لم يكن انتشار اسم الباحثة السورية، أنصار شحود على وسائل الإعلام الغربية والعربية ومواقع التواصل الاجتماعي “حدثاً اعتيادياً”، خلال الأيام الماضية، وإنما جاء بعد عمل وصفه سوريون بأنه “بطولي”، على مدى عامين ماضيين.
وكشفت “شحود” في تحقيق لها نشرته صحيفة “الغارديان” عن حيثيات وتفاصيل مجزرة “مروعة” قام بها عناصر من قوات الأسد في حي التضامن بدمشق في عام 2013، وراح ضحيتها أكثر من 250 مدنياً.
وتحمل الباحثة درجة الماجستير في دراسات الهولوكوست والإبادة الجماعية من جامعة أمستردام و”معهد NIOD” (المعهد الهولندي لدراسات الحرب والهولوكوست والإبادة الجماعية).
وتعاونت في تحقيقها مع البروفسور التركي أوغور أوميت أوغور، أولاً في أثناء حصولهما على التسجيل المصور الذي وثّق الجريمة بتفاصيل دقيقة، وفيما بعد بالتواصل مع الجاني “أمجد يوسف”، بعد انتحال صفة شابة مؤيدة للنظام السوري، عبر “فيس بوك”.
وأظهر التسجيل المصور عناصر من مخابرات نظام الأسد، وهم يعدمون عدداً من المدنيين وهم معصوبي الأعين، وأيديهم مقيدة، قبل دفعهم إلى حفرة وإطلاق الرصاص عليهم ومن ثم حرقهم، في حي التضامن بدمشق.
كما كشف التحقيق عن هوية الجناة، على رأسهم “يوسف”، والذي كان يشغل بعد عام 2011 صف ضابط “مُحقِّق”، في فرع المنطقة أو الفرع 227، وهو فرع تابع للأمن العسكري “شعبة المخابرات العسكرية”.
وفي ما يلي حورا أجراه موقع “السورية. نت” مع الباحثة السورية، للوقوف على خفايا “مجزرة التضامن” وأهمية التحقيق، والخطوات اللاحقة لملاحقة المجرمين.
ما أهمية الفيديو؟
تحدثت شحود عن أهمية التحقيق، واعتبرت أنها تعود إلى مكان ارتكاب المجزرة، وهو حي التضامن الذي كان خاضعاً، حينها، لسيطرة نظام الأسد، وليس مناطق المعارضة.
وتقول شحود إن “المجزرة هي عملية تطهير كانت موجودة في حي التضامن، الذي كان خاضعاً لسيطرة النظام، وهذه أول مرة تجري بهذا الشكل”، مضيفةً أن ذلك دليل يثبت بأن “جرائم النظام ليست موجهة ضد مناطق المعارضة فقط، وإنما ضد كل شخص يخالفه”.
وأكدت شحود أن عملية التطهير جرت في الحي بين عام 2013 وحتى 2015، إذ كانت عمليات القتل تجري بشكل يومي في المنطقة، و”الحفرة التي ظهرت في الفيديو لم يتم ردمها في ذلك الوقت، واستخدمت أكثر من مرة لنفس طريقة القتل”.
وأشارت الباحثة السورية إلى أن الـ 41 ضحية الذين ظهروا في الفيديو هم جزء من آلاف الضحايا، وأن الفيديو هو دليل من أدلة أخرى جمعت في التحقيق، الذي توصل إلى 27 مقطعاً مصوراً. جميعها تحوي على مشاهد قتل في نفس المنطقة، ونفس المكان وأسلوب القتل.
وأكدت الباحثة أن ما يميز الفيديو هو “طريقة القتل المروعة التي قام بها أمجد ورفاقه في الفرع”، إذ أن “الطريقة فيها روتين قتل، عبر ارتكاب الجريمة دون توجيه أي كلام للضحية، التي لم تقاوم وسط صمت مرعب”.
كما يميز التسجيل بأن المجزرة وقعت في وضح النهار، وعدم وجود أصوات رصاص أو مواجهة أو مقاومة، “فالضحايا هم مدنيون عزل تم اعتقالهم من منازلهم أو الحواجز المحيطة”.
كما أكدت شحود أن التسجيل هو “جزء من جريمة أكبر والتي هي العبودية الجنسية، والاغتصابات التي تمت للنساء لسنين طويلة، إضافةً إلى الاستيلاء على الأملاك في المنطقة وتحويلها لسجون، إذ يوجد 50 سجناً في المنطقة إلى جانب عمليات التعذيب والقتل و”السخرة”.
هل هي مجزرة طائفية؟
ما جرى في حي التضامن وعملية التطهير يعود إلى عدة أسباب، حسب الباحثة السورية.
وأبرز هذه الأسباب يعود إلى “اختلافات سياسية واجتماعية وطائفية”، إضافةً إلى ظهور العمل المسلح من قبل “الجيش الحر”، كرد فعل على قمع النظام للمظاهرات واقتحام الحي، وهو ما أجج العنف من حال قمعية إلى حالة تطهير، ووضع جزء من أهالي الحي في مواجهة الجزء الآخر، حسب قولها.
وطالبت شحود بعدم التركيز والحديث عن وجود أبعاد طائفية في ارتكاب المجزرة في حي التضامن، خاصةً وأن مرتكب المجزرة وهو “أمجد يوسف” ينحدر من الطائفة العلوية، وإنما التركيز على “وجود نظام سياسي وأفرع مخابرات تقف وراء ذلك”.
وقالت شحود إن “التحقيق لم يذكر بأن المجزرة طائفية، بينما ذكر الطائفة التي ينحدر منها أمجد “يعود إلى ضرورة العمل البحثي، وتحليل شخصيته ونفسيته حول سبب القتل”.
وأضافت أنه لا يمكن أن “ننكر وجود شي طائفي بالجريمة لكن ليس هو الأساس. ممكن الطائفية جزء لكن ليس هي المسبب الأساسي للعنف.
كما “لا يمكن تفسير عملية القتل بحامل الطائفية كحامل وحيد، وإنما وجود قرار سياسي من قبل النظام، إذ أن أمجد ابن مؤسسة يأتمر بأوامرها، ودون موافقة النظام السياسي وأجهزة الأمن والحصول على ضوء أخضر، لم يكن له واغيره من المجموعات الموالية للنظام بكل طوائفها ارتكاب المجازر”.
وأكدت أن “الهدف العام للنظام إلغاء أي طرف آخر يمكن أن يشكل تهديد له، وعقاب جماعي لكل من يفكر الوقوف ضد النظام بغض النظر عن طائفته، فأي شخص يشكل خطراً على النظام هو عدو يحق له تصفيته”.
وأوضحت شحود أن التحقيق الذي نشرته الصحيفة والفيديو الذي انتشر شارك فيه سبعة أشخاص من الأقليات، ولم يكن لأحد منهم هدف طائفي وإنما العدالة.
وحول إمكانية تصفية أمجد يوسف من قبل نظام الأسد، اعتبرت شحود أن “النظام ليس غبياً لاغتيال أمجد وتهديد الأشخاص الذين يعملون معه بطريقة وفية”.
واعترضت شحود على نشر صور عائلة أمجد يوسف على مواقع التواصل الاجتماعي وأرقام أقاربه، معتبرة أن الشخص متهم فقط وليس العائلة وليست الطائفة.
كما اعترضت على نشر التسجيل الكامل، وظهور صور للأشخاص الذين تم تصفيتهم، معتبرةً أن ذلك يؤذي عائلاتهم، بقولها: “إن عائلات هؤلاء من حقهم أن يصلهم خبر مقتل ابنهم بطريقة فيها كرامة لهم واحترام إلى جانب اعتناء بنفسيتهم”.
ما الخطوات المقبلة؟
تحدثت شحود لـ “السورية. نت” عن الخطوات المقبلة بعد نشر الفيديو، وأكدت تسليم جميع الفيديوهات التي كانت بحوزتهم إلى الشرطة الدولية الهولندية والألمانية والفرنسية، والتي ستقوم بدورها التواصل مع منظمات حقوق الإنسان.
وأكد شحود أنها كباحثة ستستمر في البحث عن جناة الحرب في سورية.
واعتبرت أن “أهم ما يميز التحقيق هو الحفاظ على سردية الحرب في سورية، وتوثيقها بعيداً عن اتهامات شخصية، وعدم السماح للنظام باختراقها وإضعافها وطمسها كما حصل في مجازر حماة”.