أهداف اقتصادية وراء تقارب الإمارات مع الأسد..من المستفيد الأكبر؟
على مدى السنوات الأربع الماضية، طرأت تغيرات في العلاقة العلنية بين نظام الأسد والإمارات العربية المتحدة، بعد قطيعة دبلوماسية انسجمت حينها مع الموقف العربي والخليجي من النظام في بداية الثورة السورية.
وبدأت التغيرات بعودة العلاقات الدبلوماسية وافتتاح السفارة الإماراتية في دمشق، في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2018، وصولاً إلى زيارة رئيس النظام، بشار الأسد، الشهر الماضي للإمارات، ولقائه بنائب رئيس الدولة وحاكم أبو ظبي محمد بن زايد، ونائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم.
الزيارة، وإن كان الهدف الأول منها سياسي بهدف “تكريس الدور العربي في الملف السوري وقناعة إماراتية بضرورة التواصل السياسي والانفتاح والحوار على مستوى الإقليمي”، حسب ما قاله المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات، أنور قرقاش، إلا أنه لا يمكن إغفال الأهداف الاقتصادية التي يمكن أن تنتج عن الزيارة، خاصة لنظام الأسد.
استثمارات سابقة
كان للشركات الإماراتية قبل 2011 حضوراً قوياً في السوق السوري، من خلال استثمارات ضخمة تصل إلى مليارات الدولارات، إذ وصل حجم الاستثمارات الإماراتية في سورية إلى 20 مليار دولار أمريكي، حسب ما قاله وزير تطوير القطاع الحكومي في الإمارات، سلطان بن سعيد المنصوري، في يناير/ كانون الثاني 2008.
ومن أهم المشاريع التي كانت تستثمرها الشركات الإماراتية كان مشروع شركة إعمار الإماراتية وهو “البوابة الثامنة” في دمشق، ومشروع “خمس شامات” في منطقة يعفور بتكلفة مليار دولار، ومشروع “مدينة بنيان” الذي وُقع بين المستثمر السوري، شاهر محمد رياض التقي، و”مجموعة بنيان الإماراتية” لتطوير مشروع عقاري استثماري سياحي تقدر قيمته الاستثمارية بحوالي 15 مليار دولار بالقرب منطقة قطنا بريف دمشق، حسب ما نشرت صحيفة “البيان” الإماراتية.
إلا أن هذه المشاريع توقفت جميعها بعد اندلاع الثورة السورية، وانقطاع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وسحب السفير الإماراتي من سورية.
وبعد عودة العلاقات السياسية، عاد الحديث عن تطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين، إذ زار وفد من شركة “داماك العقارية الإماراتية” العاصمة دمشق في 2018، لمناقشة إقامة مشاريع استثمارية جديدة في المرحلة المقبلة.
كما كشف معاون وزير السياحة في حكومة الأسد، غياث الفراح، أواخر 2021، عن اتصالات تجريها الوزارة مع شركة “الفطيم الإماراتية” لتفعيل مشروع “خمس شامات”.
وفي 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 اتفق وزير الاقتصاد الإماراتي عبد الله بن طوق المري، مع وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية في حكومة الأسد، محمد سامر خليل، على خطط لتعزيز التعاون الاقتصادي واستكشاف قطاعات جديدة.
وقالت وزارة الاقتصاد الإماراتية حينها، إن أبو ظبي تُعد “أهم الشركاء التجاريين لسورية على المستوى العالمي”، مضيفة أن حصة الإمارات من تجارة سورية الخارجية تصل إلى 14%، كما أوضحت أن “حجم التجارة غير النفطية بين البلدين بلغ مليار درهم (272 مليون دولار) في النصف الأول من 2021”.
وعود اقتصادية
عقب زيارة الأسد، بدأ الحديث عن انفراج اقتصادي وإطلاق وعود من قبل رجال أعمال واقتصاديين في نظام الأسد، إذ اعتبر رئيس مجلس الأعمال السوري- الإماراتي، محمد غزوان المصري، أن سورية “ستشهد عقب الزيارة مرحلة قادمة للانفتاح والانفراج الاقتصادي”.
وتحدث المصري، لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، عن عدد من المشاريع قيد البحث والدراسة مع الإمارات، مشيراً إلى أن زيارة الأسد ستضع هذه المشاريع على “السكة الصحيحة، وستكون الدافع لبدء تنفيذها في سورية”.
كما اعتبر أن الزيارة ستشجع المستثمرين الإماراتيين بشكل أكبر، للبدء في تنفيذ المشاريع المخطط تنفيذها في سورية، وخاصة في قطاعات الطاقة والزراعة والتطوير العمراني والصناعي.
إلا أن الباحث في الاقتصاد، فراس شعبو، يرى أن عودة العلاقات بين البلدين لن يغير شيئاً من الواقع الاقتصادي على الصعيد الداخلي في سورية، لأن الإمارات تسعى إلى كسب مواقف سياسية أكثر من مواقف اقتصادية.
ووصف شعبو لـ”السورية.نت” الوضع الاقتصادي في سورية بأنه “سيء جداً ويحتاج إلى مئات المليارات ولا يحل بعلاقةٍ مع دولة ما”، معتبراً أن الموضوع في سورية معقد والأمور تحتاج إلى إعادة هيكلة الاقتصاد قبل إعادة هيكلة العلاقات الخارجية مع النظام.
وأكد شعبو، أنه “لا يوجد في سورية اليوم ما يشجع الإمارات اقتصادياً، لأن روسيا وإيران سيطرا على كل شيء وما بقي هو بيد رجال أعمال تابعين للنظام”، معتبرا أن “المستفيد الاقتصادي الأكبر من عودة العلاقات هو النظام، إذ سيشكل له فرصة لتحريك الأموال وإدخالها إلى سورية عبر رجال أعمال تابعين للنظام وليس الدولة بسبب العقوبات المفروضة عليها”.
من جهته أكد مدير الأبحاث بمركز السياسات والعمليات ومدير برنامج سورية في مرصد الشبكات الاقتصادية والسياسية، كرم شعار، أن المكاسب الاقتصادية من عودة العلاقات، في حال وجدت سوف تكون “منافع محدودة”.
وبرر شعار السبب بأن القطاع الخاص هو من يقود عملية الانفتاح الاقتصادي بين النظام والإمارات، وهو حال أي قطاع في الدول الأخرى يبحث عن الربح ويبتعد عن المخاطرة، والاثنين في سورية غير متوفرين، بسبب عدم وجود استقرار سياسي.
خمسة أهداف اقتصادية
من جانبه يتفق المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، مع تخوف المستثمرين الإماراتيين من السوق السورية لسببين، الأول هو الخوف من عقوبات قانون قيصر، والسبب الثاني بأن نظام الأسد لم يعد صاحب الكلمة النهائية في الملف السوري وهذا لا يشجع دخول رأس المال الإماراتي.
أما عن الدوافع الاقتصادية من التقارب، فقد اعتبر الكريم، في حديث لـ”السورية. نت”، أن كلا الطرفين لهما مصالح، فالنظام يحتاج الاستفادة من علاقات الإمارات الدولية لإعادة توظيفها من أجل تعويمه وفك الحصار عن أمواله وتقبله سياسياً، والإمارات تحاول الحصول على مكاسب سياسية إلى جانب امتيازات اقتصادية كبيرة.
وحدد الكريم هذه الامتيازات الاقتصادية بخمسة أهداف، الأول محاولة الإمارات المشاركة في إدارة خطوط أنابيب الغاز المتفق على إنشائها في المستقبل من قطر وإيران إلى سورية فالبحر المتوسط، أما الهدف الثاني فإن سورية تعتبر بوابة لإعادة إعمار العقارات في منطقة الشرق الأوسط.
الهدف الثالث، حسب الكريم هو محاولة استثمار ميناء اللاذقية ولبنان، إضافة إلى بناء شبكة طرقات وبنى تحتية تصل ما بين تركيا والخليج العربي وشمال إفريقيا، في حين اعتبر أن الهدف الخامس هو محاولة إعادة استثمار النفط في سورية ومشاريع الطاقة المتجددة، وهذه مشاريع قديمة كانت تتواجد الإمارات بها، حسب قوله.