ثلاثة مؤشرات اقتصادية، كان يمكن تلمسها في سوريا، خلال الأيام القليلة الفائتة، تفيد بتهاوي نظرية “الانفراج الاقتصادي الكبير” الذي بشّر به موالون للنظام، بعد زيارة بشار الأسد إلى الإمارات، يوم الجمعة الفائت. وإن كان من المبكر للغاية، تلمس الآثار الاقتصادية لتلك الزيارة على أرض الواقع، إلا أن المؤشرات لا توحي بتفاؤلٍ جاد في أوساط المعنيين بالاقتصاد السوري.
أول تلك المؤشرات، هو سعر الصرف، الأكثر حساسية –نفسياً- لأي تطورات سياسية، إيجاباً، وسلباً. فـ “دولار دمشق” الذي كان قد هوى بقيمة 150 ليرة، خلال ساعات، بعد عصر الخميس الفائت، -أي قبل زيارة الأسد-، عاد ليرتفع مستعيداً 60% من خسائره. واللافت أن ارتفاع “دولار دمشق” جاء بعد الزيارة، وتواصل ثلاثة أيام متتالية، حتى مساء أمس الأربعاء.
وبما يتصل بمؤشر سعر الصرف، يأتي الجدل والإشاعات المتداولة في الأوساط الاقتصادية بسوريا، حول رفع سعر صرف “دولار الحوالات”، أو وقف الاستيراد بشكل كامل، ليؤكد أن تلك الأوساط، من تجار وصناعيين وخبراء اقتصاديين، لا يراهنون بجدية على أية آثار اقتصادية إيجابية مرتقبة قريباً، لزيارة الإمارات.
أما المؤشر الثاني، فهو الأسعار في السوق، التي تواصل ارتفاعها، بشكل يؤكد أن الناشطين فيها يستشعرون أزمة اقتصادية مديدة، على خلفية الحرب الروسية – الأوكرانية. فسعر أسطوانة الغاز المنزلي بالسوق السوداء وصلت إلى 150 ألف ليرة سورية، وسط عجز معظم السوريين عن الحصول على حصتهم من الغاز المدعوم.
وأحد التطورات العصيبة بهذا الصدد، هو رفع أسعار الأعلاف “المدعومة”، من جانب حكومة النظام، مما يعني ارتفاعاً مرتقباً في أسعار الدواجن والبيض، لتنضم إلى قائمة اللحوم الحمراء التي وصل سعر كيلو الغنم منها إلى ما يقارب نصف راتب موظف (بين 40 إلى 45 ألف ليرة سورية). فيما تجاوز سعر كيلو العجل منها 30 ألف ليرة سورية. وهذه الأسعار مرشحة لارتفاع جديد، في رمضان، مع ازدياد معدلات الطلب المعتادة في هذا الشهر.
آثار الأزمة الأوكرانية، انعكست حتى على سعر سندويشة الفلافل –أرخص الأكلات الشعبية سابقاً-، والتي لامست حاجز الـ 2000 ليرة، في ارتفاع بنسبة تجاوزت الـ 40%، خلال أيام فقط. لتلحق بها، أسعار الخبز السياحي والصمون، التي ارتفعت بحوالي 30%. كذلك حلّقت أسعار الحليب ومشتقاته من الألبان والأجبان، مع إقرارٍ مثيرٍ للاهتمام، من جانب مسؤول بهذا القطاع، أن الحليب المجفف المستورد من إيران –وهو أرخص من نظيره المستورد من أوروبا-، هو عِماد صناعة الألبان والأجبان بسوريا، ومن دونه، لما أُتيح للسوريين أكل هذه المواد.
وهذا ما ينقلنا للمؤشر الثالث، وهو ما يتعلق بتصريحات وتحركات المسؤولين الاقتصاديين بحكومة النظام. أول تلك التحركات اللافتة للانتباه، مساعي النظام لاستيراد القمح من الهند، رغم التطمينات التي كررتها السلطات الرسمية بكفاية مخزون القمح واستقرار ورود الشحنات المتفق عليها من روسيا. وبطبيعة الحال، يمكن قراءة ذلك كنوع من التحوط، رغم إصرار مسؤولي النظام على أن حظر روسيا لصادرات القمح، لا يشمل سوريا. لكن في المقابل، فإن بيان وزارة التجارة الداخلية، الصادر مطلع الأسبوع، والذي تحدث عن أن “مخزون القمح بخير”، وأن لا قلق على مادة الخبز، أشار إلى مصدر ثقة الوزارة بهذا الخصوص، في سياق البيان ذاته، إذ تقول الوزارة إن “موسم القمح (المحلي) قد اقترب وسيتم تسوقه من مزارعينا بأسعار أفضل من أسعار السوق”. ذاك الرهان، سبق أن أطلقته حكومة النظام أكثر من مرة، على مدى السنوات الثلاث الماضية، وفي كل مرة كانت تفشل، وتقر في نهاية الموسم أنها لم تحصّل إلا نسبة ضئيلة من القمح المحلي، الذي تسرّب إلى تجارٍ أو إلى خارج البلاد، نظراً للعجز عن دفع أسعار جذّابة للمزارعين. وهذا ما حدا، مثلاً، بوزير التجارة الخارجية، سامر خليل، للقيام بزيارة إلى شبه جزيرة القرم –التابعة للسيطرة الروسية-، مطلع العام الجاري، وذلك لبحث فرص استيراد حاجة سوريا من القمح المقدّرة بمليون ونصف المليون طن. الرهان على روسيا وتابعاتها –القرم مثلاً-، تضاءل بإقرارٍ من مدير عام مؤسسة الحبوب، الذي طرق أبواب الهند قبل أسبوع، للتعاقد على توريد 200 ألف طن قمح، نظراً لارتفاع أسعار استيراد القمح الروسي من 317 دولار إلى 400 دولار. وفي سياق تصريحه، أطلق مدير عام مؤسسة الحبوب إشارة خطيرة، مفادها أن العقود القديمة مع روسيا يتم توريدها بالتدريج وبالسعر القديم، وهي مقدّرة بـ 300 ألف طن. لكن وزير التجارة الخارجية كان قد تحدث عن حاجة سوريا لـ 1.5 مليون طن، مطلع العام فقط.. فهل هذا يعني أن التعاقدات مع روسيا، لا تغطي كامل الحاجة السورية حتى نهاية العام؟ يبقى الجواب برسم مسؤولي النظام الاقتصاديين، الذين تتضارب تصريحاتهم، بصورة لا تُطمئن بأن رغيف خبز السوريين “بخير”، حسب وصفهم، وتدفع للوقوف بجدية عند تسريبات بعض وسائل الإعلام المعارضة التي تفيد بأن مخزون القمح لدى حكومة النظام يكفي لشهر واحدٍ فقط، لا أكثر.
في السياق نفسه، جاءت تصريحات وزير النفط في حكومة النظام، الذي كشف فجأةً، -وللمصادفة-، بعد زيارة الأسد للإمارات، عن أن سوريا تستورد 3 مليون برميل نفط خام شهرياً، من خلال خط الائتمان الإيراني، و”الخط الخاص”. والأخير، لم يتم توضيح القصد به. لكن تلك الإشارة كفيلة بتذكير الجميع، بأن شريان حياة سوريا، -النفطي-، يأتي من طهران، وبقيمة تتجاوز 300 مليون دولار شهرياً، حسب الأسعار الرائجة لخام برنت، حالياً. وسيُضاف إليه، الغاز المنزلي، وفق التصريحات الأخيرة لوزير النفط. أي أن إيران تمد نظام الأسد بـ 3.6 مليار دولار، على الأقل، مشتقات نفطية، بصيغة ديون آجلة. وهذا يحيلنا إلى حجم الإنفاق المالي الذي تبذله إيران في سبيل حليفها، ويدفعنا للتساؤل على هامش النظرية “الساذجة” المتداولة عن أن الإمارات تسعى لجذب الأسد بعيداً عن طهران، هل أبوظبي بوارد دفع ما يتجاوز 3.6 مليار دولار سنوياً، لـ “جذب” الأسد؟ هذا إن افترضنا –نظرياً- أن القرار بيد الأسد أساساً، وأن الأخير قادر على الابتعاد عن طهران. ونُذكّر هنا فقط بالأزمة الخانقة التي شهدت فيها سوريا أطول طوابير انتظار أمام محطات الوقود-ربما في التاريخ-، وذلك بعيد تجميد خط الائتمان الإيراني، نهاية العام 2018 وخلال الأشهر الأولى من العام 2019، قبل أن تعيد طهران تفعيل الخط مجدداً.
باختصار، لا سعر الصرف، ولا أسعار السلع بالسوق، ولا حتى تصريحات وتحركات مسؤولي النظام الاقتصاديين، توحي بـ “بشائر” اقتصادية قريبة في سوريا، جراء زيارة الأسد للإمارات. فالأيام القادمة، بإقرار جميع النشطاء في الوسط الاقتصادي السوري، ستكون صعبة للغاية، خاصة مع قفزات الأسعار المرتقبة في رمضان.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت