تبدو عودة خلايا داعش في سوريا حقيقية بشكل كبير، فالتنظيم الذي ولد عام 2013 وأطلق على نفسه مسمى “الدولة الإسلامية في العراق وبلاد الشام” وتم القضاء عليه عسكريا عام 2017 يبدو أنه عاد إلى المشهد بشكل كبير وتصاعدت حدة عملياته ضد قوات الأسد بشكل أساسي، لقد خاضت داعش منذ ولادتها حربا شرسة ضد تنظيم القاعدة في سوريا “جبهة النصرة” حول فكرة المشروعية، ومع سيطرة تنظيم داعش بشكل كامل على الموصل في حزيران 2014 بدا واضحاً أن تنظيم داعش يختلف عن غيره من التنظيمات الإرهابية التي ظهرت في كل من سوريا أو العراق، فقد اعتمد على موارد عسكرية كبيرة معظمها حصل عليها من الجيش العراقي في العراق، وبنفس الوقت استند على بروبغاندا إعلامية كبيرة عملت على تجنيد المقاتلين ليس فقط في سوريا والعراق وإنما في كل أنحاء العالم.
وعندما تمكن تنظيم داعش من السيطرة على مدينة الرقة (أكبر معاقل التنظيم في سوريا) بعد طرد كل التنظيمات المسلحة من المدينة بما فيها جبهة النصرة وذلك في نيسان 2013 أصبحت داعش طرفا رئيسيا في الحرب الأهلية الدائرة في سوريا منذ ذلك الحين.
لقد تم القضاء عسكريا على تنظيم داعش في سوريا في عام 2017 بعد جهود الولايات المتحدة في تأسيس ما يسمى التحالف الدولي للقضاء على هذا التنظيم، لكن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي لم يعمل على التخلص من الآثار النفسية والاجتماعية والتربوية على المجتمع السوري بعد أكثر من خمس سنوات من القضاء على التنظيم بل بالعكس فالشروط السياسية والأمنية والاجتماعية والاقتصادية كلها مهيأة من أجل عودة التنظيم والزائر لمخيم الهول يدرك تماما ما أعنيه بهذه الشروط.
فلم تبذل الولايات المتحدة أية جهود تذكر من أجل ضمان تحقيق الانتقال السياسي وفق القرار 2254 وبقي وجود القوات الأميركية للتصدي عسكريا لمحاولات التنظيم الصعود مرة أخرى.
ولذلك بقي الهدف الأساسي الذي خرجت من أجله الثورة السورية عام 2011 قائما متمثلا في بقاء الأسد في الحكم وحكمه بقبضة من حديد وقصفه اليومي للمدنيين في المدن السورية المختلفة الخارجة عن سيطرة النظام كما جرى في إدلب وريف حلب ويجري بشكل شبه يومي في المناطق المحررة شمالي سوريا.
فضلا عن ذلك لم يجر التعامل مع إرث داعش في المناطق التي سيطر عليه التنظيم إذ بقي التعامل من زاوية أمنية بحتة، وربما يكون هذا من أخطر الآثار البعيدة المدى للسماح لتنظيم داعش بالعودة بعد سيطرته على مدن سورية مختلفة لمدة طويلة، ثلاث سنوات أو أكثر، فعدد المدنيين الذين عاشوا في مناطق تسيطر عليها داعش في سوريا مئات آلاف المدنيين كانوا عرضة للعيش تحت إدارة عسكرية ودينية متشددة للغاية، تحدد عليهم طريقة اللباس الذي عليهم أن يرتدوه، وتشترط عليهم مواعيد عملهم وطبيعة حياتهم، والأهم من كل ذلك قامت داعش بتغيير المناهج الدراسية في كل المدارس تحت سيطرتها، وملأت هذه المناهج الدراسية بالكثير من المفاهيم الدينية المتشددة والمتطرفة في طبيعة رؤيتها للمسلمين وغير المسلمين مما من شأنه أن يغير الكثير من مفاهيم الأجيال التي نشأت تحت التنظيم من مفاهيمها خاصة بما يتعلق بمفاهيم التسامح والتعايش مع الآخر، لقد لوحظ ارتفاع عدد اليافعين من السوريين الذين قاموا بعمليات انتحارية لصالح داعش بدءاً من عام 2016 علماً أنه كانت هناك مقاومة اجتماعية شديدة لإدارة التنظيم للمناطق في سوريا، أدت إلى قتل الكثير من مقاتلي الجيش السوري الحر والناشطين الذي قاموا بفضح ممارسات التنظيم عبر الإعلام ولذلك عمدت داعش إلى اغتيالهم حتى داخل تركيا كما جرى مع مسؤولي صفحة “الرقة تذبح بصمت” حيث تم اغتيالهم داخل مدينة أورفا في تركيا، ولذلك يمكن القول إن جيلاً جديداً من الشباب السوري ربما يكون معبأً بأفكار تنظيم داعش سيجد نفسه غريبا بعد القضاء العسكري على التنظيم لكنه بنفس الوقت قد تصبح عملية تأطيره لصالح أية عمليات إرهابية داخل سوريا أو خارجها سهلا للغاية.
العامل الآخر هو الوضع الاقتصادي المزري إلى اليوم للمناطق التي سيطر عليه التنظيم، فقد كشفت التجربة أنه حتى بعد دحر تنظيم داعش من مدن مثل منبج والباب وغيرها في سوريا، كانت جهود إعادة الإعمار سواء على المستوى المحلي أو الدولي بطيئة للغاية أو منعدمة، وبالتالي يجد المدنيون أنفسهم أمام حالة من المجهول بعد التخلص من داعش وهو ما حدث في الرقة أيضا، فطريقة شكل الحكم لما بعد داعش مهمة للغاية لإعطاء التطمينات الضرورية للمدنيين، لكن للأسف لم يكن هناك أية خطط من هذا النوع خاصة بما يتعلق بإعادة الإعمار في مناطق مثل الرقة ودير الزور اللتين تعرضتا لقصف عنيف من قبل كل الأطراف وأهمها التحالف الدولي، وبالتالي يمكن القول إن الرقة اليوم تكاد تكون مدمرة بالكامل وإعادة الحياة إليها تحتاج إلى جهود دولية وبرامج اقتصادية كاملة لتجنب الفراغ وبالتالي إفساح المجال لتنظيمات أخرى السيطرة بطرق أخرى من خلال استغلال الحاجة الشديدة للمدنيين في تلك المناطق.
أخيرا وعلى الصعيد السياسي والأمني نشأ فراغ سياسي لمن سيحكم الرقة بعد طرد داعش عليها، وقد تمكنت قوات سوريا الديمقراطية من السيطرة عليها بدعم من الولايات المتحدة، ولذلك فالشكوك بتقسيم سوريا ستزداد وتتعمق، مع الميل الواضح لقوات سوريا الديمقراطية المكونة من الكرد بشكل رئيسي من تأسيس حكم ذاتي خاص بهم في تلك المناطق رغم أنهم ليس لديهم أكثرية في تلك المناطق أبداً، وبالتالي ستصبح الرقة عرضة لعدم الاستقرار السياسي على المدى القصير والطويل وهو ما نلحظه من الاحتجاجات الشعبية ضد قسد من قبل العشائر العربية مما زاد من الصراع الأهلي وتحول إلى صراع إثني بشكل أوضح في ظل الخلاف التاريخي بين القبائل العربية والعشائر في تلك المناطق مع الكرد، وبالتالي مع عدم حدوث حلول سياسية والاكتفاء فقط بالتخلص من داعش عسكريا تعمق الفراغ الأمني في تلك المنطقة وعودة ظهور تنظيمات إرهابية أخرى ربما تنشأ كخلف لتنظيم داعش كما جرى في العراق في عام 2004 بعد القضاء على تنظيم الزرقاوي.
المواد المنشورة والمترجمة على الموقع تعبر عن رأي كاتبها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر مؤسسة السورية.نت