زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن الأولى إلى الشرق الأوسط، التي ستشمل إسرائيل والسعودية منتصف الشهر المقبل، تؤسس لصفحة جديدة بين الإدارة الأميركية ودول الخليج، سينعكس نطاقها على الصعيدين الدفاعي والاقتصادي.
الإعلان عن الزيارة بعد أشهر من الجدل، جاء بتنسيق متلازم بين الرياض وواشنطن وأهم معطيات التصريحات كانت هذه:
أولا، بايدن يتراجع حتى لو لم يقر بذلك البيت الأبيض، ويزور السعودية حصرا كأول دولة عربية يتوجه إليها بعد أن كان قد قال أنه سيجعل قيادتها “منبوذة” خلال الحملة. التراجع هو أيضا في لقائه المرتقب بولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وبالتالي التسليم والاعتراف الضمني بأنه في سلم القيادة وقد يصل العرش لعقود طويلة.
ثانيا، زيارة إسرائيل والتوجه منها إلى السعودية فيه احتضان لما قام به دونالد ترامب في 2017، كأول رئيس يسافر إلى إسرائيل من الأجواء السعودية يومها.
ثالثا، زيارة بايدن الأراضي الفلسطينية تعيد الساعة الأميركية إلى ما قبل ترامب، و تعطي السلطة الفلسطينية مجالا للتنفس سياسيا وماديا بعد أعوام من العزلة الأميركية والعقوبات.
رابعا، القمة الافتراضية التي سيعقدها بايدن مع قيادات إسرائيل، الإمارات العربية المتحدة والهند ترسخ الشراكة “الرباعية” بين هؤلاء، وفي تحالف جديد من نوعه يؤسس لتعاون تكنولوجي وكمحور شرقي-غربي استراتيجي في وجه الصعود الصيني في آسيا والمنطقة.
خامسا، حضور بايدن القمة الخليجية + 3، أي مصر والعراق والأردن، تعكس التصور الأميركي رغم التحديات على أرض الواقع خصوصا في بغداد لمكون يشبه حلف الشمال الأطلسي مستقبلا بمشاركة هذه الدول، أي ناتو عربي. وفي أي مبادرات تقوم بها واشنطن في القمة، ستبني على تعزيز التعاون مع هذه الدول.
سياسيا، زيارة بايدن ترسم تحولا واقعيا في استراتيجية البيت الأبيض بتصحيح العلاقة مع السعودية والإمارات والرضوخ لعوامل اقتصادية وجيوسياسية أدت إلى هذا التحول. فمن حرب روسيا في أوكرانيا، إلى أسعار النفط، إلى توغل الصين في الخليج، وواقع الاقتصاد العالمي بعد الوباء، اضطر البيت الأبيض للانعطاف ووضع جانبا الشعارات الانتخابية التي رفعها بايدن حول حقوق الإنسان ومصالحة الرياض وأبوظبي.
فكرة زيارة بايدن وعرابيها هما مستشار الأمن القومي جيك سوليفان ومنسق الشرق الأوسط برت ماكغورك. وكليهما التقى ولي العهد السعودي أكثر من 4 مرات منذ وصول بايدن السلطة. سوليفان الذي يأخذ استشاراته من هنري كيسنجر، يرى الساحة العالمية كرقعة شطرنج، وفيها حاجة أميركية للخليج للتفوق على الصين.
من هنا زيارة بايدن ستحاول إعادة رص “عقيدة كارتر” مع السعودية، والتي قدمت ضمانات أمنية طوال وبعد الحرب الباردة مقابل استقرار سوق النفط وشراكة مستديمة. هذه العقيدة تلاشت في عهد باراك أوباما، وبعدها مع دونالد ترامب حين تم استهداف منشآت نفطية سعودية في 2019 ولم يتم الرد.
هناك حديث عن ضمانات أمنية سيقدمها بايدن للسعودية وتعاون اقتصادي مكثف خصوصا في الحد من تداعيات حرب أوكرانيا، كما وصلت المفاوضات بين واشنطن وأبوظبي إلى مرحلة متقدمة حول اتفاق دفاعي.
هذا كله يجري فيما الجمود يحيط الملف الإيراني والذي يبدو مكلفا جدا للإدارة نظرا لحجم التنازلات التي تريدها إيران. فالمفاوضات لم تنته وإنما هناك شعور أميركي بأن تجميدها في هذه المرحلة والتركيز على ملفات ثمارها ناضجة هو المسار الأفضل.
بايدن في السعودية هو تنازل رئاسي من البيت الأبيض إنما ضروري لإعادة بلورة العلاقة الاستراتيجية، وترتيب قطع الشطرنج حول ضمان المصالح الدفاعية والنفطية بين الجانبين.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت