطقة.
وقال قرقاش إن “الجميع مقتنع بأنه لا بد من مسار سياسي لحل الأزمة السورية، وإن فتح الاتصال مع دمشق لن يترك الساحة مفتوحة للتدخلات الإيرانية”.
وإلى جانب ذلك بدأت زيارة الوفود الاقتصادية بين البلدين، وعودة الشركات الإماراتية للاستثمار إلى داخل سورية.
وفي ظل أنباء عن وجود علاقات بين النظام والإمارات بشكل خفي، ظهرت هذه العلاقات إلى العلن باتصال ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد مع رئيس النظام بشار الأسد، في مارس/ آذار 2020.
وفي تغريدة على حسابه الرسمي، بموقع “تويتر”، قال بن زايد:”بحثت هاتفيًا مع الرئيس السوري بشار الأسد تداعيات انتشار فيروس كورونا، وأكدت له دعم دولة الإمارات ومساعدتها للشعب السوري الشقيق في هذه الظروف الاستثنائية.. التضامن الإنساني في أوقات المحن يسمو فوق كل اعتبار، وسورية العربية الشقيقة لن تبقى وحدها في هذه الظروف الحرجة”.
من جهته اعتبر قرقاش عبر حسابه في “تويتر” أن “الظروف الاستثنائية المرتبطة بفيروس كورونا تتطلب خطوات غير مسبوقة، وتواصل الشيخ محمد بن زايد بالرئيس السوري هذا سياقه”.
كما اعتبر أن “البعد الإنساني له الأولوية وتعزيز الدور العربي يعبر عن توجه الإمارات، خطوة شجاعة تجاه الشعب السوري الشقيق تتجاوز الحسابات السياسية الضيقة”.
“عبر قنوات المال”
وكانت صحيفة “وول ستريت جورنال” قد نشرت تقريراً، في 28 من يناير الماضي، قالت فيه إن الإمارات أشواطاً كبيرة في التعامل مع نظام الأسد، بعد أشهر قليلة من اتجاهها لإعادة تطبيع العلاقات معه.
وجاء في التقرير أن “أبو ظبي تقود الجهود العربية لإعادة العلاقات الدبلوماسية العربية مع النظام السوري، وتساعده عبر فتح بنوك خاصة وتسجيل شركات تابعة له”.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين حكوميين في الاتحاد الأوروبي قولهم إن “الإمارات تحاول تطبيع علاقاتها بشكل وثيق مع نظام الأسد”.
وتحدثت الصحيفة، عن تسجيل شركات سورية كـ”كيانات خارجية في دبي وأبو ظبي في الأشهر الأخيرة لإخفاء أصولها”.
وتهدف هذه الشركات إلى “التهرب من العقوبات الأميركية والأوروبية”، إضافة إلى “مواصلة الاتجار في السلع التي تتراوح بين المنتجات النفطية والإلكترونيات والملابس”.
وحسب ما قاله رجال أعمال سوريون للصحيفة، فإن ممثلين عن “مصرف سورية المركزي”، زاروا الإمارات، الشهر الماضي “لإنشاء قناة مالية تستخدم البنوك الخاصة لدعم التجارة بين البلدين”.
وفي أكتوبر/تشرين الأول 2021، كانت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة الأسد، قد أصدرت قراراً ينص على تشكيل “مجلس الأعمال السوري- الإماراتي”، بموجب اتفاق سابق بين الطرفين.
وقالت الوزارة في بيان لها حينها، إن القرار رقم “818” يقضي بتشكيل “مجلس الأعمال السوري- الإماراتي”، بهدف تفعيل دور القطاع الخاص، وتطوير التعاون الاقتصادي بين البلدين، بكافة المجالات الصناعية والتجارية والزراعية والسياحية.
وأضاف أن المجلس سيساهم في مجال “إعادة إعمار سورية”، عبر المشاريع الاستثمارية المشتركة، وبموجب قانون الاستثمار الجديد رقم /18/ لعام 2021.