بعد أكثر من عامين على المفاوضات بين لبنان وإسرائيل على ترسيم الحدود البحرية بينهما، توصل الطرفان، قبل أيام، إلى اتفاق حول تنقيب الدولتين عن الغاز والنفط في المنطقة المتنازع عليها.
واعتبر الطرفان الاتفاق “تاريخياً”، وأنه يُبعد إمكانية اندلاع أي مواجهات عسكرية بين البلدين، خاصة بعد تهديد حزب الله بالتصعيد.
تاريخ النزاع
يعود تاريخ النزاع إلى عام 2007، عندما وقع لبنان اتفاقية مع قبرص لتحديد خط المنتصف بينهما.
وفي 2010 وقعت قبرص اتفاقية مع إسرائيل لترسيم حدود المنطقة الاقتصادية الخالصة مع إسرائيل، انتهى بدخول إسرائيل حوالي 860 كليومتراً مربعاً إلى المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية المتفق عليها مع قبرص.
سنة 2011 حدد لبنان وفق مرسوم المنطقة الاقتصادية الخالصة بشكل منفرد، وأرسل الإحداثيات إلى الأمم المتحدة لكن إسرائيل اعترضت عليها.
وتدخلت الولايات المتحدة الأمريكية لحل النزاع بين الطرفين، حيث بدأت عام 2012، بتعيين المبعوث الخاص فريديريك هوف، الذي اقترح برسم ما يعرف بـ “خط هوف”، والذي يمنح بنسبة ثلثين لصالح لبنان وثلث لصالح إسرائيل، لكن لبنان رفض حينها هذا الاقتراح.
في 2013 اقترح مساعد وزير الطاقة الأميركي، أموس هوشتاين، رسم خط أزرق بحري مؤقت بين البلدين، على أن تبقى المنطقة المتنازع عليها خارج عمليات الاستكشاف والتنقيب، حتى يتم الاتفاق بشكل نهائي على ترسم الحدود.
في 2018 بدأت السلطات اللبنانية التنقيب عن الغاز والنفط قبالة سواحلها، ووقعت عقداً مع “توتال” الفرنسية و”إيني” الإيطالية و”نوفاتيك” الروسية، للتنقيب في البلوك “رقم 9” ضمن المياه اللبنانية المتنازع عليه مع تل أبيب.
وتبلغ مساحة البلوك “رقم 9” حوالي 83 ألف كيلومتر مربع، ويوجد في منطقة المياه الإقليمية لكل من سورية ولبنان وقبرص وإسرائيل، في حين يبلغ مجمل مساحة المياه الإقليمية اللبنانية حوالي 22 ألف كم مربع، فيما تبلغ المساحة المتنازع عليها مع إسرائيل 854 كم مربع.
وحسب التقديرات فإن حصة لبنان من الغاز الطبيعي في البلوك “رقم 9” تصل إلى حوالي 96 تريليون قدم مكعبة.
وبعد اعتزام لبنان التنقيب في هذه المياه، عادت واشنطن للعب دور الوساطة برعاية الأمم المتحدة، إذ عقد الطرفان عدة جولات من المفاوضات خلال العامين الماضيين، دون التوصل إلى أي اتفاق.
اتفاق بعد تهديدات
وتوقفت المفاوضات منتصف 2021 لمدة عام كامل، قبل أن تستأنف في يونيو/ حزيران الماضي، لكن دون جدوى، ليبدأ خطاب التصعيد العسكري.
في مطلع يوليو/ تموز أعلن “حزب الله” إطلاق ثلاث مسيرات غير مسلحة بمهمة استطلاعية، فوق المنطقة المتنازع عليها في البحر، كما حذر الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، في منتصف الشهر نفسه من اندلاع حرب في حال لم يحصل لبنان على الغاز.
تهديد “حزب الله” قابله تحذير إسرائيلي بتوجيه ضربة للحزب “لا يستطيع أن يتخيها”، حسب ما صرح القائد القادم لسلاح الجو الإسرائيلي تومر بار.
ودفعت التهديدات إلى تسريع قطار المفاوضات، وبعد عدة جولات وافق الطرفان، الأسبوع الماضي، على مسودة لاتفاق نهائي، وتمت الموافقة عليها من قبل تل أبيب ولبنان.
وقال الرئيس اللبناني، ميشال عون، الخميس الماضي، إن المحادثات “وصلت إلى نهاية إيجابية، وإن الاتفاق يمثل إنجازاً تاريخياً استعاد فيه لبنان 860 كيلومتراً مربعاً من الأراضي البحرية المتنازع عليها”.
وأضاف أن “الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة”، مؤكدًا عدم تقديم لبنان “أي تنازلات جوهرية وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض” وفق تعبيره.
في حين وصف رئيس الوزراء الإسرائيلي، لبيد يائير، الاتفاق بأنه “تاريخي”، وقال إنه “يبعد إمكان (اندلاع) مواجهات مسلحة مع حزب الله”.
ماذا ينص الاتفاق؟
وينص الاتفاق، حسب وكالة “فرانس برس” التي اطلعت على نسخة منه، على أن “يصبح حقل كاريش بالكامل في الجانب الإسرائيلي، فيما يضمن الاتفاق للبنان كامل حقل قانا الذي يتجاوز خط الترسيم الفاصل بين الطرفين”.
ويقع حقل قانا في البلوك “رقم 9″، و”ستحصل إسرائيل على تعويض من مشغل البلوك بعد توقيع اتفاقية مالية بينهما”.
كما نص الاتفاق على “العمل بحسن نيّة” من قبل تل أبيب مع مشغّل البلوك رقم 9 لضمان تسوية الاتفاق، ولا يحق لها الاعتراض على أي أنشطة أو تتخذ أي إجراء من شأنها تأخير تنفيذ الأنشطة.
وأوضح يائير لبيد أن إسرائيل ستتلقى “نحو 17 في المئة من عائدات حقل قانا حين يدخل مرحلة الإنتاج”.
ونص الاتفاق:”يجب على كل طرف مشاركة البيانات حول جميع موارد خط الحدود البحرية المعروفة حالياً وأي موارد تم تحديدها لاحقًا مع الولايات المتحدة”.
و”يعتزم الطرفان حل أي خلافات تتعلق بتفسير وتنفيذ هذه الاتفاقية من خلال المناقشة التي تسهلها الولايات المتحدة”.
وتدخل هذه الاتفاقية حيز التنفيذ “في التاريخ الذي ترسل فيه حكومة الولايات المتحدة الأمريكية إشعاراً، يؤكد أن كل طرف قد وافق على الشروط المنصوص عليها في وثيقة الاتفاق.