نشر هذ المقال باللغة التركية لأول مرة بتاريخ 29آب/أغسطس 2022 على موقع “fikirturu“
من هم الناس الذين يعيشون في منطقة شمال سورية، والذين احتجوا على إمكانية عقد لقاء بين أنقرة ودمشق؟ ما هي الظروف الاجتماعية والاقتصادية؟ كيف هي إدارتهم؟ ماذا يقول كل ذلك عن المستقبل؟
بعد ساعات قليلة من تصريحات وزير الخارجية “مولود جاويش أوغلو” والتي فُهم انها تعني استئناف المحادثات بين تركيا وسورية من جديد، أصبحت مناطق المعارضة في شمال سورية مرتبكة فجأة، فشهدت مساء اليوم الأول اعتداءات كثيرة، بدءاً من إحراق العلم التركي إلى الهجمات بالحجارة على قوات الأمن التركية المسؤولة عن تأمين الأمن في المنطقة، وفي اليوم التالي بعد صلاة الجمعة خرجت العديد من المظاهرات في مناطق واسعة امتدت من إدلب إلى تل أبيض، تندد وترفض إمكانية إجراء محادثات بين أنقرة ودمشق، وبعد ذلك توقفت ردود الفعل، أو بالأحرى يبدو أنها توقفت. ولكن الأخبار تتزايد يوماً بعد يوم عن ذوبان الجليد بين أنقرة ودمشق، علاوة على ذلك بدأت هذه الأخبار تشمل العديد من النقاط غير المؤكدة مثل اجتماع قادة البلدين إلى التعاون الميداني.
آخر تطورات “الحرب الأهلية” أو الوضع الراهن
تشير التطورات بأنه ستكون هناك خطوات جديدة في الفترة المقبلة، ولكن سيكون لكل خطوة من الخطوات الجديدة ما يقابلها في الميدان.
علينا ألا ننسى أن في سورية حرب “أهلية” عمرها 11 عاماً، وحالياً ما يقرب من ثلث البلاد لا يخضع لسيطرة دمشق، وبعبارة أخرى المساومة على الظروف المختلفة على الطاولة من أجل إنهاء “الحرب الأهلية” لا تشكل سوى جزء من العملية.
والتحدي الحقيقي هو ما إذا كانت الخطط التي يبدو أنها توضع وتعمل على الورق لها نظير ها على أرض الواقع، لذلك، سأبحث في عدة مقالات منفصلة الوضع في المناطق التي لا تخضع لسيطرة دمشق.
الغرض الرئيسي من هذه التحليلات هو إيجاد البنية التحتية للمعلومات اللازمة من أجل تطوير نهج صحيح ودقيق حول المناطق التي نعتقد أننا نعرفها، ولكننا لا نعرفها جيداً، وسيكون التحليل الأول في هذا الإطار حول المنطقة التي نسميها شمال سورية، دعونا الان نتعرف على هذا المنطقة.
أين شمال سورية؟
هناك ثلاث مناطق منفصلة على طول الحدود التركية السورية التي يبلغ طولها 911 كيلومتراً، وهي من الغرب إلى الشرق: منطقة إدلب التي تسيطر عليها هيئة تحرير الشام، ومنطقة يمكننا اعتبارها شمال سورية التي يسيطر عليها “الجيش الوطني السوري” الحالي (SMO) والذي اعتدنا أن نعرفه باسم “الجيش السوري الحر”، وشمال شرق سورية الخاضعة لسيطرة منظمة PKK / YPG “الإرهابية”.
بغض النظر عن المساحات الكبيرة هناك نقاط تفتيش للجيش السوري في نقاط صغيرة (على سبيل المثال بعض البوابات الحدودية المغلقة ونقاط التفتيش على الطريق). ولكن لا توجد منطقة تسيطر عليها دمشق على طول الحدود. في هذه المقالة دعوني أبدأ دون إثارة المزيد من اللغط حول المسالة وسيكون التركيز على المناطق الخاضعة لسيطرة “الجيش الوطني السوري”.
السؤال الأول: ما هو المكان الذي يسمى شمال سورية أو الشمال السوري؟
لا يوجد تصور موحد لدى عموم الناس على شكل شمال سورية أو الشمال السوري، وفي حقيقة الامر، الجمهور ليس مخطئاً على الإطلاق في هذا الصدد، نحن نتحدث عن ثلاث مناطق رئيسية، تتكون من المناطق التي تم تطهيرها من تنظيمات “داعش” وحزب العمال الكردستاني/ حزب الاتحاد الديمقراطي “الإرهابية” نتيجة العمليات العسكرية التي نفذت في أوقات مختلفة.
منطقة درع الفرات
أولى المناطق الثلاث هي منطقة درع الفرات، وتمتد هذه المنطقة -التي أخذت اسمها من عملية درع الفرات التي بدأت في آب/أغسطس 2016 وانتهت في آذار/مارس 2017- تقريباً من بلدتي أعزاز ومارع في شمال حلب غرباً إلى الباب وقراها في الشرق بما في ذلك كوباني(عين العرب) في الشمال وجرابلس في الشمال الشرقي.
وبما أن هذه المنطقة قد تم تطهيرها من الإرهاب في وقت أبكر من المناطق الأخرى، يمكن وصفها بأنها منطقة أكثر ازدحاماً وأفضل نسبياً وتتمتع بظروف معيشية أفضل.
منطقة غصن الزيتون
المنطقة الثانية هي منطقة غصن الزيتون-يأخذ هذا المكان اسمه من العملية التي بدأت في كانون الثاني/يناير وانتهت في اذار/ مارس 2018- هذه المنطقة التي هي أساساً مركز قضاء عفرين تحدها إدلب من الغرب وتل رفعت والاماكن السكنية في شمال حلب جنوباً وإعزاز من الشرق.
لا حدود بين غصن الزيتون ودرع الفرات ولا توجد أيضًا إجراءات مقيدة مثل بوابات العبور، لذلك فإن المنطقتين متحدتان ولكن تختلف بينهما الديناميكيات الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية والسياسية، وبالإضافة إلى ذلك تقرر السلطات المختلفة الشؤون الإدارية والممارسات الأمنية، ولهذا السبب يمكن رؤية اختلافات كبيرة بينهما من وقت لآخر.
منطقة نبع السلام
المنطقة الثالثة هي منطقة نبع السلام-يأتي اسم هذه المنطقة من عملية نبع السلام التي أجريت ضد حزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب في تشرين الأول/ أكتوبر 2019- تتكون هذه المنطقة، من منطقة متاخمة لتركيا من الشمال ولكنها محاطة بحزب “الاتحاد الديمقراطي” من الغرب والشرق والجيش “السوري” من الجنوب، وهناك تجمعين سكنيين رئيسين في منطقة نبع السلام هما: تل أبيض ورأس العين.
لا يوجد اتصال مباشر على الارض بين هذه المنطقة مع مناطق درع الفرات وغصن الزيتون، ولكن بما أن منطقة نبع السلام تخضع لنفس سلطة غصن الزيتون ودرع الفرات من حيث السيطرة السياسية والعسكرية، فمن الضروري النظر إلى هذا المكان على انه مع المناطق الأخرى.
الهيكل الاجتماعي والاقتصادي في شمال سورية
قد يحتاج تحليل الهيكل الاجتماعي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي سيدرس شمال سورية بالتفصيل حسب المناطق لعشرات الصفحات، لهذا السبب فضلتُ جمع أهم السمات الأساسية في عناصر معينة بدلاً من التحليل المفصل.
يمكننا تلخيص العوامل المشتركة التي تتطلب البحث في المناطق التي تم تطهيرها من “داعش” وحزب العمال الكردستاني / وحدات حماية الشعب في ثلاثة تواريخ مختلفة معاً على النحو التالي:
- تخضع المناطق الثلاث جميعها لسيطرة نفس الهيكل السياسي والعسكري، ففي الوقت الذي تخضع فيه سياسياً لسيطرة الحكومة السورية المؤقتة (SGH)، فإن الجيش الوطني السوري هو القوة المهيمنة عسكرياً في هذه المناطق.
- الحكومة السورية المؤقتة هي هيئة تنفيذية شكلتها جماعات المعارضة السورية، هذه الحكومة لديها رئيس وزراء ووزراء، كما أن لديها مكاتب إدارية في جميع المناطق للعمل كمديرين تنفيذيين.
- من ناحية أخرى فإن الجيش الوطني السوري (SMO) هو الجيش السوري الحر الذي نعلم أنه غير اسمه وتجمع تحت سقف واحد، والجيش الوطني السوري الذي تم تنظيمه بشكل أساسي في ثلاثة فرق موجود على الورق تحت إشراف وزارة الدفاع في الحكومة السورية المؤقتة، ولكن في الواقع الأمور ليست بهذه البساطة على الإطلاق، سأفصل هذا لاحقاً. باختصار، المسألة الأولى التي تتطلب منا تقييم المناطق الثلاث معًا هي أن الهيمنة في هذه المناطق في أيدي وزارة الدفاع التابعة للحكومة المؤقتة والجيش الوطني السوري.
سكان شمال سورية
العامل المشترك الثاني بين المناطق هو تشابه البنية الديموغرافي، في واقع الامر هذه الجملة بحاجة إلى إعادة تمحيص- الهيكل الديموغرافي متشابه- ولكن الأصول العرقية والطبقية وأسباب قدوم الناس مختلفة تماماً عن بعضها البعض.
يعيش حوالي(1.8) إلى (1.9) مليون شخص في المناطق الثلاث بمساحة إجمالية تقترب من 10 آلاف كيلومتر مربع، لماذا لا يمكننا إعطاء أرقام دقيقة؟ ولم يتم تسجيل السكان في هذه المناطق تسجيلاً كاملاً، وذلك على الرغم من الخطوات الكبيرة التي تم اتخاذها في التنظيم الإداري في السنوات الـ 3 الماضية، إلا أن هناك مشاكل في التسجيلات لأن حركة السكان عالية جداً، ومع ذلك عندما تجتمع السجلات التي تحتفظ بها كل من الحكومات المحلية والمنظمات الإنسانية، يتم الوصول إلى هذا الرقم بشكل أو بآخر. (عذراً، يمكن أن تنحرف هذه البيانات حوالي 10 %).
العرب والأكراد والتركمان
القضية الرئيسية المتعلقة بالتركيب الديموغرافي ليست مجموع السكان، الهيكل نفسه والتركيبة الديمغرافية في شمال سورية ليست متجانسة بأي حال من الأحوال، فالعرب والأكراد والتركمان يعيشون معاً، ولكن لا تنظر إلى العيش في نفس المنطقة على أنه تعايش سلمي ومستقر.
دعوني أضع الأمر على هذا النحو: لقد تغير الهيكل الديموغرافي في جميع المناطق على طول الحدود التركية السورية تقريباً على مدى السنوات الـ 11 الماضية، ففي حقيقة الامر جزء مهم جداً من الناس الذين يعيشون اليوم في هذه المناطق جميعها كانوا يعيشون في مدن أخرى في ظل ظروف مختلفة قبل 10 سنوات، فبعضهم كان يعيش في مناطق ريفية والنظام القبلي، والبعض كان يعيش في المدن الكبرى، والبعض في المدن والبلدات الريفية، والبعض في المناطق المزدحمة، فكان بعضهم تجاراً ، والبعض مزارعين والبعض موظفي الخدمة المدنية، ونظراً لان الأماكن التي كانوا يعيشون فيها أصبحت مناطق نزاع بسبب تأثير الحرب “الأهلية” غادر الناس طواعية أو قسرياً الأماكن التي عاشوا فيها، وهاجروا إلى الأماكن التي شعروا فيها بأمان أكبر.
دعني أقدم بعض الأمثلة الملموسة لمن يعيش في المناطق الثلاث المذكورة اليوم، بغض النظر عن السكان المحليين، استقر في الباب وعفرين اليوم بضع عشرات الآلاف من الأشخاص الذين أرسلتهم “الحكومة السورية” قسراً من منطقة الغوطة الشرقية بدمشق، وبعض الفارين من عمليات الجيش في حماة وحمص موجودين في عفرين وبلدة الراعي، ويمكنك العثور على من هربوا من “داعش” من دير الزور من قبل وثم من حزب الاتحاد الديمقراطي في كوباني وجرابلس وتل أبيض ورأس العين. فيما استقر بعض الفارين من ضغوط هيئة تحرير الشام في إدلب في مدينة الباب وانتشر عشرات الآلاف من الفارين من وسط حلب مع دخول الميليشيات الإيرانية والجيش السوري من عفرين إلى الباب.
التغيير الديموغرافي في المنطقة لا يتعلق فقط بالوافدين، حيث غادر عشرات الآلاف من الأشخاص من عفرين من الذين يدعمون حزب العمال الكردستاني/وحدات حماية الشعب، ووصل آلاف الأشخاص من الباب وجرابلس وأعزاز وكوبانبي وتل أبيض ورأس العين إلى تركيا قبل عام 2017 بوقت طويل، ولا تزال الغالبية العظمى من هؤلاء السكان تعيش في تركيا.
وخلاصة القول إنه في الوقت الذي استقر في هذه المنطقة جزء كبير من الفارين من الصراع والضغوط السياسية والصعوبات الاقتصادية وسوء المعاملة، فإن عودة جزء صغير من أولئك الذين فروا إلى تركيا في الماضي للأسباب نفسها كشفت عن بنية ديمغرافية يصعب للغاية إدارتها في المنطقة.
الاقتصاد في شمال سورية
العامل الثالث الذي يوحد المنطقة هو خصائصها الاقتصادية، حيث يعيش جزء كبير من سكان المنطقة على الزراعة، وإذا نحينا جانباً حقيقة أن “الباب” في الماضي كانت منطقة صناعية في حلب، فإن الإنتاج في المنطقة يقتصر على الزراعة، وجزء مهم من انتاج المناطق الزراعية يتكون من منتجات مثل الشعير والقمح والعدس والحمص، اما في “عفرين” فهناك إنتاج كبير من الزيتون الذي يوفر إمكانات زراعية صناعية مهمة من الصابون وزيت الزيتون الذي هو شريان الحياة لاقتصاد عفرين، ولكن لا توجد موارد طبيعية باطنية متاحة في أي من هذه المناطق.
والأهم من ذلك أن الاقتصاد في هذه المنطقة مغلق مع الخارج على الرغم من أنه يمكنها الوصول إلى تركيا عبر هاتاي وغازي عنتاب وكيليس وأورفا، إلا أن إمكانات الإنتاج الزراعي في المنطقة لا تتحول إلى دخل اقتصادي كبير نظراً لعدم وجود تجارة رسمية على البوابات الحدودية، ومن ناحية أخرى تقدم ورش العمل الصغيرة في منطقة الباب وحولها مساهمة محدودة لأهالي المنطقة، حيث بدأ مؤخراً إنشاء المناطق الصناعية المنظمة في جميع المناطق الرئيسية، ولكن لا تزال هذه المناطق في بداية الطريق، وعلى الرغم من أن سكان المنطقة لديهم خبرة كبيرة في صناعة الأحذية إلا أن المناطق الصناعية المنظمة تستغرق سنوات للعمل بكفاءة كاملة.
إذا وضعنا عفرين والباب جانباً، فإن النتيجة الطبيعية للصورة أعلاه هي البطالة في هذه المناطق التي ليس لديها بنية تحتية من الماضي وتعرضت للآثار المدمرة للحرب الأهلية بعد عقود من عدم النضج الاقتصادي.
الان تخيل الامر الأمر بهذه الطريقة وفكر، أنت في منطقة جغرافية متخيلة: اجعل البنية التحتية للمواصلات والصحة والتعليم في هذه المنطقة ضعيفة للغاية سواء كانت ريفية إلى حد كبير أو على أطراف المدن الكبيرة، ويجب أن تكون الزراعة هي مصدر الرزق الرئيسي ولكن يتم الري بالآبار أو الأنظمة القديمة جداً، وأجعل سلطة الدولة تنهار في هذه المنطقة وكذلك دع الجماعات المسلحة المتداخلة تفرض نظامها الخاص وكنتيجة لذلك سيطر بعض السكان والتنظيمات المسلحة من أماكن أخرى واسسوا هيمنة جديدة، وفوق كل ذلك يجب أن يتركز في هذه المنطقة في غضون 5 سنوات ضعف عدد السكان الذي كان موجوداً في الخمسين عاماً الماضية، وأخيراً حتى لو تم الإنتاج للسوق فيجب عليه أن لا يكون قادراً على بيع ما ينتجه، وعليه، وبطبيعة الحال في مثل هذه المنطقة ستواجه جيشاً ضخماً من العاطلين عن العمل.
في حين أن البطالة تُحضر الناس الى المخيمات حيث لا يتضورون جوعاً بسبب توزيع المساعدات الانسانية، وتجد أولئك الذين يعملون في وظائف مؤقتة ويكافحون من أجل البقاء على قيد الحياة يدخرون المال للخروج من هذه الدورة في أول فرصة. هكذا يمكن تلخيص الصورة الاقتصادية للمنطقة، باستثناء مجموعة صغيرة من الناس الذين يمتلكون الأرض ويسيطرون على التجارة وينشطون في الجماعات المسلحة.
الوضع الأمني والسياسي
ليس من الصعب تلخيص الوضع السياسي حيث لا يوجد رابط أيديولوجي أو سياسي يوحد الناس الذين يعيشون في هذه المناطق سياسياً، ولكن لا يمكننا تجاهل وجود موحِّد قوي للغاية: رفض إدارة الأسد.
لقد بينتُ أعلاه بشكل مختصر كيف ان أهالي هذه المنطقة يسكنون هنا لأنهم فروا من “الجيش السوري” أو تم إرسالهم قسراً، أو لأن إدارة دمشق لم تكن موجودة في هذه المنطقة منذ فترة طويلة، وإذا استثنينا مجموعة صغيرة فإن معظم الناس في المنطقة لا يريدون الخضوع للحكم المباشر لدمشق مرة أخرى، لأنهم يُعتبرون مُذنبين بشكل مباشر لأنهم شاركوا في انتفاضة مسلحة ضد “الحكومة” وعودة دمشق ستخلقُ لهم كابوساً قانونياً وسياسياً ونفسياً، وقد ينشأ اعتراض على الفور: “… إذا تم التوصل إلى اتفاق لضمان حقوق المعارضة وسلامتها دولياً، فقد يتغير موقف الخصوم …” قد يكون ذلك في جو من انعدام الأمن العميق الناجم عن فقدان العديد من الناس من كل عائلة خلال عشر سنوات من الحرب “الأهلية”، اذهبوا وقولوا هذا لأهل المنطقة دعونا نرى ما إذا كان من الممكن إقناعهم؟
الآن دعونا نأتي إلى البعد الأمني للأعمال سأعترف بان هذا هو أصعب جزء أكتب عنه. لأنه معقد للغاية ومن الصعب جداً شرح دون مزيد من اللغط.
ما هو الجيش الوطني السوري؟
لقد تطرقت قليلاً في الكلام أعلاه حول الجيش الوطني السوري، والآن دعني أشرح بمزيد من التفصيل، فعلى الرغم من محاولات التجمع تحت سقف واحد لأكثر من خمس سنوات إلا أن “الجيش الوطني السوري”، لا يزال في الواقع الجيش السوري الحر، ماذا يعني ذلك؟
ظهر الجيش السوري الحر كفصائل مسلحة مكونة من أشخاص مفككين من خلفيات أيديولوجية واجتماعية مختلفة عارضوا الممارسات القمعية في دمشق، والشيء الوحيد الذي يُظهر الجيش السوري الحر تحت سقف واحد هو معارضته لـ “النظام”، فكان من بينهم سلفيون متشددون، وجماعة الإخوان المسلمين، وقوميون عرب، ولجان حماية الحي، وزعماء محليين يدافعون عن قراهم، ورؤساء عشائر، حملوا السلاح لأسباب عديدة ومختلفة، ومع مرور الوقت ظهرت تشكيلات مختلفة في كل مكان وخاصة بعد أن فقدت دمشق السيطرة على مراكز المدن ناهيك عن الريف.
وخلاصة القول إن النقطة المشتركة الوحيدة بينهم، كمجتمع من الجماعات المسلحة اللامركزية المناهضة للنظام، وخلال ذلك الوقت تم تدمير بعضها، والبعض منهم غيروا ولاءهم وتعاونوا مع “الحكومة السورية” وحتى مع حزب العمال الكردستاني / حزب الاتحاد الديمقراطي.
ولكن الان الموجودين حالياً في شمال سورية، هم أولئك الذين خرجوا ضد كل من دمشق والمنظمات الشبيهة بحزب العمال الكردستاني منذ البداية. ومع ذلك، فإن مثل هذا التنظيم اللامركزي، بطبيعته، يواجه صعوبات في التجمع تحت سلسلة قيادة مركزية، فلا تنخدع بحقيقة أن الجيش الوطني السوري التابع لوزارة الدفاع على الورق، فقادة مجموعة من القوى المعارضة، أقوى من الوزير أو غيره من مسؤولي “الجيش الوطني السوري”.
دعني أشرح لماذا؟
هل الجيش الوطني السوري قوي؟
اولاً: قد تهيمن قوات المعارضة السورية على شمال سورية، لكن ليست كل المجموعات في المعارضة السورية المسلحة من هذه المناطق في الأصل، فهناك مجموعات كثيرة قادمة من دير الزور وإدلب ودمشق وحماة وحلب، وعندما عجزت هذه المجموعات عن القتال في مناطق أخرى لجأت إلى الشمال، وبعبارة أخرى هناك قوات معارضة “محلية” تتكون من سكان شمال سورية، وقوات معارضة مسلحة اخرى تتكون من أشخاص من أماكن أخرى، وعلى الرغم من أنهم يقاتلون بشكل مشترك ضد “الحكومة السورية” في الأوقات التي يوجد فيها عامل التوحيد قوياً، لكن يبقى الشائع للغاية أن يتحولوا لمواجهة بعضهم البعض عندما لا يتمكنون من العثور على عدو مشترك.
ثانياً: ما يسمى قوى المعارضة السورية المسلحة “المحلية”، هي امتداد للبنية الاجتماعية والاقتصادية المحلية في كل منطقة في أماكن مثل اعزاز والباب والراعي، حيث تسيطر العائلات الأكبر على المجالس المحلية (ومن ثم السلطة التنفيذية) والتجارة والإنتاج (وبالتالي الاقتصاد).
وفي هذه الأماكن وما يشبهها والتي تستمد وتحصل القوات المسلحة قوتها البشرية إلى حد كبير من القبائل والمخيمات القريبة. وبالتالي، تتولى القوات المسلحة المحلية أيضاً حماية (وصاية) المصالح الاقتصادية المحلية. وعليه في مثل هذه البيئة يبقى الخضوع لحكم هيكل مركزي أو حكومة هو آخر ما تريده شبكة العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية.
ثالثاً، استجابة مكونات الجيش الوطني السوري في الميدان ضعيفة، فعلى الرغم من أن بعض أعضاء الجيش الوطني السوري يأتون من الأجزاء الشمالية من سورية إلا أنها موطن لكثير من الأشخاص من أجزاء مختلفة من البلاد، ومع ذلك، عندما تصبح المصالح محلية يتضاءل تأثير امتلاك السمعة “الوطنية”.
باختصار، على الرغم من مرور 5 سنوات وكل الجهود، لم يتمكن الجيش الوطني السوري من التطور بشكل كامل ليصبح هيكلا عسكرياً متكاملاً في شمال سورية، علاوة على ذلك بما أن هذه الجماعات هي ميليشيات مدججة بالسلاح تتمرد على دمشق، فإنها لا تملك الهيكل اللازم لتوفير الأمن المحلي، ومع ذلك فإن المشاكل الأمنية التي تنشأ أثناء تعايش العديد من العناصر المختلفة يمكن حلها بواسطة “قوات إنفاذ القانون” بدلا من “الجيش”، وعلى الرغم من أن إدارات الشرطة المحلية أصبحت واسعة الانتشار في هذا الاتجاه، فإنه ليس من السهل على منظمة الشرطة المحلية التي تستمد سلطتها من الروابط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المحلية، أن تقبل سلطة قوة إنفاذ القانون تحت سلطة مركزية.
اشتباكات مع الميليشيات الموالية لإيران ووحدات حماية الشعب
لا تقتصر المشكلة الأمنية في شمال سورية على النزاعات بين الجماعات أو النمو السكاني السريع والمتفاوت أو المشكلات الاقتصادية، فماتزال المنطقة تتعرض لهجمات من قبل “وحدات حماية الشعب” من جهة، والميليشيات الموالية لإيران و”الجيش السوري” وفروعه من جهة أخرى، يعني ماتزال بعض المناطق تُشكل مناطق نزاع.
وتستمر “وحدات حماية الشعب”(الكردية) في التسلل إلى المنطقة وتنفيذ هجمات بالقنابل وضرب مناطق سكنية بأسلحة ثقيلة كل يوم تقريباً، وتحدث اشتباكات بين الحين والآخر بين عناصر واخرى لقوى المعارضة المسلحة.
وعلى الرغم من أن هذه الأحداث ليست جديرة بالاهتمام لجذب انتباه الجمهور لأنها أصبحت “شائعة”، فإن مسألة الأمن عنصر حاسم في المشكلة، وبعبارة أخرى، قد ينظر إلى “الجيش الوطني السوري” على أنه جزء من التحدي الأمني بسبب الاضطرابات الداخلية والانفجارات، ولكن بدون “الجيش الوطني السوري” لن يوجد عنصر وقائي محلي للمناطق في شمال سورية، أي أن “الجيش الوطني السوري” لا يزال العنصر الذي لا غنى عنه لضمان الأمن.
ملخص الوضع في شمال سورية
حاولت بإيجاز قدر الإمكان تلخيص البنية الاقتصادية والاجتماعية والأمنية للمنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سورية الديمقراطية والجيش الوطني السوري من مناطق شمال سورية.
يمكن توصيف الصورة التي يقدمها العرض أعلاه للمستقبل على النحو التالي:
يبدو أن البنية الديموغرافية والظروف الاقتصادية والوضع الأمني في المنطقة، التي لم تخضع لسيطرة دمشق منذ ما يقرب من 10 سنوات، بعيدة كل البعد عن الاستقرار في وقت قصير، ولكن عندما تدرس المناطق الأخرى سترى أنه إذا كان هناك توافق بالآراء في المستقبل، فإن هذه المناطق ستكون قادرة على التكيف مع بقية سورية بسهولة أكبر من المناطق الأخرى، والسبب في ذلك بسيط وهو أنه لم تفقد المناطق الواقعة تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة أو الجيش السوري الحر هويتها السورية بعد، لذلك يمكننا الاستمرار بالتفاؤل حول المنطقة إذا تم التوصل إلى توافق في إطار سورية.
ترجمه لـ”السورية.نت” نادر الخليل زميل في “مركز عمران للدرسات الاستراتيجية”
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت