تتكامل مؤشرات دخول العالم في مرحلة جيوستراتيجية جديدة مقوماتها العودة إلى ما يشبه حقبة الحرب الباردة. حرب من شأنها إعادة انقسام دول العالم بين موقفين متناقضين، ولكن هذه المرة مؤشرات الانقسام راجحة لصالح الولايات المتحدة الأميركية إلى حدود بعيدة، فيما هناك دول تقف على الحياد نسبياً ووفق المعايير السياسية والاستراتيجية للمواقف كما هو الحال بالنسبة إلى إيران والصين والهند.
تؤسس الولايات المتحدة الأميركية لما يشبه التحالف الدولي لمواجهة روسيا وهو ما شهدته العاصمة الألمانية برلين الأسبوع الفائت. في المقابل، يسعى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تحقيق إنجاز عسكري قبل تاريخ التاسع من أيار ذكرى الانتصار على النازية. هو انتصار يريد له بوتين مقومات معنوية في حين إن أمد حرب الاستنزاف سيطول، فتتحول أوكرانيا إلى قسم شرقي موال للروس وقسم غربي موال للغرب.
ولو أعلن بوتين الانتصار في الحرب، ولكن روسيا ستكون قد خسرت سوق النفط العالمي، ما يؤشر إلى الدخول في حرب باردة جديدة، غالبية الدول تبدو على يقينية إزاء هذا الاتجاه وبدأت تجري حساباتها على هذا الأساس، والنتيجة الحتمية لهذه الحرب تغيراً جوهرياً في بنية النظام العالمي وتركيبته وموازين القوى فيه. بناء عليه تعمل الدول على البحث عن مصالحها من خلال إعادة رسم مسارات لعلاقاتها الدولية وفقاً لمصالحها التي ستفرض عليها عمليات إعادة التموضع، وهنا كانت باكستان الدولة المثال على ذلك بعد إسقاطة عمران خان الذي لم يكن على علاقة جيدة بالأميركيين.
الهند ليست بعيدة أيضاً فالرئيس الهندي لم يستقبل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وهذا مؤشر على الرغم من الصراع الهندي الباكستاني المستمر والتاريخي، إلا أن الولايات المتحدة الأميركية تجمع الدولتين على خط سياسي واحد.
التغير في الموقف الباكستاني تجاه أميركا والسعودية يمثل تحولاً في المسارات الاستراتيجية، ويتكامل ذلك مع موقف تقاربي أكثر من قبل الهند باتجاه الولايات المتحدة، في حين تزامنت زيارة رئيس الوزراء الباكستاني إلى السعودية مع زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، هنا يلعب أردوغان دوراً استثنائياً في مسار الحرب الروسية الأوكرانية، فهو صحيح أنه يعلن وقوفه على الحياد لكنه يمنع القوات العسكرية الروسية من الانتقال إلى سوريا في الأجواء التركية، ويمنع القطعات العسكرية البحرية الروسية من المرور في مضيق البوسفور، وهو موقف واضح يتعارض مع ما تريده موسكو، في حين يعزز أردوغان دوره من خلال لعب دور الوساطة أو رعاية المفاوضات.
وهذا الأمر يمكن أن يستكمل وفق مسار استراتيجي تركي سعودي بعد زيارة أردوغان إلى السعودية، خصوصاً أن معلومات مؤكدة تشير إلى أن الاتصال الأخير الذي أجري بين ولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين انطوى على إبداء السعودية استعدادها للقيام بدور الوساطة للانتهاء من الحرب، هنا لا بد من حصول تنسيق سعودي تركي في هذا الصدد. وسيكون له نتائج متعددة على الوضع في منطقة الشرق الأوسط، إلى جانب التقارب السعودي التركي على صعيد العلاقات البينية، كان هناك توافق أيضاً حول ضرورة استكمال مسار تحسين العلاقات التركية المصرية، وهذا كان ملفاً حاضراً بقوة في اللقاءات التي عقدها أردوغان بالسعودية، وعاد وصرّح بأن المباحثات التركية المصرية ستكون على أرفع المستويات ما يعني الدخول في مرحلة التحضير لعقد لقاء بين الرئيسين التركي والمصري.
مؤشرات هذه الحرب والتحولات ستنعكس على الوضع في منطقة الشرق الأوسط، إذ أن كل المؤشرات تفيد بأن حلفاء روسيا في المنطقة هم الذين سيدفعون الثمن، وعلى رأس القائمة يحل النظام السوري، خاصة في ظل التقارب التركي السعودي والموقف الثابت من قبل الطرفين حول معارضة التطبيع مع النظام السوري، ما يعني أن مسار إعادته إلى الجامعة العربية أمر أصبح مستبعداً، ذلك يتطابق مع سعي الأتراك للعب دور أبرز وأوسع في سوريا، كذلك يتطابق مع إعادة تنشيط الولايات المتحدة الأميركية لدعم الأكراد في مواجهة النظام السوري، وما سيكون له انعكاسات على الأرض، سيكون له تبعات سياسية بالتأكيد. هذه كلها لا يمكن فصلها عن مسار التفاوض السعودي الإيراني المستمر، ومقومات نجاحه مرتبطة بشكل واضح بملف اليمن، ويليه ملفات العراق وسوريا ولبنان.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت