لم تتضح معالم أو تفاصيل المبادرة الجديدة التي أعلنها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، من أجل التوصل إلى حل سياسي في سوريا، وذلك خلال تصريحات أطلقها على هامش مشاركته في اجتماعات الدورة 77 للجمعية العامة للأمم المتحدة، وبعد أيام من لقائه مع وزير خارجية نظام الأسد، فيصل المقداد، حيث اكتفى بالقول إن بلاده تحشد دعماً دولياً من أجل عملية سياسية توافقت مبدئياً عليها “السعودية ودول شقيقة وصديقة”، و”تستند إلى قراري الأمم المتحدة رقم 2254 و2642″، وإلى “صيغة الخطوة مقابل خطوة”، معتبراً “أن الجميع يريد أن يرى نهاية لهذه الأزمة، والجميع منفتح على أي آلية يمكنها إنهاء هذه الأزمة”.
ويبدو أن الوزير الأردني تحدث عن فكرة مبادرة عربية يدفع بها الأردن من أجل السير في عملية سياسية في سوريا تقودها الدول العربية، ويراهن في ذلك بشكل أساسي على رد الفعل الأميركي غير الممانع لفكرة المبادرة الأساسية، وعلى عدم ارتياح بعض الأنظمة العربية من مساعي التقارب التركي مع نظام الأسد، بالتالي، إذا سارت الأمور كما يتمناه الساسة الأردنيون، فمن المرجح أن تطرح المبادرة على جدول أعمال القمة العربية المقبلة، المزمع عقدها في مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني من العام الجاري في الجزائر، وذلك بعد فشل محاولات بعض الأنظمة العربية إعادة نظام الأسد إلى الجامعة العربية.
غير أن فكرة المبادرة تنهض على نوع من المقايضة وفق صيغة “خطوة مقابل خطوة”، التي لم تثمر شيئاً على الرغم من اعتمادها طرف المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسن، ولم تنفعه في تسهيل مهمته، ومع ذلك اعتبر الصفدي أنها تستند إلى القرار 2254، الذي يطرح تفاصيل عملية التغيير السياسي في سوريا، وبقي من دون أن تبذل القوى الدولية جهوداً حقيقية من أجل تطبيقه.
كما تستند إلى القرار 2642 الذي مُدد بموجبه تفويض آلية إيصال المساعدات الإنسانية الأممية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا لمدة ستة أشهر قابلة للتمديد لستة أشهر أخرى، ولكن ضمن قرار مستقل يخضع للتصويت من جديد، وتضمن هذا القرار ما يشبه مقايضة غير معلنة بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، لأن الأخيرة لم توافق على تمديد آلية إدخال المساعدات، إلا بعد ربطها بدعم “أنشطة التعافي المبكر” في مناطق سيطرة نظام الأسد، والتركيز على عبور المساعدات من مناطق سيطرته، ضمن آلية “العبور عبر خطوط التماس”، لذلك تحدث الوزير الأردني عن إمكانية “تحقيق تسريع في مشاريع التعافي المبكر وفق القرار 2642″، وذلك بهدف تشجيع النظام على التجاوب مع المبادرة، لأنه يعول على الأموال والمشاريع المرتبطة بـ”التعافي المبكر”، وبات يستعجل الأمم المتحدة لزيادة عدد هذه المشاريع، وتوسيعها لتشمل جميع القطاعات، خاصة قطاع الكهرباء والمياه والخدمات الحيوية.
وليست المرّة الأولى التي يطرح فيها المسؤولون في الأردن فكرة مبادرة للتسوية السياسية في سوريا، إذ سبق أن فتح الأردن معبر نصيب لتنشيط التبادل التجاري مع مناطق النظام، وعقد بعض مسؤوليه لقاءات واتصالات مع نظرائهم في نظام الأسد، تتوجت في أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بالاتصال الهاتفي بين بشار الأسد وملك الأردن، عبد الله الثاني، الذي سبق أن ذهب إلى واشنطن في 19 تموز/ يوليو 2021، كي يسوّق مبادرة تطبيع مع نظام الأسد، اعتبرها شديدة الواقعية، وكانت تنهض على معادلة تزعم بأن الأسد ما يزال في السلطة والنظام باق، وأن الأفضل التطبيع معه، بدلاً من تركه وحده.
ووفق تفضيله هذا طالب أنظمة الدول بأن تكون “ناضجة في تفكيرها”. وبناء عليه، طرح على الرئيس الأميركي، جو بايدن، الانضمام إلى فريق عمل يسعى للاتفاق على خريطة طريق حول سوريا، وأن تتعاون الولايات المتحدة مع روسيا من أجل التوصل إليها، لكن المبادرة ذهبت أدراج الرياح.
وحاول ساسة الأردن إقناع الإدارة الأميركية بإصدار إعفاء من عقوبات قانون قيصر من أجل تمرير اتفاقية الكهرباء إلى لبنان عبر سوريا، وذلك في إطار تعويلهم على ما سيجنونه من ركوب قطار التطبيع مع نظام الأسد، والترويج لإعادته إلى الحضن العربي، وإبعاده عن الحضن الإيراني، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن رهانات التطبيع مع النظام خاسرة على كل المستويات، لذلك اضطروا إلى تغيير حساباتهم حياله، فأطلقوا تصريحات حول استهداف “أمن الأردن الوطني”، وراحوا يتحدثون عن “حرب مخدرات تشن على الأردن من حدوده الجنوبية”، تقودها ميليشيات تؤمر من طرف النظام الإيراني، وذلك بعد تواتر الاشتباكات ما بين الجيش الأردني وشبكات تهريب مخدرات نظام الأسد، الذي حوّل مناطق سيطرته، بالتنسيق مع ميليشيات نظام الملالي الإيراني، إلى أكبر مراكز تصنيع المخدرات في العالم، خاصة حبوب الكبتاغون، وراح يهربها بكميات كبيرة عبر مختلف السبل والطرق، متخذاً حدوده مع الأردن طريقاً رئيسياً لتهريبها إليه، وإلى دول الخليج العربي والعالم.
قد يكون المحرك الأساس لطرح الساسة الأردنيين مبادرة عربية جديدة في سوريا، هو توصلهم إلى قناعة بعدم واقعية دعاوى أن الأسد يمكنه الخروج من تحت العباءة الإيرانية، وباتوا يرون ضرورة إشراك النظام الإيراني في عملية التسوية والإقرار بدورها، وذلك بعد عجز الجيش الأردني عن مواجهة عمليات تدفق المخدرات إلى أراضيه، التي ينفّذها نظام الأسد بدعم النظام في طهران، فضلاً عن تخوف الأردن من تنامي دور الوجود العسكري الإيراني على حدوده الشمالية، ممثلاً بقوات الحرس الثوري والميليشيات الإيرانية الطائفية.
المشكلة هي أن فكرة المبادرة العربية، التي أعلنها الصفدي، تفترض تشجيع نظام الأسد على التجاوب معها عبر قيامه بخطوات، مقابل التطبيع معه والانفتاح عليه وفق نهج خطوة مقابل خطوة، على الرغم من الفشل الذي اعترى المبادرة الأردنية السابقة، وفشل خطوات تطبيع الإمارات العربية وسواها معه، حيث لا يوجد أي ضمان لتغيير نظام الأسد سلوكه ونهجهه، نظراً إلى طبيعته وتركيبته الاستبدادية، بالتالي، فإن هدف المبادرات التي تُطرح ليس التوصل إلى حل سياسي من أجل إنهاء الكارثة السورية، بل تحقيق تسوية تراعي مصالح الدول التي تطرحها، لذلك لا تدخل في حساباتها حجم تضحيات السوريين، ولا هول معاناتهم، ولا طموحاتهم في غد أفضل.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت