عُقدت قمة “تحويل التعليم” أيام 16-17-18 من شهر أيلول الحالي، في مقر الأمم المتحدة في نيويورك، وسبقها مرحلة تحضيرية على المستويين العالمي والمحلي،كانت قد تضمنت حملات مناصرة قامت بها الفئات الشبابية في مجتمعاتها مثل حملة “let me learn – دعني أتعلم”، التي هَدفت إلى إيصال أصوات تلك المبادرات الشبابية للقادة والمسؤولين على أمل رص الصفوف، من أجل الاستجابة الفعالة لما بعد الأزمة التي تلت انتشار فيروس كورونا ونتائجها من انقطاع العديد من الطلاب عن المدارس، وبحركة حثيثة لتكون هذه المبادرة من الأسفل اعتمدت على طاقة الشباب لما لها من حيوية وديناميكية وانخراط في العالم الرقمي السريع التطور، بعد التأكد من فشل غالبية أنظمة التعليم في نقل المتعلمين نقلة نوعية في عالم سريع التغيير ، وفي سياق متصل للجولات التحضيرية ما قبل القمة ،عُقدت قمة تمهيدية في باريس في شهر حزيران الماضي في مقر اليونسكو، حضره ما يقارب 150 وزير ونائب وزير وجمع الناشطين الشباب والمعلمين والحكومات وأصحاب المصلحة والمبادرات الوطنية لمعالجة الإجراءات ذات الأولوية لتغير التعليم.
ولابد من التوضيح أن كل ذلك هو مبادرة تجمع بين أصحاب المصلحة والجهات الفاعلة في مجال التعليم، لخلق حوار عالمي حول الإجراءات المنسقة اللازمة للوصول لتحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة وتفرعاتها الأساسية، والتي تتجسد في ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة، ورغم عدم إلزامية هذه الأهداف من الناحية القانونية، تسعى غالبية الدول للتمسك فيها ومحاولة ملامسة مؤشراتها التنموية، من أجل تنسيق الجهود لتحقيق الرفاه الإنساني. وربما من أهم المكتسبات المستقبلية لهذه الخطة في حال وصلت تلك الأهداف إلى غاياتها ، هو تحقيق ما قيمته 12 تريليون دولار من فرص السوق وإحداث 380 مليون وظيفة جديدة بحلول عام 2030.
واستكمالاً للخطة المزمع تنفيذها أطلقت منظمة الأمم المتحدة عبر مكاتبها، دعوة لعقد قمة “تحويل التعليم”، سعياً نحو مقاربة ذاك الهدف الرابع.
وقد قسمت أيام عمل المؤتمر حسب تراتبية بنائية هرمية، تبدأ من القاعدة العامة في المجتمعات بما سمي يوم “التعبئة”، حيث يقوم الشباب بحملات لكسب التأييد وجمع الجهود وينضم لهم المعلمين والمجتمع المدني والمؤسسات العامة والخاصة كجزء من مسؤوليتها المجتمعية.
ثم يأتي يوم “الحلول” وهو محادثة بين الأجيال من أجل تحول تعليمي مبني على التعليم الرقمي الشامل، وأخيراً يوم “القادة” من أجل حث من هم في مواقع السلطة وأصحاب القرار على الالتزام بوعودهم نحو الالتزام بقضايا تنمية التعليم، حيث تشير الإحصاءات إلى أن 260 مليون طفل حول العالم غير ملتحقين بالتعليم معظمهم من الفتيات.
وقد عمقت الجائحة العالمية هذه الفجوة، حيث كان في الدول الفقيرة والمتوسطة 53% من الأطفال في سن العاشرة غير قادرين على قراءة نص بسيط وفهمه حسب بمؤشر فقر التعليم.
وأما عن آلية عمل الورشات ضمن القمة، فقد كان عبر دوائر مستديرة نُفذت من أجل النقاش والحوار الديمقراطي بين كافة فواعل العملية التعليمية والجهات التي يمكن لها دعم هذه العملية باعتبار قضايا الأطفال ليست قضية تنموية فحسب، بل رفعها لمصافي القضايا الاجتماعية والسياسية التي تهم العالم، وتأسيساً على ذلك تم طرح المحاور الخمس التالية : التعلم في حالات الأزمات – التصدي العالمي لأزمة التعليم- التحول الرقمي للتعليم – النهوض والمساواة بين الجنسين وتمكين الفتيات والنساء في التعليم ومن خلاله – تمويل التعليم.
ومن هذا المنطلق كانت مسارات العمل المواضيعية، تبحث الحلول أجل الوصول في نهاية الألفية الحالية، إلى مدارس شاملة ومنصفة وآمنة ومحمية، والاهتمام بالمعلمين وجعل التعليم مهنة جذابة ، والعمل على ربط التعليم بالمهارات الحياتية ، والتعلم اعتماداً على أدوات التحول الرقمي.
وإجابة عن السؤال المطروح عن المشاركة السورية في هذه القمة، تم إرسال دعوة من الجمعية العامة للأمم المتحدة لوزير التربية والتعليم في حكومة نظام الأسد “دارم طباع”، والذي بدوره أعلن النفير العام لجميع الخبراء التربويين والخبراء الحكوميين، من أجل الاشتراك بالجلسات التمهيدية أولاً، والقمة لاحقاً ، وبناءاً عليه أقام الورش والندوات على مدار أشهر سابقة، مما أفضى إلى إنتاج مخرج وطني كما سماه الطباع “تحويل التعليم في ظل الحروب والكوارث “.
وعلى إثر موافقة المنظمة على الورقة، أزمعَ الأمر على تشكيل وفد واصطحابه معه إلى نيويورك، يمثل المنظمات الشعبية الشبابية ومنهم رؤساء منظمة طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة والاتحاد الوطني لطلبة سورية والأمانة السورية للتنمية”. وشركاء حكوميين وممثلين عن وزارة التخطيط.
وهنا لابد من الإشارة إلى صدور مسودة لإلغاء منظمة طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة في شهر تموز من السنة الفائتة، والعمل حالياً على تصدير هذه الجهات لتمثيل شريحة الطلاب في المرحلتين الابتدائية والإعدادية، في قمة على هذا المستوى من الأهمية في محاولة لإعادة سطوة الحزب القائد على الدولة والمجتمع في أذهان السوريين، وذلك بعد أن تم سنة 2012 شطب المادة الثامنة من الدستور السوري، التي تعتبر “البعث” هو الحزب القائد للمجتمع، حيث جاء ذلك حينها لتخفيف الحنق الشعبي مع اتساع رقعة الاحتجاجات الشعبية ضد نظام الأسد.
أما على المستوى العملي في الفترة التي تلت 2012، استمرت كلاً من منظمة طلائع البعث واتحاد شبيبة الثورة في ممارسة دورها الأيديولوجي التدجيني، علاوةً عن إعطائها أحياناً دوراً أمنياً قمعياً.
إذ تقوم منظمة طلائع البعث بتنسيب جميع الأطفال من عمر 6 سنوات إلى صفوفها، ما أدى إلى خلق زعامات استبدادية وعمقت الشرخ المجتمعي عبر مازرعته في عقول الأطفال بأن كل من يخرج على القائد يعتبر مجرم، وهو عيثٌ بالبنية الفكرية للأطفال، ويعتبر انتهاكًا لحقوق الطفل في تكوين آرائه الخاصة وحرمانه من حقه في ممارسة حرية التعبير.
ولم يكن الحال أحسن في اتحاد شبيبة الثورة الجهة الثانية في صناعة المواطن المطيع، بل وصل الأمر إلى حد جر الطلاب في هذه المرحلة العمرية الحرجة إلى القتال والتسلح، وذلك عبر رفد الجهات الأمنية والعسكرية بطلاب المرحلة المتوسطة والأخيرة، وتدريبهم على حمل السلاح وتجنيد بعضهم بما يسمى كتائب البعث بحجة الدفاع عن أمن المدارس، وتشجيعهم بمزايا تعطيهم مكانة مبنية على قوة التشبيح مثل تصريح أمني والغياب عن الحصص المدرسية ونجاح بدون تعب وفرص أفضل للمفاضلة الثانوية.
وكذلك “اتحاد الوطني لطلبة سورية” والذي كان مصدر ترهيب للطلاب، بعد تورطه باعتقال العديد من الطلاب المشاركين بالانتفاضة الشعبية إضافة لتحويل مقراتهه إلى فروع أمنية للاستجواب والتعذيب.
ولايَخفى على أحد اختزال المجتمع المدني السوري وصَهره في ما يسمى الأمانة السورية للتنمية، والتي تمثل أسماء الأسد رئيس مجلس إدارته من أجل امتصاص مصادر الدعم الخارجي، وتصدير الصورة الوردية للمؤسسات الإنسانية في سورية.
وبالعودة للورقة التي قدّمها وزير التربية في حكومة النظام دارم طباع، فقد تحدث بها عن مجمل سورية، ووضع إحصائيات دون تحديد المناطق التي جرى فيها التعداد، فكيف سيتطرق لإحصاءات المدارس والطلاب في مناطق خارج سيطرة النظام.
لم تكن الغاية من مشاركة وزير النظام دعم قطاع التعليم المتهالك مادياً وبشرياً ، فمن قتل وهجر أكثر من ثلث أطفال سورية، لايهمه من بقي داخل أو خارج سيطرته، هو أراد بيان نقص الميزانية التي تصرف على التعليم وبيان عدد المدارس المهدمة، وذلك للاستفادة من مشاريع دولية وإقليمية تنصب في صالح سياسات إعادة إعمار سورية ، محققاً مكاسب على المدى القريب والبعيد، حيث أن من يشارك في المؤتمر سيوقع على الالتزامات ومواثيق مع الدول الأعضاء على تنفيذ خطط من شأنها تحقيق أهداف التنمية المستدامة حتى عام 2030، وكان من أحدها الاتفاق الذي عقد مع دولة باكستان لتطوير مدارس للمنقطعين والمتسربين.
ربما حالت القوانين الدولية الإنسانية وجود أي صوت معارض لنظام الأسد، خصوصاً أنه كان من ضمن الشروط للمشاركة، إحضار بطاقة هوية صادرة عن دولة عضو في الأمم المتحدة، أو دولة مراقبة. ولكن كانت هناك منصات الكترونية على صفحة منطمة الأمم المتحدة، من أجل مناقشة أي شخص معني بالتعليم، وهذا ماكان خالياً من أي مشاركة لأي صوت مخالف لما يقوله وزير تربية النظام.
وعليه واستدراكاً من تحييد مشاكل شمال غرب سورية التربوية، تتطلب هذه المرحلة السياسية تظافر الجهود الوطنية والمجتمع المدني والفاعلين السوريين من ناشطين وأصحاب أعمال خاصة واتحادات شبابية، ليس سعياً فقط للحصول على دعم مشروع هنا أو مشروع هناك بل من أجل تحفيز العالم على رؤية هموم المناطق التي يواجه فيها التعليم تحدياتٍ كبيرة، الأمر الذي يتطلب جهوداً منسقة ومنظمة تعمل من أجل الصالح العام لا الشخصي، استجابة لأزمة التعليم في الشمال السوري و واقعه المتردي وما يعانيه من فجوات ومشاكل منها زيادة نسب التسرب وانخراط الأطفال بسوق العمل مبكراً كنتيجة لتردي الواقع المعيشي للسكان، ونقص المعلمين وتمويلهم، ما عدا الآثار الكارثية الاجتماعية والنفسية لطلبة دون مستقبل مما يجعلهم ينغمسون في الفقر أكثر.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت