احتكار العلف صيفاً وبيعه شتاءً يرهق مربي المواشي في إدلب
في ظل الغلاء “الفاحش” الذي تعيشه مناطق شمال غربي سورية، يعمد عدد من المزارعين ومربي المواشي إلى تخزين كميات كبيرة من التبن المخصص كعلف للمواشي، بعد حصاد القمح و الشعير، للتخفيف من كلفة تربية المواشي على مدار العام، وعدم استيراد التبن من تركيا بسبب سعره المرتفع.
صالح العبود، أربعيني مهجر من ريف حلب الجنوبي، يسعى إلى جمع أكبر كمية ممكنة من تبن القمح أو الشعير المخصص لعلف المواشي وتخزينه، بهدف إطعام المواشي في فصل الشتاء أو بيعه بسعر يقلل من خسائره ضمن هذا القطاع، حسبما يقول، خاصة أن “الربح شبه مستحيل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها مناطق شمال غربي سورية”.
يضيف صالح في حديثه لموقع “السورية نت”، أن أسواق الغنم تعرض يومياً كيمات كبيرة من التبن، خاصة في منطقتي الدانا ومعرة مصرين شمالي إدلب، وبسعر لا يتجاوز 3 ليرات تركية.
ورغم سعره المنخفض والحاجة الماسة له، عزف الكثير من المربين عن شراء التبن، بسبب عدم توفر السيولة المادية، حسبما يقول صالح، مضيفاً أن الكثير من المربين عمدوا إلى بيع قسم من مواشيهم من أجل شراء علف لإطعام بقية المواشي.
أما محمد الخميس، وهو مربي وتاجر أغنام في إدلب، يقوم بإطعام أغنامه مكسرات صينية (تُعرف بالطرابيش)، بالإضافة إلى التبن والجلبان وغيره من المواد العلفية، معتبراً أن “التنوع يحافظ على توازن مصروف العلف”.
“أسعار المواشي لا تغطي تكاليفها”
يعرب السيد عبد الكافي، أحد مربي الأغنام في منطقة إدلب، عن حزنه الشديد لواقع الثروة الحيوانية، التي تتجه نحو الانقراض حسب وصفه، ويقول لموقع “السورية نت”، أن المربي لم يعد يحتمل هذا الارتفاع “الجنوني” في أسعار الأعلاف.
وأضاف أن “أرخص نوع للأعلاف هو الخبز اليابس الذي يصل سعره إلى 7 ليرات تركية، في حين يصل سعر الشعير إلى 9 ليرات، أما التبن الذي يُعتبر أرخص أنواع الأعلاف يصل سعره إلى 3 ليرات”.
وترتفع أسعار التبن في فصل الشتاء، بحسب عبد الكافي، الذي أشار إلى أن التجار يحتكرون شراءه حالياً وبكميات كبيرة، عبر تجميعه ضمن بيادر كبيرة وتغليفه لبيعه في فصل الشتاء، الأمر الذي لا يقدر عليه المربي كونه يدفع حسب الحاجة الشهرية كأقصى حد.
وعن أسعار المواشي، يقول عبد الكافي إن أفضل نعجة لا يتجاوز سعرها اليوم 1500 ليرة تركية، وقد يصل سعر بعضها إلى 450 ليرة، في حين يصل سعر العنز إلى 2000 ليرة، وهو “رقم قليل إذ يتكلف المربي عليها أكثر بكثير من سعرها”.
ويشير المربي إلى أن أغلب الأضاحي التي تم ذبحها العيد الماضي هي من النعجات، بسبب رخص ثمنها مقارنة بالخروف الذي وصل سعر الكيلو منه إلى 70 ليرة، بينما النعجة لا يتجاوز سعر الكيلو منها 45 ليرة.
وانخفض سعر الكيلو بعد العيد قرابة عشرين ليرة تركية، ما زاد من معاناة المربين الذين يعيشون نوعاً من الإحباط والحيرة بين بيع المواشي بسعر زهيد، وبين تربيتها بتكاليف لا يمكن تحملها، في ظل الظروف الاقتصادية المتردية التي تعيشها المنطقة.
الاحتكار يرفع الأسعار
يحاول مهند الحسين، مربي أربعيني مهجر من جنوبي حلب، تأمين علف لأغنامه بوقت مبكر، نتيجة انخفاض سعر التبن في موسم الحصاد، إلا أنه لا يستطيع شراءه في الوقت الحالي، نتيجة عدم وجود سيولة بين يديه، كما يقول.
ويضيف لموقع “السورية نت” أن “التجار يعمدون إلى شراء التبن الموجود في السوق، ليتم بيعه في الشتاء، إذ وصل سعر الكيلو في السنة الماضية إلى 10 ليرات تركية، عبر استيراده من تركيا، وهو أمر معيب أن نستورد التبن بعد أن كنا نتركه في أراضينا مجاناً قبل النزوح، كي يستفيد منه مربو الاغنام”.
يُشار إلى أن سعر التبن المستورد كان عند حدود نصف ليرة تركية للكيلو الواحد، لكنه وصل مؤخراً إلى 10 ليرات نتيجة احتكار التجار وتلاعبهم بالأسعار في ظل غياب الرقابة عليهم، كما يقول مربو المواشي.
وترتبط الثروة الحيوانية ارتباطاً وثيقاً بالقطاع الزراعي، الذي يعتمد عليه معظم سكان شمال غربي سورية، لكنه شهد مؤخراً تراجعاً ملحوظاً، نتيجة تقلص المساحات الزراعية بعد سيطرة قوات النظام على مساحات واسعة من الأراضي، خاصة في أرياف حلب وإدلب وحماة.
ويواجه المزارعون تحديات كبيرة تتمثل في ارتفاع كلفة الإنتاج الزراعي من محروقات وبذور وأسمدة وري ومبيدات حشرية، إلى جانب غياب الدعم الحكومي المقدم للمزارع، والذي أدى إلى تراجع قطاع الثروة الحيوانية، وبات معرّضاً لانتكاسة كبيرة ربما تؤدي لانخفاض أعداد المواشي بشكل كبير.