لماذا يجري الجيش الاسرائيلي منذ أسابيع كل هذه المناورات والتدريبات، التي تذاع أخبارها المفصّلة والمصوّرة على مدار الساعة، مثل نشرات الطقس.. طالما أنه ليس ذاهباً الى حرب، وليس مهدداً من أي جيش، وليس معرضاً لأي خطر؟
في الذاكرة مقولة لا تنسى: “إسرائيل هي عبارة عن جيش إنشئت له دولة، وليست دولة شكلت جيشها في ما بعد قيامها”. هذا الجيش الذي يجري أكبر وأضخم مناورات عسكرية في تاريخه، حسب بياناته الرسمية، لا يبدو أنه يقوم بتجديد دوره التأسيسي للكيان، ووظيفته التقليدية المتعالية على السياسة الداخلية، والقادرة على احتواء الصراعات السياسية والحزبية التي تنخر الحكومة والكنيست وبقية المؤسسات الرسمية.. كما لا يبدو أنه يقوم بهذا الاستعراض الواسع للقوة والهيبة أمام الجمهور الاسرائيلي، الخائف أو “القلق” على مستقبل الدولة والكيان، حسب بعض السرديات والخطابات العربية “المقلقة”!
لهذا الاستعراض وظيفة عملانية لا شك فيها. كل الجيوش تجري مناورات سنوية او فصلية، وفق برامج تدريب محددة، وبناء على عقيدة عسكرية ثابتة، بغض النظر عن احتمالات الحرب مع العدو المرسوم في الخطط القتالية، بل بهدف الدعاية والترويج والتسويق، فضلا عن التحذير طبعاً. لكن حجم الدعاية الاسرائيلية أكثر من أي وقت مضى.
المناورات تركز على سلاح الجو، وتشمل المدى الذي بات يبلغه هذا السلاح، منذ أن صار يطير في أجواء الخليج والبحر الاحمر.. وأخيراً قبرص التي فتحت قبل ايام مجالها الجوي للطيران الاسرائيلي ، لا ليقوم بتدريبات على التحليق في أجوائها، بل لكي يشن غارات على أهداف افتراضية معادية، ولكي يدعم وحدات برية تنفذ عمليات خاصة وإشتباكات في بيئة جغرافية مطابقة للجغرافيا اللبنانية! في ما يبدو أنه توقيع لافت على رسالة التهديد الاسرائيلية الموجهة الى لبنان، والتي جرى التعبير عنها في أكثر من بيان رسمي خلال الاسابيع الماضية، كما في اكثر من مناورة بالذخيرة الحية نفذها العدو الاسرائيلي على الحدود اللبنانية الجنوبية( آخرها صباح الخميس في مزارع شبعا)، كما في أكثر من عملية إختراق للحدود السورية في مرتفعات الجولان المحتلة، بحيث بدت الجبهة الشمالية للجيش الاسرائيلي وكأنها ساحة حرب فعلية.
المناورات هي أيضا، حسب التوصيف الاسرائيلي عمل تدريبي روتيني، لكنها ايضا إجراء تحذيري للقوى المنتشرة على الجانب اللبناني والسوري من الجبهة الشمالية من أي عمل أمني، ليس وارداً الاقدام عليه من أي من تلك القوى، بل قد يكون مجرد ردٍ على إعتداء اسرائيلي ما، كما حصل في مرات عديدة سابقة. ومثل هذا الاعتداء الذي يستدعي الرد، لم يعد يشمل العمق الايراني الذي بات الاسرائيليين يخترقونه من دون الحاجة الى جيشهم، ومن دون الحاجة الى جر قوات الحرس الثوري الايراني( وهي بديل الجيش ورديفه) الى حرب تقليدية.
المواجهة الاسرائيلية الايرانية غير التقليدية لم تهدأ، ولم تهدأ في القريب المستقبل القريب، طالما ان عملياتها الخاصة من الجانب الاسرائيلي تحديداً تفي بالغرض وتحقق الهدف المنشود، وهو ارباك الداخل الايراني ودفع القيادة الايرانية الى الانكفاء عن جبهات اليمن والعراق وسوريا، والعودة الى داخل حدود إيران الدولية. والمناورت الاسرائيلية بهذا المعنى لا تخدم أي غرض سوى الإدعاء أو حتى الاحتفاء بالنصر الاسرائيلي، المتوّج بتعطيل العودة الى الاتفاق النووي بين الغرب وبين إيران، التي بات حصارها خانقاً أكثر من أي مضى منذ قيام الجمهورية الاسلامية قبل 43 عاماً.
لكن هذا الاحتفال العسكري الاسرائيلي، يجري في مسار مواز لواحدة من أعنف الحملات الامنية الاسرائيلية على الداخل الفلسطيني، الذي بات يقدم كل يوم تقريبا نحو ثلاثة شهداء، وعشرات الجرحى، ومئات المعتقلين، في ما يبدو أنها خطة مدروسة لتحطيم الارادة الفلسطينية، وتصفية الحلم بالدولة والعاصمة المستقلة..تحت غطاء الطيران الحربي الاسرائيلي الذي يسد الأفق الفلسطيني، ويناور في بقية الآفاق.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت