بوتين في أحضان خامنئي
زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى طهران هذا الأسبوع وارتمائه بهذا الشكل بين أحضان المرشد الأعلى علي خامنئي، يعكس حجم العزلة الروسية وتراجع موسكو الإقليمي والدولي إلى مستوى جعل من الجمهورية الإسلامية منفذا لها.
قمة طهران هي في إطارها رد على قمة جدة والاندفاعة الأميركية باتجاه الخليج وإسرائيل، إنما في مضمونها هي تعبير عن مأزق روسيا وهروبها باتجاه النظام الإيراني لتلبية حاجات دفاعية واقتصادية.
فقبل وصول بوتين لإيران بأسبوعين، سبقه وفد عسكري روسي في 5 و8 يوليو بحسب البيت الأبيض لاستكشاف الطائرات من دون طيار التي تصنعها إيران ويستخدمها الحرس الثوري لضرب أمن الخليج وتسليح وكلاء طهران في المنطقة.
فكرة أن يلجأ بوتين لإيران لشراء الأسلحة هو تعبير فاضح عن المأزق الذي وقعت فيه روسيا في أوكرانيا. فلا العتاد الروسي بات كافيا، ولا الدول الكبرى بينها الصين مستعدة لخرق العقوبات وتسليح بوتين في حرب استنزاف قد تستمر سنوات.
أما إيران، فمثلها مثل بوتين، هي تخضع للعقوبات وتتاجر بالسلاح غير الشرعي لإيصاله لأيدي الروس في أوكرانيا منذ الربيع الفائت.
إذا الحاجة هنا هي مشتركة رغم أن طائرات إيران لن تكون كافيه لردع مقاومة أوكرانية شرسة في الشرق، ومسلحة بعتاد أميركي وبريطاني وفرنسي. وهنا إيران تعرف قبل غيرها من تجارب لبنان والعراق وأفغانستان أن ما من قوة تهزم شعبا يسعى لتحرير بلاده.
رغم ذلك كانت ابتسامة خامنئي بحجم طائرات “مهاجر” و”شاهد” لدى معانقته بوتين في زيارته السادسة له. علما أن الرجلين لا يثقان ببعضهما البعض، وبين روسيا وإيران منافسة نفطية وقبل حرب أوكرانيا إقليمية.
بوتين في عناقه للمرشد الأعلى يوجه رسالة لواشنطن أيضا بأن الاتفاق النووي على وشك أن يصبح من الماضي وهو ما تفضله روسيا وسعت لسنوات لتحقيقه. فتسريبات وزير الخارجية الإيراني السابق جواد ظريف عن حقيقة دور موسكو في تقويتها لقائد فيلق القدس سابقا قاسم سليماني، وسعيها لإفشال تقارب إيراني-غربي ما زال هو الاستراتيجية المعتمدة اليوم. فإيران المعزولة إقليميا وغربيا تفيد روسيا أكثر من إيران التي تبيع نفطا لأوروبا وتنفتح على الغرب.
المعادلة نفسها تنطبق على نظرة إيران لبوتين وهرولته باتجاهها بعد ستة أشهر من الحرب في أوكرانيا راح ضحيتها ما لا يقل عن 15 ألف جندي روسي، وانكمش فيها اقتصاد موسكو وهربت منها الاستثمارات الغربية. هذا يزيد من حاجة بوتين لإيران “الثورة” ويفتح فرصا أمام المعسكرين.
وجود رجب طيب إردوغان في القمة نفسها هو ضرب من الواقعية التركية التي نجحت في أن تفاوض الناتو وتسلح أوكرانيا وفي نفس الوقت أن تشاطر بوتين ورئيسي الطاولة وتناقش طريقة تقاسم الكعكة السورية.
وإردوغان أكثر من غيره يدرك حجم أزمة بوتين واستفاد منها بتركه ينتظره دقيقة كاملة قبل مصافحته عن بعد وفرض لعبة القوة أمام الكاميرات والتي أتقنها بوتين لعقود.
بالنسبة لدول المنطقة التي لطالما استقبلت وحضنت بوتين في عواصمها وزينت شوارعها بأعلام روسيا وسمائها بالمفرقعات، فمن دون شك هي ترصد التحولات والعناق الروسي-الإيراني في طهران. هذه الدول بدأ تنعطف بعيدا عن موسكو وزيارة الرئيس الأميركي جو بايدن للسعودية ساعدت في إبرام صفقات دفاعية وتجارية معها.
عناق بوتين-خامنئي يرسخ مستوى عزلتهما المشتركة ومحاولة بائسة للرد على تحالف إقليمي تبنيه واشنطن وترصه دفاعيا وأمنيا. تقاسم الكعكة في سوريا وضرب استقرار دول الجوار والأمن البحري واحتلال قرى أوكرانيا فوق جثث أهلها لا يصنع أمما ودولا ولا شعوبا متحررة.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت