شهدت الأيام الثلاثة الماضية سلسلة تصريحات لمسؤولين وزعماء أحزاب سياسية في تركيا، وركزّت في غالبيتها على ملف السوريين في البلاد، ومستقبلهم و”مساعي إعادتهم” إلى الداخل السوري، فيما كان لافتاً الحديث اللافت الذي أدخل نظام الأسد على المشهد، بصورة غير مباشرة.
وأثارت التصريحات حالة من القلق والخوف بين أوساط السوريين، لاسيما في ظل الحديث عن تحوّل ملفهم في الوقت الحالي إلى “ساحة مناكفات سياسية”، يرتبط جزء كبير منها بالانتخابات الرئاسية التي ستشهدها البلاد، في يونيو / حزيران 2023.
“تواصل مع الخارجية”
وكان أول من تحدث عن نظام الأسد، في الفترة الأخيرة زعيم “حزب النصر“، أوميت أوزداغ، والذي يعرف بمناهضته للسوريين، وكان قد اتبع مساراً ضد وجودهم في تركيا، منذ سنوات.
وأعلن أوزداغ في أثناء حديث للصحفيين، الأربعاء أنه “سيبدأ عملية تفاوض مع الحكومة السورية، من أجل عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم”.
وقال، بحسب ما نقلت وسائل إعلام تركية إن “الاجتماع الأول سيعقد مع وزارة الخارجية السورية غداً (الخميس)”، وهو الأمر الذي لم يؤكده النظام السوري أو مصادر في الحكومة التركية.
ولا يحظى “حزب النصر” بثقل شعبي داخل تركيا، وهو ما تشير إليه استطلاعات الرأي التي تنشر إحصائياتها بين الفترة والأخرى في تركيا.
وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها زعيمه أوزداغ عن مساعي التواصل مع نظام الأسد.
إذ سبق وأن أعلن ذلك خلال الأشهر الماضية، بالتزامن مع الحملات التحريضية التي كان يقودها لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، بزعم أن “سورية آمنة”.
“لا ضمانات”
ولا تعترف تركيا بالنظام السوري منذ بدء الاحتجاجات الشعبية في سورية عام 2011.
ومنذ ذلك الوقت تشهد العلاقات التركية-السورية قطيعة، في ظل دعم أنقرة لفصائل المعارضة في الشمال السوري، إضافة إلى تمسكها بموقفها السياسي اتجاه الأسد ونظامه.
في حين بقيت القناة الاستخباراتية “مفتوحة”، وهو الأمر الذي أكد عليه المسؤولين الأتراك والتابعين لنظام الأسد في أوقات متفرقة.
وبعد ساعات من التصريحات التي أدلى بها أوزداغ، ورد ذكر النظام السوري على لسان وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، خلال مقابلة تلفزيونية على قناة “cnn turk”.
وأعلن جاويش أوغلو، بدء مرحلة جديدة لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم بـ”بشكل آمن وطوعي”، بالتعاون مع ثلاث دول، هي لبنان والأردن والعراق.
وقال: “يجب حل الأزمة (السوريين في تركيا) في إطار القانون الدولي، ويجب على الاتحاد الأوروبي والمنظمات الدولية التعامل مع الأسد بهذا الخصوص، فإن كان النظام سيقدم ضمانات عليه أن يقدمها لتلك الأطراف”.
كما أكد الوزير التركي أن نظام الأسد أصدر العديد من مراسيم العفو، لكن لا يمكنه تقديم ضمان حماية السوريين العائدين وحاجاتهم الأساسية، و”لو كان الأمر كذلك لما بقي لاجئون في لبنان”.
“عرض ووسيط”
في غضون ذلك كان لافتاً، خلال الأيام الماضية، أيضاً التصريحات التي صدرت عن رئيس “حزب الوحدة الكبرى” التركي، مصطفى دستجي.
وقال دستجي، الخميس، في حديث نقلته وسائل إعلام تركية إنه “تلقى عرضاً للقاء نظام الأسد”، مضيفا: “ذهبت بعض أحزابنا في عام 2013، واجتمعوا مع الأسد. لم نذهب. لم نتشاور مع دولتنا أو الحكومة أو الخارجية”.
وتابع: “الآن تلقينا عرضاً بأن نكون وسيطاً. هناك مجموعات مقربة من نظام الأسد وحتى من التركمان. مثل هذا الرأي جاء إلينا من بعض السياسيين وبعض المسؤولين في سورية كانوا على اتصال بتلك المنطقة”.
ووفق كلمات دستجي: “اتخذنا قراراً بالتشاور مع دولتنا وحكومتنا وشؤوننا الخارجية. لم نذهب إلى الاجتماع لأننا وضعنا دولتنا وأمتنا في المقام الأول”.
وتطرق زعيم الحزب التركي إلى الانتقادات الموجهة لإرسال اللاجئين السوريين إلى بلدانهم، مشيراً إلى أن القضية لها “بعد إنساني وضميري وديني”.
وأكد على فكرة أنه و”عندما تنتهي الحرب، يجب إرسال جميع اللاجئين إلى سورية إذا كانوا سوريين، وإلى أفغانستان إذا كانوا أفغان، وأوكرانيا إذا كانوا أوكرانيين “.
ماذا عن النظام؟
وحتى الآن لا يعرف بالتحديد الأسباب التي دفعت زعماء الأحزاب السياسية لإقحام نظام الأسد على مشهد السياسة الداخلية للبلاد، والحديث المتعلق بعودة السوريين إلى سورية.
وفي الرابع مع شهر أبريل / نيسان الحالي كانت صحيفة “حرييت” المقربة من الحكومة قد نشرت تقريراً تحدثت فيه عن تقييمات وتوجه تبديه أنقرة لفتح حوار مع النظام السوري، حول 3 مواضيع.
وقالت الصحيفة إن “التقييمات تجري بأن العملية التي بدأت لإنهاء الحرب في أوكرانيا، ستخلق فرصة جديدة في العلاقات بين أنقرة ودمشق”.
وكشفت “حرييت” نقلاً عن مصادر حكومية أنه “تجري الآن مناقشة محاولات من قبل الحكومة التركية للشروع في حوار مع الإدارة السورية حول ثلاثة مواضيع مهمة”.
وهذه المواضيع هي: “الحفاظ على الهيكل الوحدوي (وحدة البلاد) ووحدة الأراضي السورية، وضمان أمن اللاجئين العائدين إلى بلادهم”.
وهذه المعلومات نفيت من جانب النظام السوري، في تصريحات منفصلة نقلتها صحيفة “الوطن” شبه الرسمية أولاً، ومن ثم صحيفة “البعث”.
وتستضيف تركيا ما يزيد على 3.7 مليون سوري، بحسب دائرة الهجرة التركية.
وتثير تصريحات المسؤولين الأتراك قلق السوريين المتواجدين في تركيا، خاصة أن الأشهر القادمة هي تمهيدية للانتخابات البرلمانية والرئاسية التي ستشهدها تركيا سنة 2023، وعادة ما ترتفع الخطابات المعادية لتواجد السوريين في تركيا قبل تنظيم انتخابات.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان قد صرح، الأربعاء، بأنه “مع انتهاء تشييد البيوت المصنوعة من الطوب في سورية سنأمن عودتهم. سيتم تأمين بيئة آمنة، وسيعودون طواعية من تلقاء أنفسهم”.