شهر عسل بين إردوغان وبايدن
دخلت العلاقة التركية-الأميركية في مرحلة غير مسبوقة من الدفء والتودد منذ ٢٠١٩ مستفيدة من تخبط روسيا في أوكرانيا وتراجعها دوليا ومن تقاطع استراتيجي عنوانه المصالح الدفاعية وحشد الصف الأوروبي.
موافقة الرئيس التركي رجب طيب إردوغان على رفع الفيتو وقبول عضوية السويد وفنلندا في حلف شمال الأطلسي (الناتو) يوم الثلاثاء، وفي صفعة من الحلف لموسكو، جاء أسرع مما كان متوقعا.
الجانب الأميركي كان يأمل بأن يتم دعوة الدولتين لحضور قمة مدريد فيما تستمر المفاوضات حول عضويتهما “لأسابيع أو أشهر” كما قالت سفيرة واشنطن لدى الناتو جوليان سميث قبل القمة. إلا أن المفاجأة جاءت من إردوغان نفسه وإعلان الاتفاق الثلاثي بعد اتصال بين الزعيم التركي والرئيس الأميركي جو بايدن صباح الثلاثاء، وعشية لقائهما الأربعاء وسط ابتسامات ودعابات أمام الكاميرا.
من دون شك فإن اتفاق تركيا مع هلسنكي وستوكهولم منح إردوغان تنازلات محورية في ملفي شراء السلاح التركي، وثانيا التشدد في التعامل مع حزب العمال الكردستاني. إنما أبعد من ذلك، فتح اتفاق إردوغان مع فنلندا والسويد باب المصالحة مع واشنطن وأوروبا على مصراعيه وكونه يلبي أولوية استراتيجية لهؤلاء في تقوية الناتو، لعزل روسيا وهزيمتها في أوكرانيا.
تركيا التي تجلس على البحر الأسود تحمل أهمية قصوى لأوكرانيا لإفساح المجال بفك الحصار البحري عنها ديبلوماسيا أو بوسائل أخرى ولبيع قمحها دوليا بدل أن تسرقه موسكو اليوم وتبيعه لدول رخيصة ومفلسة في الشرق الأوسط. هكذا تعاون سيتيح أيضا عن تخفيف الأزمة الغذائية والمعيشية خصوصا في القارة الأفريقية بسبب ابتزاز بوتين عبر ملف الغذاء.
الأهم من ذلك أن إردوغان كسب تودد بايدن قبل عام من الانتخابات التركية وبشكل سيساعده دفاعيا واقتصاديا. فالرجلان يعرفان بعضهما منذ عقدين ونصف ونجحا في بناء علاقة مصالح و”ريل بوليتيك” طوال هذه الفترة.
دفاعيا بدأ الحديث أميركيا عن بيع تركيا طائرات الأف-١٦ بعد أن كانت خسرت الأف-٣٥ بسبب شرائها المنظومة الدفاعية الروسية أس-٤٠٠ في ٢٠١٩. ملف الأف-١٦ جاهز لدى إدارة بايدن ويحتاج لموافقة الكونغرس الذي ينظر لحرب بوتين في أوكرانيا كأولوية ويقدر تسهيل إردوغان عملية توسيع حلف الناتو.
تركيا تريد أيضا التوغل في الشمال السوري وهنا يبرز التحفظ الأميركي العلني إنما من دون أن يحمل تهديدات في حال قام أردوغان بهكذا عملية.
هناك أيضا الحوار التركي-الخليجي-المصري-الإسرائيلي والذي يتم أيضا بضوء أميركي وترحيب من البيت الأبيض. يضاف إلى ذلك إمكانية تعزيز التبادل التجاري بين البلدين والتعاون الاستخباراتي من دون أن يعني ذلك تراجعا أميركيا في العلاقة مع اليونان وتعزيز الوجود العسكري هناك.
فعليا اليوم دخلت علاقة أميركا بتركيا في مرحلة دافئة بسبب أخطاء بوتين وجس إردوغان تراجعه مقابل تنامي القوة الدفاعية والجغرافية لحلف الناتو. ومن هنا اختار إردوغان وفي هذه المرحلة من المبارزة على الأقل معانقة بايدن والاستفادة مما قد يقدمه الغرب.
إلا أن إردوغان ليس لاعب تحالفات دائمة بل يقايض في بازارات اسطنبول سلعة بعد سلعة، وهو نجح في حلبة أوكرانيا من بيع طائرات بيرقدار وفي نفس الوقت جذب الرأسمال الروسي الهارب من العقوبات. أما بايدن والغرب فالتركيز أولا وأخيرا على تمريغ أنف بوتين في وحول أوكرانيا وفي معركة قد تستمر أعواما، وجذب أكبر عدد من الدول في هكذا معركة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت