حتى ساعة كتابة هذه السطور، يلف الغموض، مصير آل قاطرجي، تلك العائلة التي حقّقت صعوداً سريعاً ومدوّياً في عالم الأعمال بسوريا، مستغلةً معادلات اقتصاد الحرب، خلال العشرية الفائتة.
وبينَ مصادر تقول إن أبرز رجالات العائلة، حسام، أو ربما، شقيقه براء، رهن الاعتقال في دمشق، وبين أخرى تنفي ذلك، تؤكد المعطيات الميدانية المتوفرة أن الصراع على قطاع نقل النفط بين شَطرَي الفرات، ما يزال على أُشده.
يقول الفريق الأول من المصادر، إن حملةً على شركات الأشقاء قاطرجي (حسام، براء، محمد آغا)، أدت إلى إغلاق معظمها، وعجزها عن دفع مستحقاتٍ لتجّار يعملون معهم في “شرق الفرات”، من جراء تجميد الحسابات المالية. واتفقت المصادر بأن السبب الرئيس لتلك الحملة، هو خلاف آل قاطرجي مع محمد حمشو، رجل الأعمال المقرّب من ماهر الأسد، شقيق رأس النظام، وقائد الفرقة الرابعة.
إلا أن سبب الخلاف، ظهر في روايتين، الأولى تقول إن حمشو أراد تحميل آل قاطرجي أعباء مشروعي “ماروتا سيتي” و”أبراج دمشق”، فيما تقول الرواية الثانية، وهي الأرجح، إن سبب الخلاف هو سعي ماهر الأسد -عبر ذراعه الاستثماري، محمد حمشو- إلى سلب قطاع نقل النفط من قبضة آل قاطرجي. وكما هو معلوم، فإن هذه العائلة بنت ثروتها من هذا القطاع تحديداً، منذ كان تنظيم الدولة (داعش)، يُحكم سيطرته على شرقي البلاد. واستمر ذلك مع سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد).
بدوره، ينفي الفريق الثاني من المصادر، تعرّض حسام أو شقيقه براء، للاعتقال، ويورد معلومات ميدانية تؤكد استمرار عمل الصهاريج التابعة للعائلة بنقل النفط من مناطق سيطرة “قسد” إلى مناطق سيطرة النظام. وتشير مصادر هذا الفريق إلى الدعم الروسي الراسخ للعائلة، والذي تجلّى بأقوى صورة، حينما حلّ مقاتلون من ميليشيا “قاطرجي” مكان مقاتلين من ميليشيا “فاغنر”، سحبتهم روسيا من “شرق الفرات” إلى أوكرانيا. إلى جانب المعلومات عن رعاية روسيا لمفاوضات بين “قسد” والنظام، في اجتماعٍ حضره ممثلون عن آل قاطرجي، وتناول زيادة إمدادات النفط من “شرق الفرات”، نهاية الشهر المنصرم.
اللافت في الأمر، أن الفريقين من المصادر مرّروا معلوماتهم عبر وسائل إعلام مُعارضة، بينما يغيب الأمر بشكل شبه كامل عن وسائل الإعلام الموالية. كما أنه ومنذ تداول أنباء اعتقال حسام قاطرجي –أو شقيقه وفق مصادر أخرى-، لم يظهر أحدهما علناً، بصورة تتيح نفي اعتقالهما.
في الوقت نفسه، تتواتر المعلومات عن استمرار حركة صهاريج النفط التابعة للعائلة في نشاطها المعتاد، بالفعل، وذلك وفق مصادر محلية من دير الزور والحسكة والرقة. بل إنه ومنذ تداول أنباء الاعتقال، شهدت مناطق في شرقي سوريا، اشتباكات ومناوشات وتحرشات متبادلة بين الفرقة الرابعة أو ميليشيات مقرّبة منها أو من إيران من جهة، وبين ميليشيا “قاطرجي” من جهة أخرى.
ما سبق يؤكد أن هناك محاولة جدّية للإطاحة بالعائلة. فيما الأخيرة تقاوم، وعلى الأرجح يقوم حسام أو براء، أو كليهما -من مكان احتجازهما-، بالتفاوض مع متنفّذين مقرّبين من رأس هرم النظام في دمشق، للوصول إلى تسوية ما. ودون شك، فإن المحسوبين عليهما يستنفرون الدعم الروسي، في هذه الأثناء.
تكشف محاولة الإطاحة بـ”آل قاطرجي” عن ثلاث معادلات للقوة وتوازناتها في سوريا. الأولى تتمثّل في عدم رغبة آل الأسد (الشقيقان بشار وماهر معاً)، في ظهور أية شخصية أو عائلة ذات قوة مستقلة عنهما، قد تشكل خطراً على استمرارية حكم عائلتهما، مستقبلاً. لذلك أطاحا بـ رامي مخلوف، وقبله، بصهرهما أيمن جابر. واليوم، ربما تأتي محاولة النيل من آل قاطرجي في سياق ذات المعادلة.
أما المعادلة الثانية، فتتعلّق بسعي ماهر الأسد لتعزيز قوته ومصادر الموارد الخاصة به، باستخدام “فرقته” الرابعة. فهو يستولي اليوم على معظم نشاطات الترفيق وإتاوات الحواجز بين المناطق، إلى جانب كثيرٍ من معابر التهريب، ناهيك عن دوره في تجارة المخدرات. وها هو يصبو الآن إلى قطاع نقل النفط، المُغري. وفي هذه المعادلة، تتضارب مصالح ماهر مع شقيقه بشار الأسد. إذ ليس من مصلحة الأخير، اتساع مصادر موارد وقوة الأول، بهذه الصورة. فذلك قد يشكل خطراً على احتمالية توريث الحكم لأولاد بشار، مستقبلاً.
فيما المعادلة الثالثة، تتمثل بسعي إيران المتصاعد للتوسع في الفراغ الذي يخليه الروس، يوماً تلو الآخر، في سوريا، من جراء اهتمامهم بالشأن الأوكراني. فـ”آل قاطرجي”، عُمِّدوا كحلفاء محليين للروس في مطلع العام 2021، في الصفقة الشهيرة التي عقدتها العائلة مع ضباط روس في مطار دير الزور العسكري. لكنهم الآن يعانون من ضغوط هائلة، من حليف إيران المحلي، ماهر الأسد.
فهل سنشهد نهاية هادئة أو مدوّية لآل قاطرجي، على غرار ما حدث مع أيمن جابر، أو رامي مخلوف؟ يبدو أن الجواب الذي ستكشفه الأيام المقبلة سيكون وقفاً على أمرين: الأول، إلى أي حد يمكن لروسيا أن تتغاضى عن النيل من حليف محلي لها، وهل تملك أساساً رفاهية دفع كلفة إنقاذه؟ أما الأمر الثاني فيتعلق بموقف بشار الأسد من المكسب الكبير الذي سيحصّله شقيقه، من إزاحة آل قاطرجي، من “شرق الفرات”. إذ قد يجد “رأس النظام” أن من مصلحته موازنة قوة شقيقه ونفوذه، بتحالفٍ مع هذه العائلة بنفوذها العشائري الكبير. وقد تكون الساعات والأيام التالية، هي الفاصلة في المفاوضات الجارية بدمشق، بهذا الخصوص، تحديداً.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت