دوار الشمس.. زراعة “استراتيجية” تجد طريقها مجدداً إلى إدلب
على جانبي اتستراد إدلب- باب الهوى، بالقرب من مدينة معرة مصرين، تنتشر حقول دوار الشمس بلونها الأصفر، تلك الزراعة التي عادت لدائرة الاهتمام بعد غياب لأعوام، بفعل العمليات العسكرية وموجات النزوح والتهجير.
ونتيجة الاستقرار النسبي الذي شهدته تلك المنطقة مؤخراً، عاد الاهتمام بزراعة دوار الشمس رغم التحديات والعقبات، خاصة مع خسارة مساحات زراعية واسعة، ونزوح الأهالي عن أراضيهم التي كانت صالحة لهذه الزراعة.
“تهديد بالانقراض”
أبدى أبو أحمد المعري، الأربعيني المهجر من جنوبي حلب إلى شمالي إدلب، تفاؤله بعودة النشاط الزراعي في المنطقة تدريجياً، بعد رؤيته حقول دوار الشمس، لافتاً إلى أن هذه الزراعة الصيفية “الهامة” كادت تنقرض، بعد أن كانت منتشرة بكثرة في سهول حلب الجنوبية وسهل الغاب شمال حماة.
ويقول أبو أحمد، الذي يعمل بالزراعة، لموقع “السورية نت”: “كنا نزرع في الصيف الذرة البيضاء وعباد الشمس والقطن، ولكن بعد شح المياه في نهر قويق عزفنا عن زراعة القطن لكثرة استهلاكه للمياه”.
وبحسب أبو أحمد فإن زراعة عباد الشمس تتميز بانخفاض تكاليفها، وبعد زراعة المحصول وحصاده يتم بيعه للتجار الذين يقومون بتحميصه وتغليفه وطرحه في الأسواق.
ويُعتبر دوار الشمس نباتاً “حولياً” يُحصد مرة في كل عام، ويتكوّن من زهرة كبيرة ذات بتلات صفراء ذهبية، يتوسطها قرص يتراوح قطره بين 10-30 سم، ويحتوي القرص على أزهار صغيرة تنضج لتكوّن البذور.
ويمتلك نبات دوار الشمس ساقاً سميكة مستقيمة ذات شعيرات، لها أوراق علوية بيضوية الشكل صغيرة الحجم تكبر مع التوجه إلى أسفل الساق، مرتبة بالتناوب ومرتبطة بشكل فردي على ساق النبات، ويتراوح طول النبات بين 1-3.5 متر، ويُزرع للحصول على البذور، التي يمكن أن تؤكل كنوع من المكسرات، و يسمى محلياً (البزر).
متطلبات بيئية خاصة
يحتاج دوار الشمس متطلبات بيئية خاصة، بحسب المهندس الزراعي مجد حاج عمر، كونه يُزرع في المناطق الجافة التي تعتمد على الري في إنتاج المحصول، ويمكن زراعته أيضاً في المناطق المُعتدلة بعلياً ولكن هناك احتمالية تعرضه للصقيع.
وتتراوح درجات الحرارة المثالية لنموه بشكل سليم بين 18-25 درجة مئوية، ويعد نبات دوار الشمس من النباتات التي تحتاج إلى فترة ضوء قصيرة لإنتاج أزهارها.
ويمكن لدوار الشمس أن ينمو في مختلف أنواع التربة كالتربة الطينيّة والرمليّة، ولا يحتاج إلى العديد من المواد الغذائية للنمو، كما هو الحال في محاصيل الذرة أو القمح أو البطاطا.
ورغم أن نسبة المواد الغذائية في النبات تكون عالية إلا أنه لا يستغلها في النمو، حيث تعود هذه المواد الغذائية مرة أخرى للتربة، لكن العنصر الأهم الذي يساهم في نمو النبات هو النيتروجين.
ويعد نبات عباد الشمس من النباتات التي لا تتحمل الملوحة العالية في التربة، مثلها مثل محاصيل الذرة والقمح.
ومن الضروريّ أن تكون التربة ذات تصريف جيّد للماء، لأنّ محصول دوار الشمس لا يقاوم غدق التربة كباقي المحاصيل الأخرى.
مراحل الزراعة
يقول المهندس الزراعي مجد حاج عمر، الذي يهتم بتطوير الزراعة في الشمال السوري، إن الدورة الزراعية تبدأ بتجهيز مكان مناسب لزراعة البذور، بحيث يستوجب التأكد من عدم وجود فراغات بجانب البذرة عند وضعها في الحفرة، وإغلاقها بشكل جيد حتى لا تجف، وعند زراعة البذور دون حراثة التربة يجب التأكد من إغلاق الحفر جيداً بعد البذر، إضافة إلى حمايتها من الحشرات التي قد تهاجمها.
ويضيف في حديثه لـ “السورية نت”، أنه من الأفضل زراعة محاصيل دوار الشمس في أواخر فصل الربيع وأوائل فصل الصيف، وعادة ما تحتاج المحاصيل إلى 90 يوماً كمعدل وسطي، ويختلف ذلك من منطقة إلى أخرى بحسب طبيعة المناخ.
وعن حاجة المحصول من المياه، يقول السيد مجد إن المحصول يُروى على الحامي (إعطاء كمية الماء كاملة خلال فترة قصيرة)، مع تجنب تعطيش النبات أو تغريق التربة لفترة طويلة، لافتاً أن نسبة الماء في التربة يجب أن لا تقل عن 55% خاصة في فترة الإنبات.
ويضيف: “لأنّ الجذور تنمو عميقاً يجب القيام بالريّ الكثيف بين 2-4 مرات في التربة المتوسطة الخشونة، كما يمكن القيام بالري المسبق عند الضرورة، ويعد الري السطحيّ الطريقة الأكثر ملاءمة لهذا النوع من المحاصيل”.
تحديات الحصاد
بحسب أبو أحمد المعري، يتم حصد نباتات محصول دوار الشمس بعد مرور حوالي 90 يوماً على زراعة البذور، وذلك عند ظهور علامات النضج عليها، وأبرزها تساقط الأوراق السفلية للنباتات.
ويتم الحصاد يدوياً بقص الأزهار الناضجة، ثم تُنشر تحت أشعة الشمس ليتم فصل البذور عنها بشكل يدوي أيضاً، ومن ثم يتم دراستها عن طريق حصادة يتم تجهيزها خصيصاً لهذا الأمر.
وعن أهم آفات محصول دوار الشمس، يقول السيد مجد: “يمكن حصر الآفات بالديدان الخيطية ودودة سيقان دوار الشمس، ويُمكن التخلص منها برش مبيدات الحشرات في أواخر شهر حزيران أو أوائل شهر تموز، كما يمكن تأخير الزراعة حتى أواخر شهر أيّار أو أوائل شهر حزيران، للتقليل من أعداد اليرقات في سيقان المحصول، كما يمكن أن يصيبها أمراض مثل التعفّن الفحمي وتبقّع الأوراق السبتوري”.
ويعتبر محصول عباد الشمس من أهم المحاصيل الزيتية التي ترتفع نسبة الزيت في بذوره، حيث تصل من 35- 50%، ويتميز الزيت المستخرج منه بجودة خواصه الكيماوية والطبيعية، ما يجعله من أهم المحاصيل الهامة اقتصادياً على مستوى العالم.
ولوحظ في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا تضاعف أسعار زيت عباد الشمس في كل دول العالم، إذ تعتبر أوكرانيا من أكثر دول العالم المنتجة لنبات دوار الشمس، حيث يبلغ إنتاجها ما يقارب 13,626,890 طناً، فيما تحتل روسيا المرتبة الثانية عالمياً، بإنتاج سنوي يصل إلى 11,010,197 طناً تقريباً.
وينتج البلدان قرابة 50% من الإنتاج العالمي، فيما تعتبر أمريكا الشمالية الموطن الأصلي لنبات عباد الشمس ومنها انتقل إلى أوروبا وبقية دول العالم.