موسكو والغارات “الشريرة” على مطار دمشق
في حديثه للمحطة الروسية “آر تي” أجاب رئيس النظام السوري بشار الأسد عن سؤال المذيعة عن رأي نظامه في العدوان الإسرائيلي المتكرر على السيادة السورية، خصوصاً بعد ساعات من الغارة الاسرائيلية على مطار دمشق ومحيطه بتاريخ 10 حزيران/ يونيو الحالي، فربط العدوان الإسرائيلي بـ”تقهقر الإرهابيين” على الأرض.. عبارة ظل يكررها إعلام الأسد منذ اندلاع الثورة السورية، ومع كل تبرير للعدوان الصهيوني بوصفه مساندا لـ”لإرهابيين” السوريين استطاع جيش الأسد مضاعفة انتصاراته على ملايين الضحايا من اللاجئين والمذبوحين في زنازينه والمحطمة مدنهم وقراهم.
أجاب الأسد عن سؤال ما مصير إدلب؟ فاعتبرها “محتلة” وأن جيشه يتجهز لمواجهة الإرهابيين هناك عندما تتاح الظروف.
موقف رأس النظام السوري من العدوان الإسرائيلي على السيادة السورية واحتلال جزء منها وطرق الرد عليه، قبل اختراع فزاعة الإرهابيين بخمسة عقود.. لم تتغير اللغة والسلوك بشأن الرد المفترض والمباشر على الاحتلال، التغيير الكبير العاري لسلوك نظام الأسد وجيشه وقوته الأمنية ظهر في العقد الأخير بمواجهة الشارع السوري بالوحشية المتبعة معه في المناطق الثائرة والخارجة عن سيطرة نظامه، والتي يعتبرها مُحتلة من السوريين أنفسهم، خصوصا في المناطق التي لجأ إليها ملايين السوريين في الشمال هرباً من بطش ترسانته العسكرية؛ من طائرات ومدفعيه وصواريخ وبراميل متفجرة، التي لا فاعلية ولا أثر لها بمواجهة العدو الإسرائيلي.
أصبح من “عاديّات” العدوان الاسرائيلي على الأرض والسيادة السورية، التي حولها نظام الأسد لملطشة قوات الاحتلال بفضل السلوك الإجرامي المتبع على حواضر السوريين ومدنهم وبلداتهم، أن الغارات الإسرائيلية الأسبوعية أو الشهرية، توفرت لها بيئة مناسبة لاستمرارها. فهذا العدوان الذي يضيع في زحمة الحطام والدمار الذي نجا منه قصر الأسد، وما أحدثته ترسانة النظام على الأرض وفي الجو يشهد تنسيق عالٍ في العمليات بين المحتل الروسي ونظيره الإسرائيلي في سوريا.
الغارات الإسرائيلية التي طالت الجهات الأربع لمساحة سوريا على امتداد السنوات الماضية وصولاً لمحيط قصر النظام ومطار دمشق، تواجه برد وحيد: “تمكنت دفاعاتنا الجوية من إسقاط كل الصواريخ المعادية”، مع حاشية إدانة العدوان، وأصبحت محشوة في بعض بيانات وزارة الخارجية الروسية منذ مؤازرة موسكو العسكرية لنظام الأسد في العام 2015، حاشية تأتي لذر الرماد في عيون محور الممانعة.
مبررات السكوت والصمت عن العدوان، التي اختلقها نظام الأسد عن الزمان والمكان المفقود للرد، باستعمال ذرائع مفضوحة: “نحارب ونسحق عملاء إسرائيل في الداخل السوري”، تعكس الخضوع التام للجور والاستسلام له. وهي ميزة النظام السوري فيما يتعلق بمقاومة الاحتلال الإسرائيلي في مرتفعات الجولان ومقاومة العدوان الإسرائيلي المستمر والقائم منذ حزيران/ يونيو 1967.
وبغياب ردات الفعل غير الكلامية المبنية على الشعاراتية والمزايدة والثرثرة التي برع فيها النظام السوري طيلة عقود، حقق الاحتلال الإسرائيلي مشاريعه الاستيطانية وضم مرتفعات الجولان، ومع الانهيارات الهائلة لشعارات نظام الأسد بما يتعلق “بمقاومة” إسرائيل وصد العدوان، وإظهار مخلب ترسانته العسكرية الدموية على المجتمع السوري وبما يعجز عنه العدو نفسه من تحقيق للإنجازات التي حققها نظام الأسد على الأرض من انهيارات اجتماعية اقتصادية وسياسية ونفسية وثقافية، تُصبح جولة الغارات و”كزدورة” الصواريخ الإسرائيلية على مواقع النظام، مع مزاعم المحتل باستهدافه قواعد إيرانية للسلاح، مقبولة أكثر للترويج في الأوساط الغربية والأمريكية مع غياب تاريخي لمقاومة النظام للاحتلال لتحرير أرضه، مزاعم تلقى قبولاً وتفاهماً روسياً مع إسرئيل لم يعد خفياً بين حميميم وتل أبيب؛ رغم اعتراض البيان الأخير للناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا، الذي جاء فيه: ” علينا أن نؤكد مرة أخرى أن القصف الإسرائيلي المستمر على أراضي الجمهورية العربية السورية، في انتهاك للقواعد الأساسية للقانون الدولي، أمر غير مقبول على الإطلاق”، مطالبة الجانب الإسرائيلي بوقف “هذه الممارسة الشريرة”.
الأمر غير المقبول أيضا انتهاك القانون الدولي الذي تمارسه موسكو في أماكن عدة في العالم، من سوريا إلى أوكرانيا، والامتعاض الروسي هنا من العدوان لا تعود مبدئيته للحرص على تطبيق القانون الدولي وحق الشعوب بمقاومة المحتلين والغزاة، لكن إذا تعلق الأمر بإسرائيل أو حلفائها، يكون مبدأ الحرص الروسي عدم إحراج الحليف الإسرائيلي لأصدقائه في موسكو وعواصم عربية حليفة لنظام الأسد على أرضية نجاحه في هزيمة السوريين “الإرهابيين عملاء إسرائيل”، وليس على قاعدة مقاومة العدوان الإسرائيلي في سوريا وفلسطين. والجميع متفق على ذلك بما فيهم الدور الروسي المشبع بالشر والإجرام بحق السوريين والقائم على تثبيت نظام الأسد بمخالب دائمة على المجتمع السوري، ومنزوعة للأبد بمواجهة الغارات الإسرائيلية ومقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأرض السورية.
الرؤية والموقف الروسي من العدوان الإسرائيلي على سوريا، لا يختلف في مضمونه عن الموقف بما يتعلق أصلاً بالاحتلال الإسرائيلي والعدوان على الشعب الفلسطيني. وأصلاً النظام في سوريا لا يبحث عن موقف أو دعم عسكري واقتصادي يضعه في مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي لتحرير الأرض، وغير وارد في برامجه وخططه وخطط حلفائه المتحالفين مع إسرائيل، بحث سبل تفكيك بنيتهم المرتبطة ببقاء المشروع الاستعماري الشرير في فلسطين، والدليل أن يختم بشار الأسد حديثه للتلفزيون الروسي بثقته بجيشه وبنيته الأمنية على دحر السوريين من مدنهم وقراهم بفضل دعم المحتل الروسي.
عبّر الأسد عن سعادته البالغة بزيارة الإمارات العربية المتحدة التي استقبلت نفتالي بينيت قبل ساعات من الغارة على مطار دمشق، ولم يفت الأسد توجيه الشكر لموسكو ووسيلتها الإعلامية “RT” على دورها بتحقيق ما يريده الأسد وحلفاؤه بكل الاتجاهات ما عدا وجهة محاربة العدو الإسرائيلي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت